حصب جهنّم:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة الأنبیاء / الآیة 98 ـ 103 سورة الأنبیاء / الآیة 104

متابعة للبحث السابق عن مصیر المشرکین الظالمین، فقد وجّهت هذه الآیات الخطاب إلیهم، وجسّدت مستقبلهم ومستقبل آلهتهم بهذه الصورة: (إنّکم وما تعبدون من دون الله حصب جهنّم)!

«الحصب» فی الأصل یعنی الرمی والإلقاء، وتقال بالذات لإلقاء قطع الحطب فی التنّور.

وقال بعضهم: إنّ للحطب ـ على وزن سبب ـ فی لغات العرب ألفاظاً مختلفة، فبعض القبائل یسمّیه حصباً، والبعض الآخر خضباً، ولمّا کان القرآن یسعى للتألیف بین القبائل والطوائف والقلوب، فإنّه کان یستعمل لغات مختلفة أحیاناً، ومن جملة ذلک کلمة «حصب» هذه، وهی لغة أهل الیمن لکلمة حطب(1).

وعلى کلّ حال، فإنّ الآیة محلّ البحث تقول للمشرکین: إنّکم وآلهتکم ستکوّنون حطب جهنّم، وستُلقون الواحد تلو الآخر فی نار جهنّم کقطع الحطب التی لا قیمة لها، ثمّ تضیف (أنتم لها واردون).

وهذه الجملة إمّا أن تکون تأکیداً لهذا المطلب، أو إنّها إشارة إلى نکتة جدیدة، وهی أنّهم یلقون آلهتکم فی النّار أوّلا، ثمّ تردون علیها، فکأنّ آلهتکم تستقبلکم وتستضیفکم بالنّار المنبعثة من وجوده(2).

فإذا سأل سائل ما الهدف من إلقاء الأصنام فی جهنّم؟

یقال فی الجواب: إنّ هذا بنفسه نوع من العذاب بالنسبة لعبدة الأصنام حیث یرون أنّهم یحترقون فی النّار التی تتوقّد من آلهتهم، إضافةً إلى أنّه تحقیر لأفکارهم حیث کانوا یلتجؤون إلى مثل هذه الموجودات العدیمة القیمة والأهمیّة.

طبعاً، هذا فی حالة کون (ما یعبدون) تعنی الآلهة المیتة التی لا روح لها کالأصنام الحجریة والخشبیة، کما یستفاد ذلک من (ما) لأنّها تستعمل غالباً لغیر العاقل.

أمّا إذا أخذناها بالمعنى العامّ، بحیث تشمل الشیاطین الذین أصبحوا محلّ عبادة، فإنّ مسألة ورود هذه الآلهة إلى جهنّم واضحة تماماً، لأنّهم شرکاء فی الجریمة والمعصیة.

ثمّ تقول کإستخلاص للنتیجة: (لو کان هؤلاء آلهة ما وردوها) ولکن اعلموا أنّهم لا یدخلون جهنّم وحسب، بل (وکلّ فیها خالدون). وممّا یلفت النظر هنا أنّ عبّاد الأصنام سیبتلون بآلهتهم خالدین معها، تلک الآلهة التی کانوا یعبدونها دائماً، وکانوا یعدّونها درعاً واقیاً عن البلاء، وکانوا یطلبون منها حلّ مشاکلهم ومعضلاتهم!

ولمزید الإیضاح عن حال هؤلاء «العابدین الضالّین» المؤلمة المخزیة قبال «آلهتهم الحقیرة»، تقول الآیة محلّ البحث: (لهم فیها زفیر).

«الزفیر» فی الأصل یعنی الصراخ المقترن بإخراج النفس. وقال بعضهم: إنّ صوت الحمار وصراخه المنکسر یسمّى فی البدایة زفیراً، وفی آخره شهیقاً، وعلى کلّ حال فإنّه استُعمل هنا إشارة إلى الصراخ أو الضجیج المنبعث من الحزن وشدّة الکرب(3).

کما یحتمل أنّ هذا الزفیر أو الأنین المؤلم لا یکون مقتصراً على العبّاد فحسب، بل إنّ معبوداتهم من الشیاطین أیضاً یصطرخون معهم.

ثمّ تذکّر الجملة التالیة أحد العقوبات الاُخرى المؤلمة لهؤلاء، وهی (وهم فیها لا یسمعون). وهذه الجملة قد تکون إشارة إلى أنّ هؤلاء لا یسمعون الکلام الذی یسرّهم ویبهجهم، بل یسمعون أنین أهل جهنّم المؤلم المنغّص وصراخ ملائکة العذاب فقط.

وقال بعضهم: إنّ المراد هو أنّ هؤلاء یوضعون فی توابیت من نار بحیث  لا یسمعون صوت أىّ أحد أبداً، فکأنّهم لوحدهم فی العذاب، وهذا بنفسه یعتبر عقوبة أشدّ، لأنّ الإنسان إذا رأى معه بعض المسجونین فستهون علیه المصیبة،«البلیّة إذا عمّت طابت»، کما فی المثل.

ثمّ تبیّن الآیة التالیة حالات المؤمنین الحقیقیین من الرجال والنساء لیتبیّن وضع الفریقین من خلال المقارنة بینهما، فتقول أوّلا: (إنّ الذین سبقت لهم منّا الحسنى اُولئک عنها مبعدون) وهو إشارة إلى أنّنا سنفی بکلّ الوعود التی وعدنا بها المؤمنین فی هذه الدنیا، وأحدها إبعادهم عن نار جهنّم.

وبالرغم من أنّ ظاهر الجملة یشمل کلّ المؤمنین الحقیقیین، إلاّ أنّ البعض احتمل أن تکون إشارة إلى من عُبد من دون الله کالمسیح ومریم (علیهما السلام)، الذین عبدوا دون إرادتهم، ولمّا کانت الآیات السابقة تقول: ستکونون أنتم وآلهتکم فی جهنّم، وکان من الممکن أن یشمل هذا التعبیر أمثال المسیح (علیه السلام)، فإنّ القرآن یبیّن هذه الجملة کاستثناء بأنّ هذه الفئة سوف لا ترد الجحیم أبداً.

وذکر بعض المفسّرین سبباً لنزول هذه الآیة، وهو یوحی بأنّ البعض قد سأل الرّسول الأعظم (صلى الله علیه وآله) نفس هذا السؤال، فنزلت الآیة تجیبهم. ولکن مع ذلک فلا مانع من أن تکون الآیة جواباً لهذا السؤال، وأن تکون حکماً عامّاً لکلّ المؤمنین الواقعیین.

وتذکر الآیتان الأخیرتان أربع نعم إلهیّة کبرى تغمر هذه الطائفة السعیدة.

فالاُولى: إنّهم (لا یسمعون حسیسها) و«الحسیس» ـ کما قال أرباب  اللغة ـ الصوت المحسوس، وجاءت أیضاً بمعنى الحرکة، أو الصوت الناشىء من الحرکة، ونار الجحیم المشتعلة دائماً لها صوت خاصّ، وهذا الصوت مرعب من جهتین: من جهة أنّه صوت النّار، ومن جهة أنّه صوت حرکة النّار والتهامها، ولمّا کان المؤمنون المخلصون بعیدین عن جهنّم، فسوف لا یطرق سمعهم هذا الصوت المرعب مطلقاً.

والثّانیة: إنّهم (وهم فی ما اشتهت أنفسهم خالدون) فلیس حالهم کما فی هذه الدنیا

المحدودة، حیث إنّ الإنسان یأمل کثیراً من النعم دون أن ینالها، فإنّهم ینالون کلّ نعمة یریدونها، مادیة کانت أو معنویة، ولیس ذلک على مدى یوم أو یومین، بل على إمتداد الخلود.

والثّالثة: إنّهم (لا یحزنهم الفزع الأکبر). وقد اعتبر بعضهم أنّ هذا الفزع الأکبر إشارة إلى أهوال یوم القیامة التی هی أکبر من کلّ هول وفزع، وعدّه بعضهم إشارة إلى نفخة الصور واختلافات الأحوال وتبدّلها عند إنتهاء هذه الدنیا، والزلزال العجیب الذی سیدکّ أرکان هذا العالم کما جاء فی الآیة 87 من سورة النحل، ولکن لمّا کان هول یوم القیامة وفزعها أهمّ وأکبر من جمیع تلک الاُمور، فإنّ التّفسیر الأوّل یبدو هو الأصحّ.

والرّابعة: من ألطاف الله تعالى لهؤلاء هو ما ذکرته الآیة محلّ البحث: (وتتلقّاهم الملائکة هذا یومکم الذی کنتم توعدون).

وفی نهج البلاغة أنّ أمیر المؤمنین علی (علیه السلام) قال: «فبادروا بأعمالکم تکونوا مع جیران الله فی داره، رافق بهم رسله، وأزارهم ملائکته، وأکرم أسماعهم أن تسمع حسیس نار أبداً»(4).


1. تفسیر روح الجنان، ذیل الآیات مورد البحث.
2. ینبغی الإلتفات إلى أنّ اللام فی (لها)بمعنى «إلى»، وضمیر (ها) یعود إلى جهنّم فی الصورة الاُولى، أمّا فی التّفسیر الثّانی فإنّ «اللام» تعنی «إلى» ، ولکن الضمیر یعود إلى الأصنام.
3. لمزید الإیضاح راجع تفسیر الآیة 106 من سورة هود، إلى هذا التفسیر.
4. نهج البلاغة، الخطبة 183.
سورة الأنبیاء / الآیة 98 ـ 103 سورة الأنبیاء / الآیة 104
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma