عندما تصیر النّار جنّة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة الأنبیاء / الآیة 68 ـ 70 1ـ السعی للخیر والشرّ

مع أنّ عبدة الأوثان اُسقط ما فی أیدیهم نتیجة إستدلالات إبراهیم العلمیّة والمنطقیّة، وإعترفوا فی أنفسهم بهذه الهزیمة، إلاّ أنّ عنادهم وتعصّبهم الشدید منعهم من قبول الحقّ، ولذلک فلا عجب من أن یتّخذوا قراراً صارماً وخطیراً فی شأن إبراهیم، وهو قتل إبراهیم بأبشع صورة، أی حرقه وجعله رماداً!

هناک علاقة عکسیّة بین القوّة والمنطق عادةً، فکلّ من إشتدّت قوّته ضعف منطقه، إلاّ رجال الحقّ فإنّهم کلّما زادت قوّتهم یصبحون أکثر تواضعاً ومنطقاً.

وعندما لا یحقّق المتعصّبون شیئاً عن طریق المنطق، فسوف یتوسّلون بالقوّة فوراً، وقد طبّقت هذه الخطّة فی حقّ إبراهیم تماماً کما یقول القرآن الکریم: (قالوا حرّقوه وانصروا آلهتکم إن کنتم فاعلین).

إنّ المتسلّطین المتعنّتین یستغلّون نقاط الضعف النفسیّة لدى الغوغاء من الناس لتحریکهم ـ عادةً ـ لمعرفتهم بالنفسیات ومهارتهم فی عملهم! وکذلک فعلوا فی هذه الحادثة، وأطلقوا شعارات تثیر حفیظتهم، فقالوا: إنّ آلهتکم ومقدّساتکم مهدّدة بالخطر، وقد سُحقت سنّة آبائکم وأجدادکم، فأین غیرتکم وحمیّتکم؟! لماذا أنتم ضعفاء أذلاّء؟ لماذا لا تنصرون آلهتکم؟ احرقوا إبراهیم وانصروا آلهتکم ـ إذا کنتم لا تقدرون على أىّ عمل ـ ما دام فیکم عرق ینبض، ولکم قوّة وقدرة.

اُنظروا إلى کلّ الناس یدافعون عن مقدّساتهم، فما بالکم وقد أحدق الخطر بکلّ مقدّساتکم؟!

والخلاصة، فقد قالوا الکثیر من أمثال هذه الخزعبلات وأثاروا الناس ضدّ إبراهیم بحیث إنّهم لم یکتفوا بعدّة حزم من الحطب تکفی لإحراق عدّة أشخاص، بل أتوا بآلاف الحزم وألقوها حتى صارت جبلا من الحطب ثمّ أشعلوه فاتّقدت منه نار مهولة کأنّها البحر المتلاطم والدخان یتصاعد إلى عنان السّماء لینتقموا من إبراهیم أوّلا، ولیحفظوا مهابة أصنامهم المزعومة التی حطّمتها خِطّته وأسقطت اُبهّتها!!

لقد کتب المؤرّخون هنا مطالب کثیرة، لا یبدو أىّ منها بعیداً، ومن جملتها قولهم: إنّ الناس سعوا أربعین یوماً لجمع الحطب، فجمعوا منه الکثیر من کلّ مکان، وقد وصل الأمر إلى أنّ النساء اللاتی کان عملهنّ الحیاکة فی البیوت، خرجن وأضفن تلاًّ من الحطب إلى ذلک الحطب، ووصّى المرضى المشرفون على الموت بمبلغ من أموالهم لشراء الحطب، وکان المحتاجون ینذرون بأنّهم یضیفون مقداراً من الحطب إذا قضیت حوائجهم، ولذلک عندما أشعلوا النّار فی الحطب من کلّ جانب إشتعلت نار عظیمة بحیث لا تستطیع الطیور أن تمرّ فوقها.

من البدیهی أنّ ناراً بهذه العظمة لا یمکن الإقتراب منها، فکیف یریدون أن یلقوا إبراهیم فیها، ومن هنا اضطروا إلى الإستعانة بالمنجنیق، فوضعوا إبراهیم علیه وألقوه فی تلک النّار المترامیة الأطراف بحرکة سریعة(1).

ونقرأ فی الرّوایات المنقولة عن طرق الشّیعة والسنّة أنّهم عندما وضعوا إبراهیم على المنجنیق، وأرادوا أن یلقوه فی النّار، ضجّت السّماء والأرض والملائکة، وسألت الله سبحانه أن یحفظ هذا الموحّد البطل وزعیم الرجال الأحرار.

ونقلوا أیضاً أنّ جبرئیل جاء للقاء إبراهیم، وقال له: ألک حاجة؟ فأجابه إبراهیم بعبارة موجزة: «أمّا إلیک فلا» إنّی أحتاج إلى من هو غنی عن الجمیع، ورؤوف بالجمیع.

وهنا إقترح علیه جبرئیل فقال: فاسأل ربّک، فأجابه: «حسبی مِن سؤالی علمه بحالی»(2).

وفی حدیث عن الإمام الباقر (علیه السلام): إنّ إبراهیم ناجى ربّه فی تلک الساعة: «یاأحد یاأحد، یاصمد یاصمد، یامن لم یلد ولم یولد، ولم یکن له کفواً أحد، توکّلت على الله»(3).

کما ورد هذا الدعاء بعبارات مختلفة وفی العدید من المصادر الاُخرى.

وعلى کلّ حال، فقد اُلقی إبراهیم فی النّار وسط زغارید الناس وسرورهم وصراخهم، وقد أطلقوا أصوات الفرح ظانّین أنّ محطّم الأصنام قد فنی إلى الأبد وأصبح تراباً ورماداً.

لکنّ الله الذی بیده کلّ شیء حتى النّار لا تحرق إلاّ بإذنه، شاء أن یبقى هذا العبد المؤمن المخلص سالماً من لهب تلک النّار الموقدة لیضیف وثیقة فخر جدیدة إلى سجل إفتخاراته، وکما یقول القرآن الکریم: (قلنا یانار کونی برداً وسلاماً على إبراهیم).

لا شکّ أنّ أمر الله هنا کان أمراً تکوینیّاً، کالأمر الذی یصدره فی عالم الوجود إلى الشمس والقمر، والأرض والسّماء، والماء والنّار، والنباتات والطیور.

والمعروف أنّ النّار قد بردت برداً شدیداً إصطکّت أسنان إبراهیم منه، وحسب قول بعض المفسّرین: إنّ الله سبحانه لو لم یقل: سلاماً، لمات إبراهیم من شدّة البرد، وکذلک نقرأ فی روایة مشهورة أنّ نار نمرود قد تحوّلت إلى حدیقة غناء(4). حتى قال بعض المفسّرین إنّ تلک اللحظات التی کان فیها إبراهیم فی النّار، کانت أهدأ وأفضل وأجمل أیّام عمره(5).

على کلّ حال، فهناک اختلاف کبیر بین المفسّرین فی کیفیة عدم إحراق النّار لإبراهیم، إلاّ أنّ مجمل الکلام أنّه فی فلسفة التوحید لا یصدر أىّ مسبّب عن أىّ سبب إلاّ بأمر الله، فیقول یوماً للسکّین التی فی ید إبراهیم: لا تقطعی، ویقول یوماً آخر للنار: لا تحرقی، ویوماً آخر یأمر الماء الذی هو أساس الحیاة أن یغرق فرعون والفراعنة!

ویقول الله سبحانه فی آخر آیة من الآیات محلّ البحث على سبیل الاستنتاج بإقتضاب: أنّهم تآمروا علیه لیقتلوه ولکن النتیجة لم تکن فی صالحهم (وأرادوا به کیداً فجعلناهم الأخسرین).

لا یخفى أنّ الوضع قد إختلف تماماً ببقاء إبراهیم سالماً، وخمدت أصوات الفرح، وبقیت الأفواه فاغرة من العجب، وکان جماعة یتهامسون علناً فیما بینهم حول هذه الظاهرة العجیبة، وأصبحت الألسن تلهج بعظمة إبراهیم وربّه، وأحدق الخطر بوجود نمرود وحکومته، غیر أنّ العناد ظلّ مانعاً من قبول الحقّ، وإن کان أصحاب القلوب الواعیة قد استفادوا من هذه الواقعة، وزاد إیمانهم مع قلّتهم.


1. تفسیر مجمع البیان، وتفسیر المیزان، والتفسیرالکبیر، وتفسیر القرطبی، فی ذیل الآیات مورد البحث. وکذلک الکامل لابن الأثیر، ج 1، ص 98.
2. روضة الکافی، طبقاً لنقل تفسیر المیزان، ج 14، ص 336.
3. تفسیر الکبیر ذیل الآیة مورد البحث.
4. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث.
5. التّفسیر الکبیر، ذیل الآیة مورد البحث.
سورة الأنبیاء / الآیة 68 ـ 70 1ـ السعی للخیر والشرّ
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma