صفات المؤمنین البارزة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة المؤمنون / الآیة 1 ـ 11 1ـ حتمیة الفلاح للمؤمنین

اختیار اسم المؤمنین لهذه السورة ـ کما تقدّم ـ لأنّه جاء فی بدایتها آیات شرحت بعبارات وجیزة معبّرة صفات المؤمنین، وممّا یلفت النظر أنّها أشارت إلى مستقبل المؤمنین السعید قبل بیان صفاتهم، إستنارةً للشوق فی قلوب المسلمین للوصول إلى هذا الفخر العظیم بإکتساب صفة المؤمنین. تقول الآیة (قد أفلح المؤمنون).

کلمة «أفلح» مشتقّة من الفلح والفلاح، وتعنی فی الأصل الحرث والشقّ، ثمّ اُطلقت على أىّ نوع من النصر والوصول إلى الهدف والسعادة بشکل عام، والحقیقة أنّ المنتصرین یزیلون من طریقهم کلّ الموانع والحواجز لینالوا الفلاح والسعادة، ویشقّون طریقهم لتحقیق أهدافهم فی الحیاة. ولکلمة الفلاح معنىً واسعاً یضمّ الفلاح المادّی والمعنوی، ویکون الإثنان للمؤمنین.

فالفلاح الدنیوی أن یحیا الإنسان حرّاً مرفوع الرأس عزیز النفس غیر محتاج، ولا یمکن

تحقیق کلّ ذلک إلاّ فی ظلال الإیمان والتمسّک بالله وبرحمته. أمّا فلاح الآخرة فهو الحیاة فی نعیم خالد إلى جانب أصدقاء جدیرین طاهرین، حیاة العزّ والرفعة.

ویلخّص الراغب الاصفهانی خلال شرحه هذه المفردة بأنّ الفلاح الدنیوی فی ثلاثة أشیاء: البقاء والغنى والعزّ، وأمّا الفلاح الاُخروی ففی أربعة أشیاء: بقاء بلا فناء، وغناء بلا فقر، وعزّ بلا ذلّ، وعلم بلا جهل.

ثمّ تشرح الآیة هذه الصفات فتؤکّد قبل کلّ شیء على الصلاة فتقول: (الذین هم فی صلاتهم خاشعون).

«خاشعون» مشتقّة من خشوع، بمعنى التواضع وحالة التأدّب یتّخذها الإنسان جسماً وروحاً بین یدی شخصیّة کبیرة، أو حقیقة مهمّة تظهر فی الإنسان وتبدو علاماتها على ظاهر جسمه.

والقرآن اعتبر الخشوع صفة المؤمنین، ولیس إقامة الصلاة، إشارة منه إلى أنّ الصلاة لیست مجرّد ألفاظ وحرکات لا روح فیها ولا معنى، وإنّما تظهر فی المؤمن حین إقامة الصلاة حالة توجّه إلى الله تفصله عن الغیر وتلحقه بالخالق، ویغوص فی إرتباط مع الله، ویدعوه بتضرّع فی حالة تسود جسمه کلّه، فیرى نفسه ذرّة إزاء الوجود المطلق لذات الله، وقطرة فی محیط لا نهایة له.

إنّ لحظات هذه الصلاة تعتبر درساً للمؤمن فی بناء ذاته وتربیتها، ووسیلة لتهذیب نفسه وسمّو روحه.

وقد جاء فی حدیث عن الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) حین شاهد رجلا یلهو بلحیته وهو یصلّی قوله: «أمّا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه» (1).

إشارة منه(صلى الله علیه وآله) إلى أنّ الخشوع الباطنی یؤثّر فی ظاهر الإنسان. وکان کبار قادة المسلمین یؤدّون صلاتهم بخشوع حتى تحسبهم فی عالم آخر، یذوبون فی الله، حیث نقرأ عنهم فی حدیث عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) «إنّه کان یرفع بصره إلى السّماء فی صلاته، فلمّا نزلت الآیة طأطأ رأسه ورمى ببصره إلى الأرض»(2).

وثانی صفة للمؤمنین بعد الخشوع ممّا تذکره الآیة (والذین هم عن اللغو معرضون) حقّاً نرى جمیع حرکات وسکنات المؤمنین تتجّه لهدف واحد مفید وبنّاء، لأنّ «اللغو» یعنی الأعمال التافهة غیر المفیدة، وکما قال بعض المفسّرین فإنّ اللغو کلّ قول أو عمل لا فائدة فیه، وإذا فسّر البعض اللغو بالباطل.

وبعض فسّره بالمعاصی کلّها.

وآخر بمعنى الکذب.

وآخر: السباب أو السباب المتقابل.

والبعض الآخر قال: إنّه یعنی الغناء واللهو واللعب.

وآخر: إنّه الشرک، فإنّ هذه المعانی مصادیق ذلک المفهوم العام.

وطبیعی أنّ اللغو لا یشمل الأفعال والکلام التافه فقط، وإنّما یعنی الآراء التافهة التی لا أساس لها، التی تنسی العبد ربّه وتشغله بها دون الاُمور المفیدة، إذن فاللغو یتضمّن کلّ هذا، والحقیقة أنّ المؤمنین لم یخلقوا من أجل الإنشغال بآراء باطلة أو کلام تافه، بل هم معرضون عنها، کما قال القرآن الکریم.

وتشیر الآیة الثّالثة إلى ثالث صفة من صفات المؤمنین الحقیقیین، وهی ذات جانب إجتماعی ومالی حیث تقول: (والذین هم للزکاة فاعلون)(3).

ربّما تکون السورة مکّیة، کما قلنا سابقاً، نزلت فی وقت لم تشرّع فیه الزکاة بعد بمعناها المعروف، لذلک نجد إختلافاً بین المفسّرین فی تفسیر هذه الآیة، ولکن الذی یبدو أصوب هو أنّ الزکاة لا تنحصر بالزکاة الواجبة الأداء، وإنّما هناک أنواع کثیرة منها مستحبّة، فالزکاة الواجبة شرّعت فی المدینة، إلاّ أنّ الزکاة المستحبّة کانت موجودة قبل هذا.

وذهب مفسّرون آخرون إلى احتمال أن تکون الزکاة واجبة کحکم شرعی فی مکّة لکن دون تحدید، حیث کان الواجب على کلّ مسلم مساعدة المحتاجین بما یتمکّن، إلاّ أنّه أصبح للزکاة اُسلوبها الخاص عقب تشکیل الحکم الإسلامی وتأسیس بیت مال المسلمین، حیث تحدّدت أنصبتها من کلّ محصول ومال. وأصبح لها جباة یجبونها من المسلمین بأمر من الرّسول(صلى الله علیه وآله).

أمّا ما یراه بعض المفسّرین أمثال الفخر الرازی والآلوسی فی «روح المعانی» والراغب الاصفهانی فی مفرداته من أنّ الزکاة هنا تعنی عمل الخیر أو تزکیة المال أو تطهیر الروح، فبعید، لأنّ القرآن المجید کلّما ذکر الصلاة مع الزکاة یقصد بالزکاة الإنفاق المالی، ولو فسّرناه بغیر هذا، فذلک یحتاج إلى قرینة واضحة لا توجد فی هذه الآیات.

ورابع صفة من صفات المؤمنین هی الطهارة والعفّة بشکل تامّ، وإجتناب أىّ معصیة جنسیة، حیث تقول الآیة: (والذین هم لفروجهم حافظون(4) یحفظونها ممّا یخالف العفّة (إلاّ على أزواجهم أو ما ملکت أیمانهم فإنّهم غیر ملومین).

بما أنّ الغریزة الجنسیة أقوى الغرائز عند الإنسان تمرّداً، ولضبط النفس عنها یحتاج المرء إلى التقوى والإیمان القوی، لهذا أکدّت الآیة التالیة على هذه المسألة (فمن إبتغى وراء ذلک فاُولئک هم العادون).

إنّ عبارة المحافظة على «الفروج» قد تکون إشارة إلى أنّ فقدان المراقبة المستمرة فی هذا المجال تؤدّی بالفرد إلى خطر التلوّث بالانحرافات الکثیرة.

أمّا عبارة (أزواجهم) فهی تشمل الزوجین الذکر والاُنثى، رغم أنّ بعض مفسّری أهل السنّه وقعوا فی خطأ فی تفسیر هذه الآیة سنشیر إلیه لاحقاً.

ویمکن أن تکون عبارة (غیر ملومین) إشارة إلى الرأی الخاطىء عند المسیحیین الذی أصبح یشکّل انحرافاً فی عقیدتهم، وهو أنّ أىّ إتّصال جنسی یعتبر فعلا غیر لائق بالإنسان وترکه فضیلة له، حتى نرى القساوسة الکاثولیک ـ نساءً ورجالا ـ ممّن طلّق الدنیا یحیون عزّاباً ویتصوّرون الزواج بأىّ شکل کان خلافاً لمنزلة الإنسان الروحیة وهذه القضیّة شکلیة فحسب، حیث یختار هؤلاء لإشباع غرائزهم سبلا خفیّة متعدّدة، ذکرتها کتبهم(5).

وعلى کلّ حال فإنّ الله لم یخلق فی الإنسان غریزة کجزء من مکوّناته المثلى، ثمّ یعتبرها تناقض منزلة الإنسان عنده.

وکون الزوجات حِلاًّ للأزواج فی علاقتهنّ الجنسیّة باستثناء أیّام العادة الشهریة وأمثالها، لا تحتاج إلى شرح، وکذلک کون الجواری حلالا عندما یکنّ على وفق شروط ذکرتها الکتب الفقهیّة ولیس کما یتصوّر البعض أنّ کلّ واحدة منهنّ ودون شرط حلّ لمالکها، وفی الحقیقة لهنّ شروط الزوجة فی حالات کثیرة.

وأشارت الآیة الثامنة ـ موضع البحث ـ إلى الصفتین الخامسة والسادسة من صفات المؤمنین البارزة، حیث تقول: (والذین هم لأماناتهم وعهدهم راعون) إنّ المحافظة على «الأمانة» بالمعنى الواسع للکلمة، وکذلک الالتزام بالعهد والمیثاق بین یدی الخالق والخلق من صفات المؤمنین البارزة، وتعنی الأمانة بمفهومها الواسع أمانة الله ورسوله إضافة إلى أمانات الناس، وکذلک ما أنعم الله على خلقه. وتضمّ أیضاً أمانة الله الدین الحقّ والکتب السماویة وتعالیم الأنبیاء القدماء، وکذلک الأموال والأبناء والمناصب جمیعها أمانات الله سبحانه وتعالى بید البشر، یسعى المؤمنون فی المحافظة علیها وأداء حقّها، ویحرسونها ما داموا أحیاءاً. ویرثها أبناؤهم الذین تربّوا على أداء الأمانات والحفاظ علیها.

والدلیل على عمومیّة مفهوم الأمانة هنا، إضافة إلى سعة المفهوم اللغوی لهذه الکلمة، هو أحادیث عدیدة وردت فی تفسیر الأمانة بأنّها (أمانة الأئمّة المعصومین) أی: ینقلها کلّ إمام إلى وارثه(6).

وأحیاناً تفسیر الأمانة بأنّها الولایة بشکل عامّ.

وممّا یلفت النظر روایة زرارة أحد تلامیذ الإمام الباقر (علیه السلام) والإمام الصادق (علیه السلام) عن قوله تعالى (أن تؤدّوا الأمانات إلى أهله)(7) «أدّوا الولایة إلى أهلها...»(8).

وهکذا یکشف عن أنّ الحکومة ودیعة إلهیّة مهمّة جدّاً یجب إیداعها بید من هو أهلها.

وهناک تعابیر قرآنیة عدیدة تدلّ على عمومیة وشمولیة العهد، منها: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم)(9).

والجدیر بالملاحظة أنّ بعض آیات القرآن عبّرت عن ذلک العهد بأداء الأمانة وعدم خیانتها والمحافظة علیها، و«رعایة الأمانة» التی استعملت فی الآیة السابقة تضمّ معنى الأداء والمحافظة.

فعلى هذا فانّ التقصیر فی المحافظة على الأمانة والذی یؤدّی إلى وقوع ضرر أو تعرّضها للخطر، یوجب على الأمین إصلاحها (وبهذا تترتّب ثلاثة واجبات على الأمین: الأداء، والمحافظة، والإصلاح) فلابدّ أن یکون الالتزام بما تعهّد به المرء والمحافظة علیه.

وأداء الأمانة من أهمّ القواعد فی النظام الاجتماعی، ودون ذلک یسود التخبّط فی المجتمع. ولهذا السبب نرى شعوباً لا تتمسّک عامّتها بالدین، إلاّ أنّها ـ سعیاً منها لمنع الاضطراب ـ تفرض على نفسها رعایة العهد والأمانة، وتعتبر نفسها مسؤولة أمام هذین المبدأین ـ فی أقلّ تقدیر ـ فی القضایا الاجتماعیة العامّة (وقد بیّنا بإسهاب أهمیّة الأمانة فی تفسیر الآیة 58 من سورة النساء. وفی تفسیر الآیة 27 من سورة الأنفال، وشرحنا الوفاء بالعهد فی تفسیر الآیة الاُولى من سورة المائدة وفی تفسیر الآیة 91 من سورة النحل).

وبیّنت الآیة التاسعة من الآیات موضع البحث آخر صفة من صفات المؤمنین حیث تقول: (والذین هم على صلاتهم یحافظون).

وممّا یلفت النظر أنّ أوّل صفة للمؤمنین کانت الخشوع فی الصلاة، وآخرها المحافظة علیها، بدأت بالصلاة وانتهت به، لماذا؟ لأنّ الصلاة أهمّ رابطة بین الخالق والمخلوق، وأغنى مدرسة للتربیة الإنسانیة.

الصلاة وسیلة لیقظة الإنسان وخیر وقایة من الذنوب.

والخلاصة، إنّ الصلاة إن اُقیمت على وفق آدابها اللازمة، أصبحت أرضیة أمینة لأعمال الخیر جمیعاً.

وجدیر بالذکر أنّ الآیتین الاُولى والأخیرة تضمّنت کلّ واحدة منها موضوعاً یختلف عن الآخر، فالآیة الاُولى تضمّنت الصلاة بصورة مفردة، والأخیرة بصورة جماعیة، الاُولى تضمّنت الخشوع والتوجّه الباطنی إلى الله، هذا الخشوع الذی یعتبر جوهر الصلاة، لأنّ له تأثیراً فی جمیع أعضاء جسم الإنسان، والآیة الأخیرة أشارت إلى آداب وشروط صحّة الصلاة من حیث الزمان والمکان والعدد، فأوضحت للمؤمنین الحقیقیین ضرورة مراعاة هذه الآداب والشروط فی صلاتهم.

وقد شرحنا أهمیّة الصلاة فی المجلّدات المختلفة لهذا التّفسیر. فلیراجع تفسیر الآیة 114 من سورة هود وکذلک تفسیر الآیة 103 من سورة النساء وفی تفسیر الآیة 14 من سورة طه.

بعد بیان هذه الصفات الحمیدة، بیّنت الآیة التالیة حصیلة هذه الصفات فقالت: (اُولئک هم الوارثون).

اُولئک الذین یرثون الفردوس ومنازل عالیة وحیاة خالدة (الذین یرثون الفردوس هم فیها خالدون).

«الفردوس» ـ على قول ـ هی مفردة رومیة، وذهب آخرون إلى أنّها عربیة، وقیل فارسیة بمعنى «البستان». أو بستان خاص اجتمعت فیه جمیع النعم والمواهب الإلهیّة، ولذا صحّ تسمیتها بالجنّة العالیة، وأفضل البساتین.

ویمکن أن تکون عبارة «یرثون» إشارة إلى نیل المؤمنین لها دون تعب مثلما یحصل الوارث الإرث دون تعب، وصحیح أنّ الإنسان یبذل جهوداً واسعة ویضحّی بوقته ویسلب راحته فی بناء ذاته والتقرّب إلى الله، إلاّ أنّ هذا الجزاء الجمیل أکثر بکثیر من قدر هذه الأعمال البسیطة، وکأنّ المؤمن ینال الفردوس دون تعب ومشقّة.

کما یجب ملاحظة حدیث روی عن النّبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) «ما منکم من أحد إلاّ وله منزلان: منزل فی الجنّة، ومنزل فی النّار، فإن مات ودخل النّار ورث أهل الجنّة منزله».(10)

کما یمکن أن تکون عبارة «یرثون» فی الآیة السابقة إشارة إلى حصیلة عمل المؤمنین، فهی کالمیراث یرثونه فی الختام، وعلى کلّ حال فإنّ هذه المنزلة العالیة ـ حسب ظاهر الآیات المذکورة أعلاه ـ خاصّة بالمؤمنین الذین لهم هذه الصفات، ونجد أهل الجنّة الآخرین فی منازل أقلّ أهمیّة من هؤلاء المؤمنین.


1. تفسیر الصافی، وتفسیر مجمع البیان، ج 7، ص 99، ذیل الآیة مورد البحث.
2. تفسیر مجمع البیان، ج 7، ص 99; وتفسیر الکبیر، ج 23، ص 77، ذیل الآیة مورد البحث.
3. «الزکاة» تعنی هنا أنّ لها مصدراً، ولهذا إستعملت عبارة «فاعلون» بعدها. وقال مفسّرون آخرون: إنّه یمکن أن تعنی الزکاة ذلک المعنى المعروف عنها، أی مقدار من المال، ولهذا تکون (فاعلون) بمعنى مؤدّون.
4.«الفروج» جمع «فرج»، وهو کنایة عن الجهاز التناسلی.
5. یراجع بهذا المورد قصّة الحضارة لویل دیورانت.
6. تفسیر البرهان، ج 1، ص 380.
7. النساء، 58.
8. تفسیر البرهان، ج 1، ص 380.
9. النحل، 91.
10. بحارالانوار، ج 8، ص 91.
سورة المؤمنون / الآیة 1 ـ 11 1ـ حتمیة الفلاح للمؤمنین
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma