تعظیم شعائر الله دلیل على تقوى القلوب:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة الحجّ / الآیة 31 ـ 33 سورة الحجّ / الآیة 34 ـ 35

عقّبت الآیات هنا المسألة التی أکّدتها آخِر الآیات السابقة، وهی مسألة التوحید، وإجتناب أىّ صنم وعبادة الأوثان. حیث تقول (حنفاء لله غیر مشرکین به)(1) أی أقیموا مراسم الحجّ والتلبیة فی حالة تخلصون فیها النیّة لله وحده  لا یخالطها أىّ شرک أبداً.

«حنفاء» جمع «حنیف» أی الذی إستقام وإبتعد عن الضلال والانحراف، أو بتعبیر آخر: هو الذی سار على الصراط المستقیم، لأنّ «حنف» على وزن «صدف» تعنی الرغبة، ومَن رغب عن کلّ انحراف فقد سار على الصراط المستقیم.

وعلى هذا فإنّ الآیة السابقة اعتبرت الإخلاص وقصد القربة إلى الله محرّکاً أساسیّاً فی الحجّ والعبادات الاُخرى، حیث ذکرت ذلک بشکل عام، فالإخلاص أصل العبادة، والمراد به الإخلاص الذی لا یخالطه أىّ نوع من الشرک وعبادة غیر الله.

جاء فی حدیث عن الإمام الباقر(علیه السلام) أجاب فیه مبیّناً معنى کلمة حنیف: «هی الفطرة التی فطر الناس علیها، لا تبدیل لخلق الله، قال: فطرهم الله على المعرفة»(2).

إنّ التّفسیر الذی تضمّنه هذا الحدیث، هو فی الواقع إشارة إلى أساس الإخلاص، أی:

الفطرة التوحیدیّة التی تکون مصدراً لقصد القربة إلى الله، وتحریکاً ذاتیاً من الله.

ثمّ ترسم الآیة ـ موضع البحث ـ صورة حیّة ناطقة عن حال المشرکین وسقوطهم وسوء طالعهم، حیث تقول: (ومن یشرک بالله فکأنّما خرّ من السّماء فتخطفه الطیر أو تهوی به الریح فی مکان سحیق)(3).

«السّماء» هنا کنایة عن التوحید، و«الشرک» هو السبب فی السقوط من السّماء هذه.

ومن الطبیعی أن تکون فی هذه السّماء نجوماً زاهرة وشمساً ساطعة وقمراً منیراً فطوبى لمن یکون شمساً أو قمراً أو فی الأقل نجماً متلألئاً، ولکن الإنسان عندما یسقط من هذا المکان العالی یبتلى بأحد أمرین: فإمّا یصبح طعماً للطیور الجوارح أثناء سقوطه وقبل وصوله إلى الأرض، وبعبارة اُخرى: یبتلى بفقدانه هذا المکان السامی بأهوائه النفسیّة المعاندة. حیث تأکل هذه الأهواء جانباً من وجوده.

وإذا نجا بسلام منها، ابتلی بعاصفة هوجاء تدکّه فی إحدى زوایا الأرض بقوّة تفقده سلامته وحیاته، ویتناثر بدنه قطعاً صغیرة فی أنحاء المعمورة، وهذه العاصفة الهوجاء قد تکون کنایة عن الشیطان الذی نصب شراکه للإنسان!

وممّا لا شکّ فیه أنّ الذی یسقط من السّماء یفقد کلّ قدرة على اتّخاذ قرار ما، وتزداد سرعة سقوطه لحظة بعد اُخرى نحو العدم، ویصبح نسیاً منسیاً.

حقّاً أنّ الذی یفقد قاعدة السّماء التوحیدیّة، یفقد القدرة على تقریر مصیره بنفسه، وکلّما سار فی هذا الإتّجاه إزداد سرعة نحو الهاویة، وفقد کلّ ما لدیه.

ولا نجد تشبیهاً للشرک یُضاهی هذا التشبیه الرائع.

کما تجب ملاحظة ما تأکّد فی هذا الزمان من حالة إنعدام الوزن فی السقوط الحرّ، ولهذا تجرى إختبارات على الفضائیین للاستفادة من هذه الحالة لیعدّوا أنفسهم للسفر إلى الفضاء. لأنّ مسألة إنعدام الوزن هی التی تؤدّی بالإنسان إلى اضطرابه بشکل خارق أثناء السقوط الحرّ.

والذی ینتقل من الإیمان إلى الشرک ویفقد قاعدته المطمئنة وأرضه الثابتة تبتلى روحه بمثل حالة إنعدام الوزن، ویسیطر علیه إضطراب خارق للعادة.

وأوجزت الآیة التالیة مسائل الحجّ وتعظیم شعائر الله ثانیة فتقول (ذلک) أی إنّ الموضوع کما قلناه، وتضیف (ومن یعظّم شعائر الله فإنّها من تقوى القلوب).

«الشعائر» جمع «شعیرة» بمعنى العلامة والدلیل، وعلى هذا فالشعائر تعنی علامات الله وأدلّته، وهی تضمّ عناوین لأحکامه وتعالیمه العامّة، وأوّل ما یلفت النظر فی هذه المراسم مناسک الحجّ التی تذکّرنا بالله سبحانه وتعالى.

ومن البدیهی کون مناسک الحجّ من الشعائر التی قصدتها هذه الآیة، خاصّة مسألة الاُضحیة التی اعتبرتها الآیة 36 من نفس السورة ـ وبصراحة ـ من شعائر الله، إلاّ أنّ من الواضح مع کلّ هذا، إحتفاظ الآیة بمفهوم شمولی لجمیع الشعائر الإسلامیة، ولا دلیل على إختصاصها ـ فقط ـ بالأضاحی، أو جمیع مناسک الحجّ. خاصّةً أنّ القرآن یستعمل «من» التی یستفاد منها التفریق فی مسألة أضحیة الحجّ، وهذا دلیل على أنّ الاُضحیة من شعائر الله کالصفا والمروة التی تؤکّد الآیة 158 من سورة البقرة على أنّهما من شعائر الله (إنّ الصفا والمروة من شعائر الله).

ویمکن القول: إنّ شعائر الله تشمل جمیع الأعمال الدینیّة التی تذکّر الإنسان بالله سبحانه وتعالى وعظمته، وإنّ إقامة هذه الأعمال دلیل على تقوى القلوب.

کما تجب ملاحظة أنّ المراد من عبارة (یعظّم) لیس کما قاله بعض المفسّرین من عظمة جثّة الاُضحیة وأمثالها، بل حقیقة التعظیم تعنی تسامی مکانة هذه الشعائر فی عقول الناس وبواطنهم، وأن یؤدّوا ما تستحقّه هذه الشعائر من تعظیم وإحترام.

کما أنّ العلاقة بین هذا العمل وتقوى القلب واضحة أیضاً، فالتعظیم رغم کونه یحتاج إلى القصد والنیّة، فإنّه یحدث کثیراً أن یقوم المنافقون بالتظاهر فی تعظیم شعائر الله، إلاّ أنّ ذلک لا قیمة له، لأنّه لا ینبع من تقوى القلوب، إنّما تجده حقیقة لدى أتقیاء القلوب، ونعلم أنّ مرکز التقوى وجوهر إجتناب المعاصی والشعور بالمسؤولیة إزاء التعالیم الإلهیّة فی قلب الإنسان وروحه، ومنه ینفذ إلى الجسد. لهذا نقول: إنّ تعظیم الشعائر الإلهیّة من علامات التقوى القلبیّة(4).

وقد جاء فی حدیث عن الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) أنّه قال وهو یشیر إلى صدره المبارک: «التقوى هاهنا»(5).

ویستدلّ من بعض الأحادیث أنّ مجموعة من المسلمین کانوا یعتقدون بعدم جواز الرکوب على الاُضحیة (الناقة أو ما شابهها) حین جلبها من موطنهم إلى منى للذبح، کما یرون عدم جواز حلبها أو الإستفادة منها بأىّ شکل کان، ولکن القرآن نفى هذه العقیدة الخرافیة حیث قال: (لکم فیها منافع إلى أجل مسمّى).

وجاء فی حدیث نبوی أنّ الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) مرّ برجل یسوق بدنة وهو فی جهد، فقال(علیه السلام): «ارکبها» فقال: یارسول الله إنّها هدی. فقال(صلى الله علیه وآله) «ارکبها ویلک»(6).

کما أکّدت أحادیث عدیدة وردتنا عن أهل البیت(علیهم السلام) هذا الموضوع ومنها حدیث رواه أبو بصیر عن الإمام الصادق(علیه السلام) فی قوله عزّوجلّ: (لکم فیها منافع إلى أجل مسمّى) قال: «إن احتاج إلى ظهرها رکبها من غیر عنف علیها، وإن کان لها لبن حلبها حلاباً لا ینهکها»(7).

والحقیقة أنّ الحکم أعلاه معتدل وحدّ وسط بین عملین یتّصفان بالإفراط وبعیدین عن المنطق.

فمن جهة کان البعض لا یحتفظ بالأضاحی أبداً حیث یذبحها قبل الوصول إلى «منى» ویستفید من لحومها. وقد نهى القرآن عن ذلک کما جاء فی الآیة الثّانیة من سورة المائدة (لا تحلّوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدی ولا القلائد).

ومن جهة اُخرى کان آخرون یفرطون إلى درجة عدم الاستفادة من الانعام بمجرّد تخصیصها للاُضحیة، فلا یحلبونها ولا یرکبون علیها إن کانت ممّا یرکب وإن بعدت المسافة بین موطنهم ومکّة، وقد أجازت الآیة موضع البحث ذلک.

والنقد الوحید الذی یمکن أن یوجّه إلى التّفسیر السالف الذکر، هو أنّ الآیات السابقة، لم تتطرّق إلى الأضاحی، فکیف یعود ضمیر الآیة اللاحقة إلیها؟

ولکن مع ملاحظة کون حیوان الأضاحی من مصادیق «شعائر الله» التی اُشیر إلیها فی الآیة السابقة، وسیأتی ذکرها أیضاً بعد هذا، یتّضح بذلک الجواب عن هذا الاستفسار(8).

وعلى کلّ حال تذکر الآیة فی ختامها نهایة مسار الاُضحیة: (ثمّ محلّها إلى البیت العتیق).

وعلى هذا یمکن الاستفادة من الانعام المخصّصة للاُضحیة ما دامت فی الطریق إلى موضع الذبح، وبعد الوصول یجرى ما یلزم، وبالطبع فإنّ المفسّرین یقولون بأنّ الذبح یجب أن یتمّ فی منى إن کانت الاُضحیة تخصّ الحجّ، أمّا إذا کانت لعمرة مفردة ففی أرض مکّة، وبما أنّ الآیات المذکورة تبحث فی مراسم الحجّ، فیجب أن یکون للبیت العتیق (الکعبة) مفهوم واسع لیشمل بذلک أطراف مکّة (أی منى) أیضاً.


1.«حنفاء» و«غیر مشرکین»، کلاهما حال لضمیر (اجتنبو)فی الآیة السابقة.
2. توحید الصدوق، ص 33.
3.«تخطفه» مشتقّة من «الخطف» على وزن فعل، بمعنى الإمساک بالشیء أثناء تحرّکه بسرعة و«سحیق» تعنی «البعید» وتطلق على النخلة العالیة کلمة «سحوق».
4. بما أنّ هناک إرتباطاً بین الشرط والجزاء، وکلاهما یخصّان موضوعاً واحداً، نجد فی الآیة السالفة الذکر محذوفاً تقدیره (ومن یعظّم شعائر الله فإنّ تعظیمها من تقوى القلوب). ویمکن أن یکون الجزاء محذوفاً فتکون عبارة «فإنّها من تقوى القلوب» علّة نابت عن معلول تقدیره: (ومن یعظّم شعائر الله فهو خیر له فإنّ تعظیمها من تقوى القلوب).
5. تفسیر القرطبی، ج 7، ص 4448.
6. التّفسیر الکبیر، ج 23، ص 33.
7. تفسیر نورالثقلین، ج 3، ص 497.
8. ما ذکر أعلاه هو تفسیر واضح للآیة موضع البحث، وهنا نذکر تفسیرین آخرین:
الأوّل: إنّ ضمیر «فیها» یعود إلى مناسک الحجّ جمیعاً، وهنا یکون تفسیرها «لکم منافع فی جمیع مناسک الحجّ حتى الزمن المحدّد بإنتهاء الحجّ أو نهایة العالم، ومن ثمّ تقع آخر مراسم الحجّ حیث یخلع الحاج إحرامه ویصبح مجاوراً للکعبة لیؤدّی طوافی الحجّ والنساء» وبهذا تکون هذه الآیة شبیهة بالآیة التی فسّرناها سابقاً (لیشهدوا منافع لهم).
والتّفسیر الثّانی: أن یعود ضمیر «فیها» إلى الشعائر الإلهیّة کلّها، إضافة إلى التعالیم الإسلامیة العظیمة، وعندها یکون معنى الآیة «لکم جزاء جمیل ومنافع کبیرة فی مجموع التعالیم الإسلامیة والشعائر الإلهیّة حتى نهایة العالم، ومن ثمّ یجزیکم خالق البیت العتیق». إلاّ أنّ التّفسیر الذی ذکرناه فی متن الکتاب أکثر ملاءمة وأقرب معنى إلى سائر الآیات القرآنیة والأحادیث الإسلامیة وأکثر إنسجاماً معها.
سورة الحجّ / الآیة 31 ـ 33 سورة الحجّ / الآیة 34 ـ 35
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma