لقد حُدّدت عقوبتان لاُولئک الذین یعرضون عن ذکر الله: إحداهما: المعیشة الضنک فی هذه الدنیا، والتی اُشیر إلیها فی الملاحظة السابقة، والاُخرى: العمى فی الآخرة.
وقلنا مراراً: إنّ عالم الآخرة هو تجسّم أوسع لعالم الدنیا، وکلّ حقائق هذا العالم تتجسّد هناک بما یناسبها هنا، فاُولئک الذین عمیت بصیرتهم عن مشاهدة الحقائق فی هذه الدنیا، ستعمى هناک عیون أجسامهم، ولذلک فإنّهم حین یتساءلون بأنّا کنّا قبل هذا صحیحی البصر، فلماذا حشرنا عمیاً؟ یقال لهم: لأنّکم قد نسیتم آیات الله، وهذه الحالة إنعکاس لتلک الحالة.
سؤال: وهنا ینقدح سؤال، وهو: إنّ ظاهر بعض الآیات القرآنیة هو أنّ کلّ الناس یبصرون فی یوم القیامة، ویقال لهم: اقرؤوا صحیفة أعمالکم (اقرأ کتابک...)(1)، أو أنّ المجرمین یرون نار جهنّم بأعینهم: (ورأى المجرمون النّار...)(2)، فکیف تناسب هذه التعبیرات کون جماعة عمیاً؟
والجواب: قال بعض المفسّرین إنّ حال ذلک العالم تختلف عن حال هذا العالم، فربّما کان بعض الأفراد مبصرین فی مشاهدة بعض الاُمور، وعمیاناً عن مشاهدة البعض الآخر، وعلى ما ینقل العلاّمة الطبرسی عن بعض المفسّرین: إنّه أعمى عن جهات الخیر لا یهتدى لشیء منها، لأنّ نظام ذلک العالم یختلف عن نظام هذا العالم.
ویحتمل أیضاً أن یکون هؤلاء فی بعض المنازل والمواقف عمیاً، وفی بعضها مبصرین.
ثمّ إنّ المراد من نسیان المجرمین فی العالم الآخر لیس هو نسیان الله سبحانه لهم، بل من الواضح أنّ المراد معاملة هؤلاء معاملة الناسی، کما نستعمل ذلک فی محاوراتنا الیومیّة، فإذا لم یهتمّ شخص بآخر، فإنّ الثّانی یقول له: لماذا نسیتنی؟