الإنتصار العظیم لموسى(علیه السلام):

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة طه / الآیة 70 ـ 76 1ـ العلم أساس الإیمان والوعی

إنتهینا فی الآیات السابقة إلى أنّ موسى اُمر أن یلقی عصاه لیبطل سحر السّاحرین، وقد عُقّبت هذه المسألة فی هذه الآیة، غایة الأمر أنّ العبارات والجمل التی کانت واضحة قد حذفت، وهی (أنّ موسى قد ألقى عصاه، فتحوّلت إلى حیّة عظیمة لقفت کلّ آلات وأدوات سحر السّحرة، فعلت الصیحة والغوغاء من الحاضرین، فاستوحش فرعون وإرتبک، وفغر أتباعه أفواههم من العجب.

فأیقن السّحرة الذین لم یواجهوا مثل هذا المشهد من قبل، وکانوا یفرّقون جیّداً بین السحر وغیره، إنّ هذا الأمر لیس إلاّ معجزة إلهیّة، وأنّ هذا الرجل الذی یدعوهم إلى ربّهم هو رسول الله، فاضطربت قلوبهم، وتبیّن التحوّل العظیم فی أرواحهم ووجودهم).

والآن نسمع بقیّة الحدیث من لسان الآیات:

(فاُلقی السّحرة سجداً قالوا آمنا بربّ هارون وموسى). إنّ التعبیر بـ (اُلقی) ـ وهو فعل مبنی للمجهول ـ ربّما کان إشارة إلى أنّهم قد صدّقوا موسى، وتأثّروا بمعجزته إلى الحدّ الذی سجدوا معه دون إرادة.

ونقطة اُخرى یلزم ذکرها وتستحقّ الإلتفات، وهی أنّهم لم یقتنعوا بمجرّد الإیمان القلبی، بل رأوا أنّ من واجبهم إظهار هذا الإیمان بصورة جلیّة، بتعابیر  لا یشوبها أی إبهام، أی التأکید على ربوبیة ربّ موسى وهارون، حتى یرجع اُولئک الذین ضلّوا بسبب سحرهم، ولا تبقى على عاتقهم مسؤولیة من هذه الجهة.

من البدیهی أنّ عمل السّحرة هذا قد وجّه صفعة قویّة إلى فرعون وحکومته الجبّارة المستبدّة الظالمة، وهزّ کلّ أرکانها، لأنّ الإعلام کان قد رکّز على هذه المسألة مدّة طویلة فی جمیع أنحاء مصر، وکانوا قد جلبوا السّحرة من کلّ أرجاء البلاد، ووعد هؤلاء بکلّ نوع من المکافئات والجوائز والإمتیازات إذا ما غلبوا وانتصروا فی المعرکة!

إلاّ أنّه یرى الآن أنّ اُولئک الذین کانوا فی الصفّ الأوّل من المعرکة، قد استسلموا فجأةً للعدو بصورة جماعیة، ولم یسلموا وحسب، بل أصبحوا من المدافعین الصلبین عنه، ولم تکن هذه المسألة فی حسبان فرعون أبداً، ولا شکّ أنّ جمعاً من الناس قد اتّبعوا السّحرة وآمنوا بدین موسى. ولذلک لم یر فرعون بدّاً إلاّ أن یجمع کیانه ویلملم ما تبقّى من هیبته وسلطانه عن طریق الصراخ والتهدید والوعید الغلیظ، فتوجّه نحو السّحرة و(قال آمنتم له قبل أن آذن لکم).

إنّ هذا الجبّار المستکبر لم یکن یدّعی الحکومة على أجسام وأرواح الناس وحسب، بل کان یرید أن یقول: إنّ قلوبکم تحت تصرّفی أیضاً، ویجب على أحدکم إذا أراد أن یصمّم على أمر ما أن یستأذننی، وهذا هو العمل الذی یؤکّد علیه کلّ الفراعنة على إمتداد العصور.

فالبعض ـ کفرعون مصر ـ یجریها على لسانه حمقاً عند اضطرابه وقلقه، والبعض إحتفظ بهذا الحقّ لنفسه ویبیّنه بصورة غیر مباشرة عن طریق وسائل الإعلام، وطوابیر العملاء، ویعتقد بأنّ الناس یجب أن لا یعطوا الاستقلالیة فی التفکیر، بل إنّه فی بعض الأحیان قد یسلب الناس الحریة باسم حریة التفکیر.

وعلى کلّ حال، فإنّ فرعون لم یکتف بذلک، بل إنّه ألصق بالسّاحرین التهمة وقال: (إنّه لکبیرکم الذی علّمکم السحر).

لا شکّ أنّ فرعون کان على یقین ومعرفة تامّة بکذب کلامه وبطلانه، ولم یکن بالإمکان أن تحدث مثل هذه المؤامرة فی جمیع أنحاء مصر ویجهل جنوده وشرطته بالأمر، وکان فرعون قد ربّى موسى(علیه السلام) فی أحضانه، وغیبته عن مصر کانت من المسلّمات لدیه، فلو کان کبیر سحرة مصر لکان معروفاً بذلک فی کلّ مکان، ولا یمکن أن یخفى أمره، إلاّ أنّا نعلم أنّ الطغاة لا یتورّعون عن إلصاق أی کذب وتهمة بخصومهم عندما یرون مرکزهم الذی حصلوا علیه بغیر حقّ یتعرّض للخطر.

ثمّ إنّه لم یکتف بهذا، بل إنّه هدّد السّحرة أشدّ تهدید، التهدید بالموت، فقال: (فلاُقطّعنّ أیدیکم وأرجلکم من خلاف ولأصلبنّکم فی جذوع النخل ولتعلمنّ أیّنا أشدّ عذاباً وأبقى)(1).

فی الحقیقة إنّ جملة (أیّنا أشدّ عذاباً) إشارة إلى تهدید موسى(علیه السلام) له من قبل، وکذلک تهدیده للسحرة فی البدایة (ویلکم لا تفتروا على الله کذباً فیسحتکم بعذاب).(2) والتعبیر ب(من خلاف) إشارة إلى قطع الید الیمنى مع الرجل الیسرى أو بالعکس، وربّما کان اختیار هذا النوع من التعذیب للسحرة، لأنّ موت الإنسان یکون أکثر بطأً وأشدّ عذاباً فی هذه الحالة، أی أنّ النزیف سیکون أبطأ، وسیعانون عذاباً أشدّ، وربّما أراد أن یقول: سأجعل بدنکم ناقصاً من جانبیه.

أمّا التهدید بالصلب على جذوع النخل، فربّما کان لأنّ النخلة تعدّ من الأشجار العالیة، وکلّ شخص ـ سواء البعید أو القریب ـ یرى المعلّق علیها.

والملاحظة التی تستحقّ الذکر أنّ الصلب فی عرف ذلک الزمان لم یکن کما هو المتعارف علیه الیوم، فلم یکونوا یضعون حبل الإعدام فی رقبة من یریدون صلبه، بل کانوا یشدّون به الأیادی أو الأکتاف حتى یموت المصلوب بعد تحمّل العذاب الشدید.

لکن نرى ماذا کان ردّ فعل السّحرة تجاه تهدیدات فرعون الشدیدة؟ إنّهم لم یخافوا ولم یهربوا من ساحة المواجهة، أثبتوا صمودهم فی المیدان بصورة قاطعة، و(قالوا لن نؤثرک على ما جاءنا من البیّنات والذی فطرنا فاقض ما أنت قاض) لکن، ینبغی أن تعلم بأنّک تقدر على القضاء فی هذه الدنیا، أمّا فی الآخرة فنحن المنتصرون، وستلاقی أنت أشدّ العقاب (إنّما تقضی هذه الحیاة الدنیا).

وعلى هذا، فإنّهم قد بیّنوا هذه الجمل الثلاث الراسخة أمام فرعون:

الاُولى: إنّنا قد عرفنا الحقّ وإهتدینا، ولا نستبدله بأىّ شیء.

والاُخرى: إنّنا لا نخاف من تهدیداتک مطلقاً.

والثّالثة: حکومتک وسعیک سوف لایدومان إلاّ أیّاماً قلیلة من الدنیا!

ثمّ أضافوا بأنّا قد إرتکبنا ذنوباً کثیرة نتیجة السحر، ف(إنّا آمنا بربّنا لیغفر لنا خطایانا وما أکرهتنا علیه من السحر والله خیر وأبقى) وخلاصة القول: إنّ هدفنا هو الطهارة من الذنوب الماضیة، ومن جملتها محاربة نبی الله الحقیقی، فنحن نرید أن نصل عن هذا الطریق إلى السعادة الأبدیة، فإذا کنت تهدّدنا بالموت فی الدنیا، فإنّنا نتقبّل هذا الضرر القلیل فی مقابل ذلک الخیر العظیم!

السؤال: وهنا ینقدح سؤال، وهو: إنّ السّحرة قد أتوا بأنفسهم إلى حلبة الصراع ظاهراً، بالرغم من أنّ فرعون قد وعدهم وعوداً کبیرة، فکیف عبّرت الآیة بالإکراه؟

والجواب: ونقول فی الجواب: إنّنا لا نملک أی دلیل على أنّ السّحرة لم یکونوا مجبورین منذ البدایة، بل إنّ ظاهر جملة (یأتوک بکلّ ساحر علیم)(3)، أنّ السّحرة العلماء بالفنّ کانوا ملزمین بقبول الدعوة، ومن الطبیعی أنّ هذا الأمر یبدو طبیعیّاً فی ظلّ حکومة فرعون المستبدّة، بأن یجبر أفراداً فی طریق تحقیق نیّاته، ووضع الجوائز وأمثال ذلک لا ینافی هذا المفهوم، لأنّنا رأینا ـ کثیراً ـ حکومات ظالمة مستبدّة تتوسّل بالترغیبات المادیة إلى جانب إستعمال القوّة.

ویحتمل أیضاً أنّ السّحرة عند أوّل مواجهة لهم مع موسى (علیه السلام) تبیّن لهم من خلال القرائن أنّ موسى(علیه السلام) على الحقّ، أو أنّهم على أقل تقدیر وقعوا فی شکّ، ونشب بینهم نزاع وجدال، کما نقرأ ذلک فی الآیة 62 من هذه السورة: (فتنازعوا أمرهم بینهم)، فأطّلع فرعون وأجهزته على ما جرى، فأجبروهم على الاستمرار فی المجابهة.

ثمّ واصل السّحرة قولهم بأنّنا إذا کنّا قد آمنا فإنّ سبب ذلک واضح ف(إنّه من یأت ربّه مجرماً فإنّ له نار جهنّم) ومصیبته الکبرى فی الجحیم هی أنّه (لا یموت فیها ولا یحیى) بل إنّه یتقلّب دائماً بین الموت والحیاة، تلک الحیاة التی هی أمرّ من الموت، وأکثر مشقّة منه.

(ومن یأته مؤمناً قد عمل الصالحات فاُولئک لهم الدرجات العلى * جنّات عدن تجری من تحتها الأنهار خالدین فیها وذلک جزاء من تزکّى).

وهناک بحث بین المفسّرین فی أنّ الجمل الثلاث الأخیرة تابعة لکلام السّحرة أمام فرعون، أم أنّها جمل مستقلّة من جانب الله سبحانه جاءت تتمّة لکلامهم؟ فبعضهم اعتبرها تابعة لکلام السّحرة، وربّما کان الإبتداء بـ(انّه) التی هی فی الواقع لبیان العلّة، یؤیّد وجهة النظر هذه.

إلاّ أنّ التفصیل الذی جاء فی هذه الآیات الثلاث حول مصیر المؤمنین الصالحین، والکافرین المجرمین، الذی ینتهی بجملة (وذلک جزاء من تزکّى) وکذلک الأوصاف التی جاءت فیها حول الجنّة والنّار، تؤیّد الرأی الثّانی، وهو أنّها من کلام الله، لأنّ السّحرة ینبغی أن یکونوا قد تلقّوا حظّاً وافراً من المعرفة والعلوم الإلهیّة فی هذه الفترة القصیرة بحیث یستطیعون أن یقضوا بهذا الجزم والقطع، وعن علم وإطّلاع ووعی من أمر الجنّة والنّار ومصیر المؤمنین والمجرمین، إلاّ أن نقول: إنّ الله سبحانه قد أجرى هذا الکلام على ألسنتهم لإیمانهم، وإن کان هذا لا یفرّق عندنا ولا یختلف من ناحیة التربیة الإلهیّة والنتیجة سواءً کان الله تعالى قد قال ذلک، أو أنّ السّحرة قد تعلّموه من الله، خاصةً وأنّ القرآن ینقل کلّ ذلک بنغمة متناسقة.


1. من المعلوم أنّ (فی) فی جملة (ولأصلبنّکم فی جذوع النخل) تعنی (على) ، أی اُعلّقکم على جذوع النخل، إلاّ أنّ الفخر الرازی یعتقد أنّ (فی) هنا تعطی نفس معناها، لأنّ (فی) للظرفیّة، والظرفیّة تناسب کلّ شیء، ونعلم أنّ خشبة الإعدام کالظرف والوعاء بالنسبة للفرد الذی یعلّق للإعدام، إلاّ أنّ هذا التوجیه لا یبدو صحیحاً.
2. طه، 61.
3. الأعراف، 112.
سورة طه / الآیة 70 ـ 76 1ـ العلم أساس الإیمان والوعی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma