علامات اُخرى للهِ فی عالم الوجود:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة الأنبیاء / الآیة 30 ـ 33 1ـ تفسیر قوله تعالى: (کلّ فی فلک یسبحون)

تعقیباً على البحوث السابقة حول عقائد المشرکین الخرافیة، والأدلّة التی ذکرت على التوحید، فإنّ فی هذه الآیات سلسلة من براهین الله فی عالم الوجود، وتدبیره المنظّم، وتأکیداً على هذه البحوث تقول أوّلا: (أو لم یر الذین کفروا أنّ السّماوات والأرض کانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء کلّ شیء حی  أفلا  یؤمنون).

لقد ذکر المفسّرون أقوالا کثیرة فیما هو المراد من «الرتق» و«الفتق» المذکورین هنا فی شأن السماوات والأرض؟ ویبدو أنّ الأقرب من بینها ثلاثة تفاسیر، ویحتمل أن تکون جمیعاً داخلة فی مفهوم الآیة(1):

إنّ رتق السّماء والأرض إشارة إلى بدایة الخلقة، حیث یرى العلماء أنّ کلّ هذا العالم کان کتلة واحدة عظیمة من البخار المحترق، وتجزّأ تدریجیّا نتیجة الإنفجارات الداخلیة والحرکة، فتولّدت الکواکب والنجوم، ومن جملتها المنظومة الشمسیة والکرة الأرضیة، ولا یزال العالم فی توسّع دائب.

المراد من الرتق هو کون مواد العالم متّحدة، بحیث تداخلت فیما بینها وکانت تبدو وکأنّها مادّة واحدة، إلاّ أنّها انفصلت عن بعضها بمرور الزمان، فأوجدت ترکیبات جدیدة، وظهرت أنواع مختلفة من النباتات والحیوانات والموجودات الاُخرى فی السّماء والأرض، موجودات کلّ منها لها نظام خاص وآثار وخواص تختص بها، وکلّ منها آیة على عظمة الله وعلمه وقدرته غیر المتناهیة(2).

إنّ المراد من رتق السّماء هو أنّها لم تکن تمطر فی البدایة، والمراد من رتق الأرض أنّها لم تکن تنبت النبات فی ذلک الزمان، إلاّ أنّ الله سبحانه فتق الإثنین، فأنزل من السّماء المطر، وأخرج من الأرض أنواع النباتات. والرّوایات المتعدّدة الواردة عن طرق أهل البیت (علیهم السلام)تشیر إلى المعنى الأخیر، وبعضها یشیر إلى التّفسیر الأوّل(3).

لا شکّ أنّ التّفسیر الأخیر شیء یمکن رؤیته بالعین، وکیف أنّ المطر ینزل من السّماء، وکیف تنفتق الأرض وتنمو النباتات، وهو یناسب تماماً قوله تعالى: (أو لم یر الذین کفروا)وکذلک ینسجم وقوله تعالى: (وجعلنا من الماء کلّ شیء حی).

إلاّ أنّ التّفسیرین الأوّل والثّانی أیضاً لا یخالفان المعنى الواسع لهذه الآیة، لأنّ الرؤیة تأتی أحیاناً بمعنى العلم. صحیح أنّ هذا العلم والوعی لیس للجمیع، بل إنّ العلماء وحدهم الذین یستطیعون أن یکتسبوا العلوم حول ماضی الأرض والسّماء، وإتّصالهما ثمّ إنفصالهما، إلاّ أنّنا نعلم أنّ القرآن لیس کتاباً مختصاً بعصر وزمان معیّن، بل هو مرشد ودلیل للبشر فی کلّ القرون والأعصار.

من هذا یظهر أنّ له محتوى عمیقاً یستفید منه کلّ قوم وفی کلّ زمان، ولهذا نعتقد أنّه لا مانع من أن تجتمع للآیة التفاسیر الثلاثة، فکلّ فی محلّه کامل وصحیح وقد قلنا مراراً: إنّ استعمال لفظ واحد فی أکثر من معنى لیس جائزاً فحسب، بل قد یکون أحیاناً دلیلا على کمال الفصاحة، وإنّ ما نقرؤه فی الرّوایات من أنّ للقرآن بطوناً مختلفة یمکن أن یکون إشارة إلى هذا المعنى.

وأمّا فیما یتعلّق بإیجاد کلّ الکائنات الحیّة من الماء الذی اُشیر إلیه فی ذیل الآیة، فهناک تفسیران مشهوران:

أحدهما: إنّ حیاة کلّ الکائنات الحیّة ـ سواء کانت النباتات أم الحیوانات ـ ترتبط بالماء، هذا الماء الذی کان مبدؤه المطر الذی نزل من السّماء.

والآخر: إنّ الماء هنا إشارة إلى النطفة التی تتولّد منها الکائنات الحیّة عادةً.

وما یلفت النظر أنّ علماء عصرنا الحدیث یعتقدون أنّ أوّل إنبثاقة للحیاة وجدت فی أعماق البحار، ولذلک یرون أنّ بدایة الحیاة من الماء، وإذا کان القرآن یعتبر خلق الإنسان من التراب، فیجب أن لا ننسى أنّ المراد من التراب هو الطین المرکّب من الماء والتراب.

والجدیر بالذکر أیضاً أنّه طبقاً لتحقیقات العلماء، فإنّ الماء یشکّل الجزء الأکبر من بدن الإنسان وکثیر من الحیوانات، وهو فی حدود 70%!

وما یورده البعض من أنّ خلق الملائکة والجنّ لیس من الماء، مع أنّها کائنات حیّة، فجوابه واضح، لأنّ المراد هو الموجودات الحیّة المحسوسة بالنسبة لنا.

وفی حدیث عن الإمام الصادق (علیه السلام) أنّ رجلا سأله: ما طعم الماء؟ فقال الإمام أوّلا: «سل تفقّهاً ولا تسأل تعنّتاً» ثمّ أضاف: «طعم الماء طعم الحیاة! قال الله سبحانه: (وجعلنا من الماء کلّ شیء حی).(4)

وخاصّةً عندما یصل الإنسان إلى الماء السائغ بعد عطش طویل فی الصیف، وفی ذلک الهواء المحرق، فإنّه حینما تدخل أوّل جرعة ماء إلى جوفه یشعر أنّ الروح قد دبّت فی بدنه، وفی الواقع أراد الإمام أن یجسّد الإرتباط والعلاقة بین الحیاة والماء بهذا التعبیر الجمیل.

وأشارت الآیة التالیة إلى جانب آخر من آیات التوحید ونعم الله الکبیرة، فقالت: (وجعلنا فی الأرض رواسی أن تمید بهم)(5) وقلنا فیما مضى: إنّ الجبال کالدرع الذی یحمی الأرض، وهذا هو الذی یمنع ـ إلى حدّ کبیر ـ من الزلازل الأرضیّة الشدیدة التی تحدث نتیجة ضغط الغازات الداخلیة، إضافةً إلى أنّ وضع الجبال هذا یقلّل من حرکات القشرة الأرضیّة أمام ظاهرة المدّ والجزر الناشئة بواسطة القمر إلى الحدّ الأدنى.

ومن جهة اُخرى فلولا الجبال، فإنّ سطح الأرض سیکون معرّضاً للریاح القویّة دائماً، وسوف لا تستقرّ على حال أبداً، کما هی حال الصحاری المقفرة المحرقة.

ثمّ أشارت الآیة إلى نعمة اُخرى، وهی أیضاً من آیات عظمة الله، فقالت: (وجعلنا فیها فجاجاً سبلا لعلّهم یهتدون).

ولو لم تکن هذه الودیان والفجاج، فإنّ سلاسل الجبال العظیمة الموجودة فی المناطق المختلفة من الأرض کانت ستنفصل بعضها عن بعض بحیث ینفصل إرتباطها تماماً، وهذا یدلّ انّ هذه الظواهر الکونیّة خلقت کلّها وفق حساب دقیق.

ولمّا کان إستقرار الأرض لا یکفی لوحده لإستقرار حیاة الإنسان، بل یجب أن یکون آمناً ممّا فوقه، فإنّ الآیة التالیة تضیف: (وجعلنا السّماء سقفاً محفوظاً وهم عن آیاتها معرضون).(6)

المراد من السّماء هنا ـ کما قلنا سابقاً ـ هو الجوّ الذی یحیط بالأرض دائماً، وتبلغ ضخامته مئات الکیلومترات کما توصّل إلیه العلماء.

وهذه الطبقة رقیقة ظاهراً، وتتکوّن من الهواء والغازات، وهی محکمة ومنیعة إلى الحدّ الذی لا ینفذ جسم من خارجها إلى الأرض إلاّ ویفنى ویتحطّم، فهی تحفظ الکرة الأرضیة من سقوط الشهب والنیازک «لیل نهار» التی تعتبر أشدّ خطراً حتى من القذائف والصواریخ الحربیة.

إضافةً إلى أنّ هذا الغلاف الجوی یقوم بتصفیة أشعّة الشمس التی تحتوی على أشعّة قاتلة وتمنع من نفوذ تلک الأشعّة الکونیة القاتلة.

أجل، إنّ هذه السّماء سقف متین منیع حفظه الله من الهدم والسقوط(7).

وتطرّقت الآیة الأخیرة إلى خلق اللیل والنهار والشمس والقمر، فقالت: (وهو الذی خلق اللیل والنهار والشمس والقمر کلّ فی فلک یسبحون).

إلاّ أنّ من الواضح أنّ هذا التّفسیر لا یناسب کلمة «سقف»، لأنّ السقف غطاء لمن تحته، لا لمن فوقه. دقّقوا ذلک.


1. الفخر الرازی، فی التّفسیر الکبیر، وبعض المفسّرین الآخرین.
2. تفسیر المیزان، ذیل الآیة مورد البحث.
3. یُراجع تفسیر الصافی، ونور الثقلین، ذیل الآیة مورد البحث.
4. بحارالانوار، ج 54، ص 154.
5. «رواسی» جمع «راسیة» أی الجبال الثابتة، ولمّا کانت هذه الجبال تتّصل جذورها، فیمکن أن تکون إشارة إلى هذا الإرتباط، وقد ثبت من الناحیة العلمیة أن لإتصال اُصول الجبال أثر عمیق فی منع الزلازل الأرضیة. «وتمید» من «المید» ، وهو الهزّة والحرکة غیر الموزونة للأشیاء الکبیرة.
6. المراد من کون السماء محفوظة هو أن الاشعة القاتلة والاحجار المتناثرة لاتنفذ الیها فهی محفوظة منها. ومن جهة اخرى حافظة للکرة الارضیة منها.
7. یعتقد بعض المفسّرین أنّ الآیة المذکورة تنسجم والآیات التی وردت فی القرآن المجید حول حفظ السّماء من صعود الشیاطین بواسطة الشهب، مثل (وحفظاً من کلّ شیطان مارد) الصافات، 7.
سورة الأنبیاء / الآیة 30 ـ 33 1ـ تفسیر قوله تعالى: (کلّ فی فلک یسبحون)
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma