موسى وطلباته القیّمة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة طه / الآیة 24 ـ 361ـ شروط قیادة الثورة

إلى هنا وصل موسى إلى مقام النبوة، وتلقّى معاجز مهمّة تسترعی الإنتباه، إلاّ أنّه من الآن فصاعداً صدر له أمر الرسالة... رسالة عظیمة وثقیلة جدّاً... الرسالة التی تبدأ بإبلاغ أعتى وأخطر شخص فی ذلک المحیط، فتقول الآیة: (اذهب إلى فرعون إنّه طغى).

أجل... فمن أجل إصلاح بیئة فاسدة، وإیجاد ثورة شاملة یجب البدء برؤوس الفساد وأئمّة الکفر... اُولئک الذین لهم تأثیر فی جمیع أرکان المجتمع، ولهم حضور فی کلّ مکان، بأنفسهم أو أفکارهم أو أنصارهم... اُولئک الذین ترکّزت کلّ الوسائل والمنظّمات الإعلامیة والاقتصادیة والسیاسیة فی قبضتهم، فإذا ما اصلح هؤلاء، أو قلعت جذورهم عند عدم التمکّن من إصلاحهم، فیمکن أن یؤمن خلاص ونجاة المجتمع، وإلاّ فإنّ أی إصلاح یحدث فإنّه سطحی ومؤقت وزائل.

والملفت للنظر أنّ دلیل وجوب الإبتداء بفرعون ذُکر فی جملة قصیرة: (إنّه طغى) حیث جمع فی کلمة (طغیان) کلّ شیء... الطغیان وتجاوز الحدود فی کلّ أبعاد الحیاة، ولذلک یقال لهؤلاء الأفراد: طاغوت.

ومضافاً إلى أنّ موسى (علیه السلام) لم یستوحش ولم یخف من هذه المهمّة الثقیلة الصعبة، ولم یطلب من الله أىّ تخفیف فی هذه المهمّة، فإنّه قد تقبّلها بصدر رحب، غایة ما فی الأمر أنّه

طلب من الله أسباب النصر فی هذه المهمّة. ولمّا کان أهم وأوّل أسباب النصر الروح الکبیرة، والفکر الوقّاد، والعقل المقتدر، وبعبارة اُخرى: رحابة الصدر ، فقد (قال رب اشرح لی صدری).

نعم إنّ أوّل رأسمال لقائد ثوری هو رحابة الصدر، والصبر الطویل، والصمود والثبات، والشهامة وتحمّل المشاکل والمصاعب، ولذلک فإنّنا نقرأ فی حدیث عن أمیر المؤمنین (علیه السلام): «آلة الریاسة سعة الصدر»(1). وقد بحثنا الصدر ومعناه فی ذیل الآیة 125 من سورة الأنعام.

ولمّا کان هذا الطریق ملیئاً بالمشاکل والمصاعب التی لا یمکن تجازوها إلاّ بلطف الله، فقد طلب موسى من الله فی المرحلة الثّانیة أن تُیسر له اُموره وأعماله، وأن تذلل هذه العقبات التی تعترضه، فقال: (ویسر لی أمری).

ثمّ طلب موسى أن تکون له قدرة على البیان بأعلى المراتب فقال: (واحلل عقدة من لسانی) فصحیح أنّ امتلاک الصدر الرحب أهم الاُمور والأسس، إلاّ أنّ بلورة هذا الأساس تتمّ إذا وجدت القدرة على إراءته وإظهاره بصورة کاملة، ولذلک فإنّ موسى بعد طلب انشراح الصدر، ورفع الموانع والعقبات، طلب من الله حلّ العقدة من لسانه.

خاصّة وأنّه بیّن علّة هذا الطلب فقال: (یفقهوا قولی) فهذه الجملة فی الحقیقة تفسیر للآیة التی قبلها، ومنها یتّضح أنّ المراد من حلّ عقدة اللسان لم یکن هو التلکّؤ وبعض العسر فی النطق الذی أصاب لسان موسى (علیه السلام) نتیجة احتراقه فی مرحلة الطفولة ـ کما نقل ذلک بعض المفسّرین عن ابن عباس ـ بل المراد عقدة اللسان المانعة من إدراک وفهم السامع، أی أرید أتکلم بدرجة من الفصاحة والبلاغة والتعبیر بحیث یدرک أىّ سامع مرادی من الکلام جیّداً.

والشاهد الآخر على هذا التعبیر هی الآیة 34 من سورة القصص: (وأخی هارون هو أفصح منی لساناً). واللطیف فی الأمر أنّ «أفصح» من مادة فصیح، وهی فی الأصل کون الشیء خالصاً من الشوائب، ثمّ اُطلقت على الکلام البلیغ المعبّر الخالی من الحشو والزیادات.

وعلى کل حال، فإنّ القائد والقدوة والموفّق والمنتصر هو الذی یمتلک إضافة إلى سعة الفکر وقدرة الروح، بیاناً أخّاذاً بلیغاً خالیاً من کلّ أنواع الإبهام والقصور.

ولمّا کان إیصال هذا الحمل الثقیل ـ حمل رسالة الله، وقیادة البشر وهدایتهم، ومحاربة الطواغیت والجبابرة ـ إلى المحل المقصود یحتاج إلى معین ومساعد، ولا یمکن أن یقوم به إنسان بمفرده، فقد کان الطلب الرابع لموسى من الله هو: (واجعل لی وزیراً من أهلی).

«الوزیر» من مادة الوزر، وهی فی الأصل تعنی الحمل الثقیل، ولمّا کان الوزراء یتحمّلون کثیراً من الأحمال الثقیلة على عاتقهم، فقد أطلق علیهم هذا الاسم، وکذلک تطلق کلمة الوزیر على المعاون والمساعد.

أمّا لماذا طلب موسى أن یکون هذا الوزیر من أهله؟ فسببه واضح، لأنّه یعرفه جیّداً، ومن جهة اُخرى فإنّه أحرص من غیره، فکم هو جیّد وجمیل أن یستطیع الإنسان أن یتعاون مع شخص تربطه به علائق روحیة وجسمیة؟!

ثمّ یشیر إلى أخیه، فیقول: (هارون أخی) وهارون ـ حسب نقل بعض المفسّرین ـ کان الأخ الأکبر لموسى، وکان یکبره بثلاث سنین، وکان طویل القامة، جمیلا بلیغاً، عالی الإدراک والفهم، وقد رحل عن الدنیا قبل وفاة موسى بثلاث سنین(2).

وقد کان نبیّاً مرسلا کما یظهر من الآیة 45 من سورة المؤمنون: (ثمّ أرسلنا موسى وأخاه هارون بآیاتنا وسلطان مبین). وکذلک کانت له بصیرة بالاُمور ومیزاناً باطنیاً لتمییز الحق من الباطل، کما ورد فی الآیة 48 من سورة الأنبیاء: (ولقد آتینا موسى وهارون الفرقان وضیاء). وأخیراً فقد کان نبیّاً وهبه الله لموسى من رحمته: (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبیّاً)(3)، فقد کان یسعى جنباً إلى جنب مع أخیه فی أداء هذه الرسالة الثقیلة.

صحیح أنّ موسى (علیه السلام) عندما طلب ذلک من الله فی تلک اللیلة المظلمة فی الوادی المقدّس حیث حُمّل الرسالة، کان قد مضى علیه أکثر من عشر سنین بعیداً عن وطنه، إلاّ أنّ إرتباطه ـ عادة ـ بأخیه لم یقطع بصورة کاملة، بحیث إنّه یتحدّث بهذه الصراحة عنه، ویطلب من الله أن یشارکه فی هذا البرنامج الکبیر.

ثمّ یبیّن موسى (علیه السلام) هدفه من تعیین هارون للوزارة والمعونة فیقول: (أشدد به أزری«الأزر» أخذت فی الأصل من مادة الإزار، أی اللباس، وتطلق خاصّة على اللباس الذی یشد ویعقد وسطه، ولذلک قد تطلق هذه الکلمة على الظهر أو القوّة والقدرة لهذا السبب.

ویطلب، من أجل تکمیل هذا المقصد والمطلب: (واشرکه فی أمری) فیکون شریکاً فی مقام الرسالة، وفی إجراء وتنفیذ هذا البرنامج الکبیر، إلاّ أنّه یتبع موسى على کلّ حال، فموسى إمامه ومقتداه.

وفی النهایة یبیّن نتیجة هذه المطالب فیقول: (کی نسبحک کثیراً * ونذکرک کثیراً * إنّک کنت بنا بصیراً) وتعلم حاجاتنا جیّداً، ومُطَّلِع على مصاعب هذا الطریق أکثر من الجمیع، فنحن نطلب منک أن تعیننا على طاعتک، وأن توفّقنا وتؤیّدنا فی أداء واجباتنا ومسؤولیاتنا الملقاة على عاتقنا.

ولمّا کان موسى لم یهدف من طلباته المخلصة هذه إلاّ الخدمة الأکثر والأکمل، فإنّ الله سبحانه قد لبّى طلباته فی نفس الوقت (قال قد اُتیت سؤلک یا موسى).

إنّ موسى فی الواقع طلب کلّ ما کان یلزمه فی هذه اللحظات الحساسة الحاسمة التی یجلس فیها لأوّل مرّة على مائدة الضیافة الإلهیّة ویطأ بساطها، والله سبحانه کان یحبّ ضیفه أیضاً، حیث لبّى کلّ طلباته وأجابه فیها فی جملة قصیرة تبعث الحیاة، وبدون قید وشرط ثمّ وبتکرار اسم موسى أکمل له الإستجابة وحلاوتها وأزال کلّ إبهام عن قلبه، وأىّ تشویق وافتخار أن یکرر المولى اسم العبد؟


1. نهج البلاغة، الکلمات القصار، الکلمة 176.
2. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث.
3. مریم، 53.
سورة طه / الآیة 24 ـ 361ـ شروط قیادة الثورة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma