فرعون یُهىّء نفسه للجولة الأخیرة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة طه / الآیة 56 ـ 64 سورة طه / الآیة 65 ـ 69

تعکس هذه الآیات مرحلة اُخرى من المواجهة بین موسى وفرعون، ویبدأ القرآن الکریم هذا الفصل بهذه الجملة: (ولقد أریناه آیاتنا کلّها فکذّب وأبى) ومن المسلّم أنّ المراد من هذه الآیات هنا لیس کلّ المعجزات التی ظهرت على ید موسى (علیه السلام) طیلة حیاته فی مصر، بل مرتبطة بالمعجزات التی أراها فرعون فی بدایة دعوته، معجزة العصا، والید البیضاء، ومحتوى دعوته السماویة الجامعة، والتی کانت بنفسها دلیلا حیّاً على أحقّیته، ولذلک تطالعنا بعد هذه الحادثة مسألة المواجهة بین السّحرة وموسى (علیه السلام) ومعجزاته الجدیدة.

والآن، لنر ماذا قال فرعون الطاغی المستکبر العنود فی مقابل موسى ومعجزاته، وکیف

اتّهمه کما هی عادة کلّ المتسلّطین والحکّام المتعنّتین؟ (قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرک یاموسى) وهو إشارة إلى أنّنا نعلم أنّ مسألة النبوّة والدعوة إلى التوحید، وإظهار هذه المعجزات تشکّل بمجموعها خطّة منسّقة للإنتصار علینا، وبالتالی إخراجنا مع الأقباط من أرض آبائنا وأجدادنا، فلیس هدفک الدعوة إلى التوحید، ولا نجاة وتخلیص بنی إسرائیل، بل هدفک الوصول إلى الحکم والسیطرة على هذه الأرض، وإخراج المعارضین!

إنّ هذه التهمة هی نفس الحربة التی یستخدمها الطواغیت والمستعمرون على إمتداد التاریخ، ویلوحون بها ویشهرونها کلّما رأوا أنفسهم فی خطر، ومن أجل إثارة الناس لصالحهم یثیرون مسألة تعرّض مصالح البلد للخطر، فالبلد یعنی حکومة هؤلاء العتاة، ووجوده یعنی وجودهم!

ویعتقد بعض المفسّرین أنّ الهدف من جلب بنی إسرائیل إلى مصر، والإحتفاظ بهم فی هذه الأرض لم یکن من أجل إستغلال قواهم کعبید وحسب، بل إنّهم فی الوقت نفسه کانوا لا یریدون لبنی إسرائیل، الذین کانوا قوماً أقویاء، أن یتحوّلوا إلى قوّة ومصدر خطر، وکذلک لم یکن الأمر بقتل الذکور للخوف من ولادة موسى فقط، بل للوقوف أمام قوّتهم والحدّ منها، وهذا عمل یقوم به کلّ الأقویاء الظالمین، وبناءً على هذا فإنّ خروج بنی إسرائیل ـ حسب طلب موسى ـ یعنی إقتدار هذه الاُمّة، وفی هذه الحالة سیتعرّض سلطان الفراعنة وعرشهم إلى الخطر.

والنقطة الاُخرى فی هذه العبارة القصیرة، هی أنّ فرعون قد اتّهم موسى بالسحر، وهذا هو ما اتّهم به کلّ الأنبیاء عند إظهار معجزاتهم البیّنة، کما نقرأ ذلک فی الآیتین 52 ـ 53 من سورة الذاریات: (کذلک ما أتى الذین من قبلهم من رسول إلاّ قالوا ساحر أو مجنون * أتواصوا به بل هم قوم طاغون).

وتجدر الإشارة إلى هذه المسألة أیضاً، وهی أنّ إثارة المشاعر الوطنیة وحبّ الوطن فی مثل هذه المواضع أمر مدروس بدقّة کاملة، لأنّ أغلب الناس یحبّون أرضهم ووطنهم کحبّهم أنفسهم وأرواحهم، ولذلک جعلوا هذین الأمرین فی مرتبة واحدة، کما فی بعض آیات القرآن: (ولو أنّا کتبنا علیهم أن اقتلوا أنفسکم أو اخرجوا من دیارکم ما فعلوه إلاّ قلیل منهم)(1).

ثمّ أضاف فرعون بأن لا تظن بأنّنا نعجز عن أن نأتی بمثل هذا السحر (فلنأتینّک بسحر مثله)، ولکی یظهر حزماً أکثر فإنّه قال: (فاجعل بیننا وبینک موعداً لا نخلفه نحن ولا أنت مکاناً سوى).

وذکر البعض فی تفسیر (مکاناً سوى): إنّ المراد هو أن تکون فاصلته عنّا وعنک متساویة، وقال بعضهم: أن تکون فاصلته متساویة بالنسبة إلى الناس، أی أن یکون المکان فی وسط المدینة تماماً، وقال بعض: المراد أن تکون الأرض أرضاً مکشوفة ومسطّحة یشرف علیها الجمیع، وأن یتساوى فی ذلک العالی والدانی. ویمکن أن تعتبر کلّ هذه المعانی مجتمعة فیها.

وینبغی التذکیر بأنّ الحکّام الطغاة، ومن أجل أن یهزموا خصمهم فی المعرکة، ویرفعوا معنویات أتباعهم وأعوانهم الذین ربّما وقعوا تحت تأثیره (کما فی قصّة موسى ومعجزاته فلا یبعد أن یکونوا قد وقعوا تحت تأثیره) فإنّهم یعیدون إلیهم المعنویات والقوّة، ویتعاملون فی الظاهر مع أمثال هذه المسائل بصرامة وشدّة، ویثیرون الصخب حولها!

إلاّ أنّ موسى لم یفقد هدوء أعصابه، ولم یدع للخوف من عنجهیّة فرعون إلى قلبه طریقاً، بل قال بحزم: (قال موعدکم یوم الزینة وأن یحشر الناس ضحى)(2).

إنّ التعبیر ب(یوم الزینة) إشارة إلى یوم عید کان عندهم لا نستطیع تعیینه بدقّة، إلاّ أنّ المهمّ هو أنّ الناس کانوا یعطّلون أعمالهم فیه، وکانوا حتماً مستعدّین للمشارکة فی مثل هذا «المشهد».

على کلّ حال، فإنّ فرعون بعد مشاهدة معجزات موسى العجیبة، وتأثیرها النفسی فی أنصاره، صمّم على مواجهة موسى (علیه السلام) بالإستعانة بالسّحرة، ولذلک وضع الإتّفاق المذکور مع موسى (فتولّى فرعون فجمع کیده ثمّ أتى).

فی هذه الجملة القصیرة تلخّصت حوادث جمّة جاءت بشکل مفصّل فی سورتی الأعراف والشعراء، لأنّ فرعون بعد ترکه ذلک المجلس ومفارقة موسى وهارون، عقد اجتماعات عدیدة مع مستشاریه الخاصّین، وأتباعه المستکبرین، ثمّ دعا السّحرة من جمیع أنحاء البلاد إلى الحضور فی العاصمة، ورغّبهم بمرغّبات کثیرة من أجل مواجهة موسى (علیه السلام)، واُمور اُخرى لیس هنا مجال بحثها، إلاّ أنّ القرآن الکریم قد جمعها کلّها فی هذه الجمل الثلاث: (فتولّى فرعون، فجمع کیده، ثمّ أتى)(3).

وأخیراً حلّ الیوم الموعود، ووقف موسى أمام جمیع الحاضرین، الذین کان بعضهم السّحرة، وکان عددهم ـ على رأی بعض المفسّرین ـ إثنین وسبعین ساحراً، وقال آخرون إنّهم بلغوا أربعمائة، وذکر البعض أعداداً أکبر أیضاً، وکان قسم من ذلک الجمع عبارة عن فرعون وأنصاره وحاشیته، وأخیراً القسم الثّالث الذی کان یشکّل الأکثریة، وهم الناس المتفرّجون.

هنا توجّه موسى إلى السّحرة، أو إلى الفراعنة والسّحرة، و(قال لهم موسى ویلکم لا تفتروا على الله کذباً فیسحتکم بعذاب وقد خاب من إفترى). وواضح أنّ مراد موسى من الإفتراء على الله سبحانه هو أن یجعلوا شخصاً أو شیئاً شریکاً له، أو ینسبوا معجزات رسول الله إلى السحر، ویظنّوا أنّ فرعون إلههم ومعبودهم، ومن المحتّم أنّ الله سبحانه سوف لا یدع من ینسبون هذه الأکاذیب إلى الله، ویسعون بکلّ قواهم لإطفاء نور الحقّ، بدون عقاب.

إنّ کلام موسى المتین الذی لا یشبه کلام السّحرة بوجه، بل إنّ نبرته کانت نبرة دعوة کلّ الأنبیاء الحقیقیین، ونابعة من صمیم قلب موسى الطاهر، فأثّرت على بعض القلوب، وأوجدت إختلافاً بین ذلک الحشد من السّحرة، فبعض کان یناصر المواجهة والمبارزة، وبعض تردّد فی الأمر، واحتمل أن یکون موسى (علیه السلام) نبیّاً إلهیّاً، وأثّرت فیهم تهدیداته، خاصّةً وأنّ لباس موسى وهارون البسیط کان لباس رعاة الأغنام، وعدم مشاهدة الضعف والتراجع على محیّاهما بالرغم من کونهما وحیدین، کان یعتبر دلیلا آخر على أصالة أقوالهما وصدق نوایاهما، ولذلک فإنّ القرآن یقول: (فتنازعوا أمرهم بینهم وأسرّوا النجوى).

إنّ من الممکن أن تکون هذه المسارّة والنجوى أمام فرعون، ویحتمل أیضاً أن لا تکون أمامه، وهناک احتمال آخر، وهو أنّ القائمین على إدارة هذا المشهد قد تناجوا فی خفاء عن الناس.

إلاّ أنّ أنصار الاستمرار فی المواجهة إنتصروا أخیراً وأخذوا زمام المبادرة بیدهم، وشرعوا فی تحریک السّحرة بطرق مختلفة، فأوّلا (قالوا إن هذان لساحران)(4) وبناءً على هذا فلا یجب أن تخافوا مواجهتهما، لأنّکم کبار وأساتذة السحر فی هذه البلاد العریضة، ولأنّ قوّتکم وقدرتکم أکبر منهما!

ثمّ إنّهما (یریدان أن یخرجاکم من أرضکم بسحرهما) الوطن الذی هو أعزّ من أنفسکم، إضافة إلى أنّهما لا یقنعان بإخراجکم من أرضکم، بل إنّهما یریدان أیضاً أن یجعلا مقدّساتکم اُضحوکة ومحلاًّ للسخریة (ویذهبا بطریقتکم المثلى)(5).

والآن حیث أصبح الأمر کذلک، فلا تدعوا للتردّد إلى أنفسکم طریقاً مطلقاً، بل (فاجمعوا کیدکم ثمّ ائتوا صفّاً) لأنّ الوحدة رمز إنتصارکم فی هذه المعرکة المصیریّة الحاسمة (وقد أفلح الیوم من استعلى).


1. النساء، 66.
2. «الضحى» فی اللغة بمعنى زیادة أشعّة الشمس، أو إرتفاع الشمس، والواو فی جملة (وأن یحشر الناس) دالّة على المعیّة.
3. بالرغم من أنّ «تولّى» فسّرت هنا بالإفتراق عن موسى، أو عن ذلک المجلس، إلاّ أنّ من الممکن أن تعکس ـ مع ملاحظة معناها من الناحیة اللغویة ـ حالة الإعتراض والغضب لدى فرعون. وموقفه المعادی تجاه موسى.
4. إنّ هذه الجملة من ناحیة الإعراب هی: (إنْ) مخفّفة من (إنّ) ولذلک لم تعمل عملها فیما بعدها، إضافةً إلى أنّ رفع اسم (إن)لیس قلیلا فی لغة العرب.
5.«الطریقة» تعنی العادة والاُسلوب المتبع، والمراد منها هنا المذهب، و«مثلى» من مادّة «مثل»، وهی هنا تعنی العالی والأفضل، أی الأشبه بالفضیلة.
سورة طه / الآیة 56 ـ 64 سورة طه / الآیة 65 ـ 69
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma