تخطیط إبراهیم(علیه السلام) لتحطیم الأصنام:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة الأنبیاء / الآیة 51 ـ 58 1ـ الصنمیّة فی أشکال متعدّدة

قلنا: أنّ هذه السورة تحدّثت ـ کما هو معلوم من إسمها ـ عن جوانب عدیدة من حالات الأنبیاء ـ ستّة عشر نبیّاً ـ فقد اُشیر فی الآیات السابقة إشارة قصیرة إلى رسالة موسى وهارون(علیهما السلام)، وعکست هذه الآیات وبعض الآیات الآتیة جانباً مهمّاً من حیاة إبراهیم(علیه السلام) ومواجهته لعبدة الأصنام، فتقول أوّلا: (ولقد آتینا إبراهیم رشده من قبل وکنّا به عالمین).

«الرشد» فی الأصل بمعنى السیر إلى المقصد والغایة، ومن الممکن أن یکون هنا إشارة إلى حقیقة التوحید، وأنّ إبراهیم عرفها واطّلع علیها منذ سنی الطفولة، وقد یکون إشارة إلى کلّ خیر وصلاح بمعنى الکلمة الواسع.

والتعبیر بـ (من قبل) إشارة إلى ما قبل موسى وهارون(علیهما السلام).

وجملة (وکنّا به عالمین) إشارة إلى مؤهّلات وإستعدادات إبراهیم لإکتساب هذه المواهب، وفی الحقیقة إنّ الله سبحانه لا یهب موهبة عبثاً وبلا حکمة، فإنّ هذه المؤهّلات

إستعداد لتقبّل المواهب الإلهیّة، وإن کان مقام النبوّة مقاماً موهوباً.

ثمّ أشارت إلى أحد أهمّ مناهج إبراهیم (علیه السلام)، فقالت: إنّ رشد إبراهیم قد بان عندما قال لأبیه وقومه ـ وهو إشارة إلى عمّه آزر، لأنّ العرب تسمّی العمّ أباً ـ ما هذه التماثیل التی تعبدونها؟ (إذ قال لأبیه وقومه ما هذه التماثیل التی أنتم لها عاکفون).

لقد حقّر إبراهیم (علیه السلام) الأصنام التی کان لها قدسیّة فی نظر هؤلاء بتعبیر (ما هذه)(1) أوّلا، وثانیاً بتعبیر (التماثیل) لأنّ التمثال یعنی الصورة أو المجسّمة التی لا روح لها. ویقول تاریخ عبادة الأصنام: إنّ هذه المجسّمات والصور کانت فی البدایة ذکرى للأنبیاء والعلماء، إلاّ أنّها إکتسبت قدسیّة وأصبحت آلهة معبودة بمضیّ الزمان.

وجملة (أنتم لها عاکفون) بملاحظة معنى «العکوف» الذی یعنی الملازمة المقترنة بالإحترام، توحی بأنّ اُولئک کانوا یحبّون الأصنام، ویطأطئون رؤوسهم فی حضرتها ویطوفون حولها، وکأنّهم کانوا ملازمیها دائماً.

إنّ مقولة إبراهیم (علیه السلام) هذه فی الحقیقة إستدلال على بطلان عبادة الأصنام، لأنّ ما نراه من الأصنام هو المجسّمة والتمثال، والباقی خیال وظنّ وأوهام، فأىّ إنسان عاقل یسمح لنفسه أن یوجب کلّ هذا التعظیم والإحترام لقبضة حجر أو کومة خشب؟ لماذا یخضع الإنسان ـ الذی هو أشرف المخلوقات ـ أمام ما صنعه بیده، ویطلب منه حلّ مشاکله ومعضلاته؟!

إلاّ أنّ عبدة الأصنام لم یکن عندهم ـ فی الحقیقة ـ جواب أمام هذا المنطق السلیم القاطع، سوى أن یبعدوا المسألة عن أنفسهم ویلقوها على عاتق آبائهم، ولهذا (قالوا وجدنا آباءنا لها عابدین).

ولمّا کانت حجّتهم بأنّ «هذه العبادة هی سنّة الآباء» غیر مجدیة نفعاً... ولا نمتلک دلیلا على أنّ السابقین من الآباء والأجداد أعقل وأکثر معرفة من الأجیال المقبلة، بل القضیّة على العکس غالباً، لأنّ العلم یتّسع بمرور الزمن، فأجابهم إبراهیم مباشرةً فـ (قال لقد کنتم أنتم وآباؤکم فی ضلال مبین).

إنّ هذا التعبیر المقترن بأنواع التأکیدات، والحاکی عن الحزم التامّ سبّب أن یرجع عبدة الأصنام إلى أنفسهم قلیلا، ویتوجّهوا إلى التحقّق من قول إبراهیم، فأتوا إلى إبراهیم (قالوا أجئتنا بالحقّ أم أنت من اللاعبین) لأنّ اُولئک الذین کانوا قد إعتادوا على عبادة الأصنام، وکانوا یظنّون أنّ ذلک حقیقة حتمیّة، ولم یکونوا یصدّقون أنّ أحداً یخالفها بصورة جدیّة، ولذلک سألوا إبراهیم هذا السؤال تعجّباً.

إلاّ أنّ إبراهیم أجابهم بصراحة: (قال بل ربّکم ربّ السّماوات والأرض الذی فطرهنّ وأنا على ذلکم من الشاهدین).

إنّ إبراهیم (علیه السلام) قد بیّن بهذه الکلمات القاطعة أنّ الذی یستحقّ العبادة هو خالقهم وخالق الأرض وکلّ الموجودات، أمّا قطع الحجر والخشب المصنوعة فهی لا شیء، ولیس لها حقّ العبادة، وخاصّةً وقد أکّد بجملة (وأنا على ذلکم من الشاهدین) فأنا لستُ الشاهد الوحید على هذه الحقیقة، بل إنّ کلّ العقلاء الذین قطعوا حبل التقلید الأعمى شاهدون على هذه الحقیقة.

ومن أجل أن یثبت إبراهیم جدیّة هذه المسألة، وأنّه ثابت على عقیدته إلى أبعد الحدود، وأنّه یتقبّل کلّ ما یترتّب على ذلک بکلّ وجوده، أضاف: (وتالله لأکیدنّ أصنامکم بعد أن تولّوا مدبرین).

«أکیدنّ» مأخوذة من الکید، وهو التخطیط السرّی، والتفکیر المخفی وکان مراده أن یفهمهم بصراحة بأنّنی سأستغلّ فی النهایة فرصة مناسبة واُحطّم هذه الأصنام!

إلاّ أنّ عظمة وهیبة الأصنام فی نفوسهم ربّما کانت قد بلغت حدّاً لم یأخذوا معه کلام إبراهیم مأخذ الجدّ، ولم یظهروا ردّ فعل تجاهه، وربّما ظنّوا بأنّ أىّ إنسان لا یسمح لنفسه أن یهزأ ویسخر من مقدّسات قوم تدعم حکومتهم تلک المقدّسات تماماً، بأیّة جرأة؟ وبأیّة قوّة؟!

ومن هنا یتّضح أنّ ما قاله بعض المفسّرین من أنّ هذه الجملة قد قالها إبراهیم سرّاً فی نفسه، أو بیّنها لبعض بصورة خاصّة لا داعی له، خاصّةً وأنّه مخالف تماماً لظاهر الآیة، إضافةً إلى أنّنا سنقرأ بعد عدّة آیات أنّ عبّاد الأصنام قد تذکّروا قول إبراهیم، وقالوا: سمعنا فتى کان یتحدّث عن مؤامرة ضدّ الأصنام.

على کلّ حال، فإنّ إبراهیم نفّذ خطّته فی یوم کان معبد الأوثان خالیاً من الناس ولم یکن أحد من الوثنیین حاضراً.

وتوضیح ذلک: إنّه طبقاً لنقل بعض المفسّرین، فإنّ عبدة الأوثان کانوا قد اتّخذوا یوماً خاصّاً من کلّ سنة عیداً لأصنامهم، وکانوا یحضرون الأطعمة عند أصنامهم فی المعبد فی ذلک الیوم، ثمّ یخرجون من المدینة أفواجاً، وکانوا یرجعون فی آخر النهار، فیأتون إلى المعبد لیأکلوا من ذلک الطعام الذی نالته البرکة فی إعتقادهم.

وکانوا قد عرضوا على إبراهیم أن یخرج معهم، إلاّ أنّه إعتذر بالمرض ولم یخرج معهم.

على کلّ حال، فإنّ إبراهیم من دون أن یحذر من مغبّة هذا العمل وما سیحدث من غضب عبدة الأصنام العارم، دخل المیدان برجولة وتوجّه إلى حرب هذه الآلهة الجوفاء ـ التی لها أنصار متعصّبون جهّال ـ بشجاعة خارقة وحطّمها بصورة یصفها القرآن فیقول: (فجعلهم جذاذاً إلاّ کبیراً لهم) وکان هدفه من ترکه (لعلّهم إلیه یرجعون)(2).


1. إنّ التعبیر ب «ما» فی مثل هذه الموارد یشیر عادةً إلى غیر العاقل، واسم الإشارة القریب یعطی معنى التحقیر أیضاً، وإلاّ کان المناسب الإشارة إلى البعید.
2. قال کثیر من المفسّرین: إنّ مرجع ضمیر «إلیه» إلى إبراهیم، وقال البعض إنّ المراد هو الصنم الکبیر، إلاّ أنّ الأوّل یبدو هو الأصحّ.
أمّا ما نقرؤه فی الآیة آنفة الذکر من أنّه کان أکبرهم، فیمکن أن یکون إشارة إلى کبره الظاهری، أو إشارة إلى إحترامه من قبل عبّاد الأصنام الخرافیین، أو إلى الإثنین معاً.
سورة الأنبیاء / الآیة 51 ـ 58 1ـ الصنمیّة فی أشکال متعدّدة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma