3ـ فلسفة الحجّ وأسراره العمیقة!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
2ـ ذکر الله فی أرض «منى» سورة الحجّ / الآیة 29 ـ 30

إنّ لشعائر الحجّ ـ کما هو الحال بالنسبة للعبادات الاُخرى ـ برکات کثیرة جدّاً فی نفسیّة الفرد والمجتمع الإسلامی. ویمکنها ـ إن اُجریت وفق اُسلوب صحیح ـ أن تحدث فی المجتمعات الإسلامیة تبدّلا جدیداً کلّ عام.

وتمتاز هذه المناسک بأربعة أبعاد مهمّة:

الأوّل: البعد الأخلاقی للحج

أهمّ جانب فی فلسفة الحجّ التغیّر الأخلاقی نحو الأحسن الذی یحصل عند الناس، فمراسم الإحرام تبعد الإنسان بشکل تامّ عن الاُمور المادیة والإمتیازات الظاهریة والألبسة الفاخرة، ومع تحریم الملذّات، وبناء الذات الذی یعتبر من واجبات المحرم یبتعد الفرد عن عالم المادّة، ویدخل إلى عالم النور والصفاء والتسامی الروحی. وترى الإنسان قد إرتاح فجأةً من عبء الإمتیازات الموهومة، والدرجات والرتب والنیاشین.

ثمّ تلی عملیّة الإحرام مراسم الحجّ الاُخرى تباعاً، وفیها تتوطّد علاقة الإنسان الروحیّة مع خالقه ـ لحظة بعد اُخرى ـ وتتوثّق. فینقطع عن ماضیه الأسود المملوء آثاماً وذنوباً، ویتّصل بمستقبل واضح کلّه نور وصفاء، خاصّةً أنّ مراسم الحجّ تثیر فی الإنسان إهتماماً کبیراً ـ فی کلّ خطوة یخطوها ـ بإبراهیم (علیه السلام) محطّم الأصنام، وإسماعیل (علیه السلام) ذبیح الله، واُمّه هاجر (علیها السلام)، ویتجلّى للحجّاج جهادهم وتضحیاتهم، إضافةً إلى کون أرض مکّة عامّة، والمسجد الحرام والکعبة ومحلّ الطواف حولها خاصّة، تذکّر الحاجّ بالرّسول (صلى الله علیه وآله) وقادة الإسلام العظام وجهاد المسلمین فی صدر الإسلام، فیتعمّق أثر هذه الثورة الأخلاقیة بدرجة یشاهد فیها الحاج فی کلّ زاویة من زوایا المسجد الحرام وأرض مکّة المقدّسة وجه النّبی (صلى الله علیه وآله)، وعلی (علیه السلام)، وسائر قادة المسلمین، ویسمع قعقعة سیوفهم وصهیل خیولهم.

أجل، إنّ هذه الاُمور کلّها تتّحد وتتضامن لتمهّد لثورة أخلاقیة فی القلوب المستعدّة، وبشکل لا یمکن وصفه تفتح فی حیاة الفرد صفحة جدیدة، ولهذا نصّت الأحادیث الإسلامیة على أنّ الذی یؤدّی الحجّ تامّاً صحیحاً «یخرج من ذنوبه کهیئته یوم ولدته اُمّه» (1)!

فالحجّ ولادة ثانیة للمسلم، یستهلّ بها حیاة إنسانیة جدیدة، ولا حاجة هناک لإعادة القول بأنّ هذه البرکات وتأثیرها وما نشیر إلیه بعد هذا لیست نصیب من إقتنع من مکاسب الحجّ بقشرته ورمى اللب جانباً، کما أنّها لیست نصیب من یعتبر الحجّ سیاحة للتنفیس عن الخاطر، أو للتظاهر والریاء، أو طریقاً للحصول على متاع شخصی دنیوی، وهو فی الحقیقة لم یتوصّل إلى معنى الحج الحقیقی، فکان نصیبه ما یستحقّه!

الثانی: البعد السیاسی للحجّ

ذکر أحد کبار فقهاء المسلمین أنّ مراسم الحجّ فی الوقت الذی تستبطن أخلص وأعمق العبادات، هی أکثر الوسائل أثراً فی التقدّم نحو الأهداف السیاسیّة الإسلامیة، فجوهر العبادة التوجّه إلى الله، وجوهر السیاسة التوجّه إلى خلق الله، وهذان الأمران إمتزجا فی الحجّ بدرجة أصبحا کنسیج واحد.

إنّ الحجّ عامل مؤثّر فی وحدة صفوف المسلمین.

الحجّ عامل مهمّ فی مکافحة التعصّب القومی والعنصری والتقوقع فی حدود جغرافیة.

والحجّ وسیلة لتحطیم الرقابة التی تفرضها الأنظمة الظالمة، وتدمیر هذه الأنظمة المتسلّطة على رقاب الشعوب الإسلامیة.

والحجّ وسیلة لنقل الأنباء السیاسیة للبلدان الإسلامیة من نقطة إلى اُخرى، وأخیراً الحجّ عامل مؤثّر فی تحطیم قیود العبودیة والإستعمار وتحریر المسلمین.

ولهذا السبب کان موسم الحجّ زمن الجبابرة کبنی اُمیّة وبنی العبّاس الذین کانوا یسیطرون على الأراضی الإسلامیة المقدّسة، ویراقبون کلّ تحرّک تحرّری إسلامی لیقمعوه بقوّة، کان الموسم متنفّساً للحریة ولإتّصال فئات المجتمع الإسلامی الکبیر بعضها مع بعض، لطرح القضایا السیاسیّة المختلفة التی تهمّ کلّ مسلم.

وعلى هذا الأساس قال أمیر المؤمنین علی (علیه السلام) فی معرض حدیثه عن فلسفة الفرائض والعبادات «الحجّ تقویة للدّین» (2).

کما أنّ أحد السیاسیین الأجانب المشهورین قال: «الویل للمسلمین إن لم یعرفوا معنى الحجّ، والویل لأعدائهم إذا أدرک المسلمون معنى الحجّ»!

واعتبرت الأحادیث الإسلامیة الحجّ جهاد الضعفاء، إذ یمکن للشیوخ والنساء الضعیفات المشارکة فی الحجّ لیظهروا عظمة الاُمّة الإسلامیة، ولیدخلوا الرعب فی قلوب أعداء الإسلام بمشارکتهم فی صفوف المصلّین المتراصّة فی دوائر تحیط ببیت الله الحرام، وهی توحّد الله وتکبّره.

الثالث: البعد الثقافی للحجّ

یمکن أن یؤدّی إلتقاء المسلمین أیّام الحجّ دوراً فعّالا فی التبادل الثقافی فی المجتمع الإسلامی، خاصّةً إذا لاحظنا أنّ إجتماع الحجّ العظیم یمثّل بشکل حقیقی فئات المسلمین من أنحاء العالم، حیث لا تکون المشارکة فی هذه المراسم العظیمة بدوافع سیاسیة أو انتقائیة لبعض الناس بالخصوص، فالحجّاج جاؤوا من شتّى المجموعات والعناصر والقومیات، وقد اجتمعوا رغم اختلاف ألسنتهم.

لهذا ذکرت الأحادیث الإسلامیة أنّ من فوائد الحجّ نشر أخبار آثار رسول الله (صلى الله علیه وآله) فی أنحاء العالم الإسلامی. یقول «هشام بن الحکم» أحد أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) المخلصین نقلا عن هذا الإمام العظیم (علیه السلام) أنّه قال حول فلسفة الحجّ والطواف حول الکعبة: «إنّ الله خلق الخلق... وأمرهم بما یکون من أمر الطاعة فی الدین، ومصلحتهم من أمر دنیاهم، فجعل فیه الاجتماع من الشرق والغرب، ولیتعارفوا ولینزع کلّ قوم من التجارات من بلد إلى بلد ...، ولتعرف آثار رسول الله (صلى الله علیه وآله) وتعرف أخباره ویذکر ولا ینسى» (3).

ولهذا السبب کان المسلمون یجدون فی الحجّ متنفّساً من جور الخلفاء والسلاطین الظلمة الذین منعوا المسلمین من نشر هذه الأحکام، لحلّ مشاکلهم بالاجتماع بأئمّة الهدى (علیهم السلام) فی المدینة المنوّرة ومکّة المکرّمة، وبکبار علماء المسلمین، لینهلوا من مناهل القرآن النقیّة والسنّة النبویّة الشریفة.

ومن جهة ثانیة یمکن أن یکون الحجّ مؤتمراً ثقافیاً إسلامیاً یحضره مفکّروا العالم الإسلامی فی أیّام الحجّ فی مکّة المکرّمة، لیتحاوروا فیما بینهم ویعرضوا نظریاتهم وأفکارهم على الآخرین.

وقد أصبحت الحدود بین البلدان الإسلامیة ـ الآن ـ سبباً لتشتّت ثقافتهم الأصیلة، وإقتصار تفکیر مسلمی کلّ بلد بأنفسهم فقط، حتى تقطّعت أواصر المجتمع الإسلامی الموحّد. بینما یستطیع الحجّ أن یغیّر هذا الوضع.

وما أجمل ما قاله الإمام الصادق (علیه السلام) فی ختام الحدیث السابق الذی رواه هشام بن الحکم: «ولو کان کلّ قوم إنّما یتکلّمون على بلادهم وما فیها هلکوا، وخربت البلاد، وسقطت الجلب والأرباح، وعمیت الأخبار» (4).

الرابع: البعد الإقتصادی للحجّ

خلافاً لما یراه البعض، فإنّ مؤتمر الحجّ العظیم یمکن أن یستفاد منه فی تقویة اُسس الاقتصاد فی البلدان الإسلامیة. بل إنّه وفق أحادیث إسلامیة معتبرة یشکّل البعد الاقتصادی جزءاً مهمّاً من فلسفة الحجّ.

فما المانع من وضع اُسس سوق مشترکة إسلامیة خلال إجتماع الحجّ العظیم، لیوسّع المسلمون مجال التبادل التجاری فیما بینهم بشکل تعود منافعهم إلیهم لا إلى أعدائهم، ومن أجل تحریر اقتصادهم من التبعیة الأجنبیة، وهذا العمل عبادة وجهاد فی سبیل الله، ولا یمکن أن یکون حبّاً للدنیا وطمعاً فیها.

ولذا أشار الإمام الصادق (علیه السلام) فی الحدیث السابق خلال شرحه فلسفة الحجّ، إلى هذا الموضوع بصراحة باعتبار أنّ أحد أهداف الحجّ، تقویة العلاقات التجاریة بین المسلمین.

وجاء فی حدیث آخر للإمام الصادق (علیه السلام) فی تفسیر الآیة 198 من سورة البقرة (لیس علیکم جناح أن تبتغوا فضلا من ربّکم ). قال (علیه السلام): «فإذا أحلّ الرجل من إحرامه وقضى فلیشتر ولیبیع فی الموسم» (5).

وکما یبدو فإنّ هذا العمل لا إشکال فیه، بل فیه ثواب وأجر.

وبهذا المعنى جاء فی نهایة حدیث عن الإمام علی بن موسى الرض (علیهما السلام) لبیان فلسفة الحجّ بشکل مسهب: (لیشهدوا منافع لهم) (6) إشارة إلى المنافع المعنویة والمادیّة. والأخیرة على رأی بعضهم معنویة أیضاً.

فالحجّ باختصار عبادة عظیمة لو اُستفید منها بشکل صحیح فی تشکیل مؤتمرات متعدّدة سیاسیّة وثقافیة واقتصادیة، لأمکنه أن یکون مفتاحاً لحلّ مشاکل العالم الإسلامی، ومعضلات المسلمین، وقد یکون هو المراد من حدیث الإمام الصادق (علیه السلام) حیث قال: «لا یزال الدین قائماً ما قامت الکعبة» (7).

کما قال الإمام علی (علیه السلام) «الله الله فی بیت ربّکم، لا تخلوه ما بقیتم فإنّه إن ترک لم تناظروا» (8)أی لا یمهلکم الله إن ترکتم بیت ربّکم خالیاً.

ولأهمیّة هذا الموضوع الذی خصّص له باب فی الأحادیث الإسلامیة تحت عنوان «وجوب إجبار الوالی الناس على الحجّ» فإذا أراد المسلمون تعطیل الحجّ فی عام من الأعوام، فعلى الحکومات الإسلامیة أن ترسلهم بالقوّة إلى مکّة (9).

الخامس: ما هو مصیر لحوم الأضاحی فی عصرنا؟

یستفاد من الآیة السالفة الذکر أنّ الهدف من تقدیم الاُضحیة، إضافةً إلى الجوانب المعنویة والروحیة والتقرّب إلى الله تعالى، یشمل الاستفادة من لحومها ومنح قسم منها إلى الفقراء والمحتاجین.

وتحریم الإسراف فی الإسلام لیس خافیاً على أحد، فقد أکدّه القرآن والحدیث والدلیل العقلی. ومن هذا کلّه نستنتج عدم جواز ترک اللحوم على الأرض فی «منى» ولا یجوز دفنها، إذ إنّ وجوب تقدیم الأضاحی لا یقصد به هذه الأعمال فیجب نقل لحومها إلى مناطق اُخرى بحاجة إلیها إن لم نجد محتاجین فی «منى» لیستفاد منها على أفضل وجه، وهذا هو مقتضى الجمع بین الأدلّة والبراهین.

ولکنّنا نجد ـ ومع الأسف ـ أنّ الکثیر من المسلمین عملوا بالحکم الأوّل، ونسوا العمل بالحکم الثّانی، ولذا نشهد فی کلّ عام تلف الآلاف المؤلّفة من لحوم الأضاحی التی بإمکانها أن تکون منبع غذائی مهمّ لشرائح المحرومین فی المجتمعات الإسلامیة، ولکنّها تترک فی تلک الأرض المقدّسة بحالة سلبیة ومزعجة جدّاً، وقد تحدّث لحدّ الآن الکثیر من المفکّرین وعلماء المسلمین حول هذا الموضوع مع المسؤولین فی المملکة العربیة السعودیة، وحتى أنّهم تبرّعوا بتکالیف حفظها ونقلها إلى المؤسّسات المختّصة، ولکن جمود وتحجّر رجال الدین الوهّابیین من جهة، وعدم إهتمام المسؤولین فی الحکومة السعودیة من جهة اُخرى کانت مانعاً لتنفیذ هذا المشروع.

ومع غضّ النظر عن مسألة حرمة الإسراف التی هی من الثوابت فی التفکیر الإسلامی، فإنّ منظر المذابح یوم عید الأضحى فی الحجّ حالیّاً بشع وغیر منطقی إلى درجة یثیر علامات الإستفهام لدى کلّ ضعیف الإیمان حول شعیرة الحجّ بالکامل، ویعطی للأعداء مبرّراً قویّاً للطعن والتقبیح غافلین عن أنّ هذه المسألة هی نتیجة جهل وإهمال رجال الدین الوهّابیین والسلطات السعودیة، فعلى هذا، فإنّ عظمة الإسلام وأصالة مناسک الحجّ توجب على المسلمین من جمیع مناطق العالم أن یمارسوا الضغط على المسؤولین فی تلک الدولة لإنهاء هذه الحالة الموحشة، وتنفیذ الحکم الإسلامی فی هذه المسألة.

وإذا وردت أحادیث إسلامیة فی حرمة إخراج لحوم الأضاحی من أرض «منى» أو من «حرم مکّة» فإنّ ذلک یعود إلى زمن کان فی مکّة المکرّمة عدد کاف من المستهلکین والمستحقّین.

ولهذا ورد فی حدیث صحیح الإسناد عن الإمام الصادق (علیه السلام) أنّ أحد أصحابه سأله عن هذا الموضوع، فأجاب: «کنّا نقول لا یخرج منها بشیء لحاجة الناس إلیه، فأمّا الیوم فقد کثر الناس فلا بأس بإخراجه» (10).


1. بحار الأنوار، ج 99، ص 26.
2. نهج البلاغة، الکلمات القصار، الکلمة 252.
3. وسائل الشیعة، ج 8، ص 9.
4. وسائل الشیعة، ج 8، ص 9.
5. تفسیر العیاشی، حسبما جاء فی تفسیر المیزان، ج 2، ص 86.
6. بحار الأنوار، ج99، ص32.
7. وسائل الشیعة، ج 8، ص 14.
8. نهج البلاغة، الوصیّة، 47.
9. وسائل الشیعة، ج8، ص15.
10. وسائل الشیعة، ج 10، ص 150، أبواب الذبح، الباب 42، ح 5.
2ـ ذکر الله فی أرض «منى» سورة الحجّ / الآیة 29 ـ 30
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma