مَن ربّکما؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة طه / الآیة 49 ـ 55 بحوث

لقد حذف القرآن المجید هنا ـ وکما هی طریقته ـ بعض المطالب التی یمکن فهمها بمعونة الأبحاث الآتیة، وتوجّه مباشرةً إلى محاورة موسى وهارون مع فرعون، والمبحث فی الواقع هکذا:

إنّ موسى بعد تلقّی الوحی والرسالة، وخطّة عمل کاملة فی کیفیّة التعامل مع فرعون، تحرّک من تلک الأرض المقدّسة، والتقى أخاه هارون ـ على حدّ قول المفسّرین ـ قرب مصر، ثمّ توجّها معاً نحو فرعون، وتمکّنا من الدخول إلى قصر فرعون الاُسطوری برغم المشاکل الکثیرة.

فلمّا أصبح موسى أمام فرعون وجهاً لوجه، أعاد تلک الجمل الدقیقة المؤثّرة التی علّمه الله إیّاها أثناء الأمر بالرسالة: (إنّا رسولا ربّک فأرسل معنا بنی إسرائیل ولا تعذّبهم قد جئناک بآیة من ربّک والسلام على من اتّبع الهدى). واعلم أیضاً (إنّا قد اُوحی إلینا أنّ العذاب على من کذّب وتولّى).

فلمّا سمع فرعون هذا الکلام، کان أوّل ردّ فعله أن (قال فمن ربّکما یاموسى). والعجیب

أنّ فرعون المغرور والمعجب بنفسه لم یکن مستعدّاً حتى أن یقول: من ربّی الذی تدّعیانه؟ بل قال: من ربّکما؟!

فأجابه موسى مباشرةً بجواب جامع جدّاً، وقصیر فی الوقت نفسه، عن الله: (قال ربّنا الذی أعطى کلّ شیء خلقه ثمّ هدى) ففی هذه العبارة الموجزة إشارة إلى أصلین أساسیین من الخلقة والوجود، وکلّ واحد منهما دلیل وبرهان مستقل یوصل إلى معرفة الله:

الأوّل: إنّ الله سبحانه قد وهب لکلّ موجود ما یحتاجه، وهذا أمرٌ فی غایة الأهمیّة ممّا یقتضی تألیف عدّة کتب، بل إنّ کثیراً من الکتب قد اُلّفت فی هذا المجال.

إنّنا إذا دقّقنا قلیلا فی النباتات والحیوانات التی تعیش فی کلّ منطقة، سواء الطیور، أو الحیوانات البحریة، أو الحشرات والزواحف، فسنرى أنّ لکلّ منها إنسجاماً تامّاً مع محیطها الذی تعیش فیه، وکلّ ما تحتاجه فهو موجود تحت تصرّفها، فإنّ هیکل الطیور قد هیّئها للطیران من ناحیة شکلها ووزنها وحواسها المختلفة، وکذلک تکوین وبناء الحیوانات التی تعیش فی أعماق البحار.

والثّانی: مسألة هدایة وإرشاد الموجودات، وقد جعلها القرآن باستعماله (ثمّ) فی الدرجة الثّانیة بعد تأمین الإحتیاجات.

إنّ من الممکن أن یمتلک الإنسان أىّ شیء من أسباب الحیاة، إلاّ أنّه یجهل کیفیّة الاستفادة منها، والمهمّ أن یعرف طریقة استعمالها، وهذا هو الشیء الذی نراه فی الموجودات المختلفة بوضوح، وکیف أنّ کلاًّ منها یستغلّ طاقته بصورة دقیقة فی إدامة حیاته، کیف یبنی بیتاً، وکیف یتکاثر، وکیف یربّی أولاده ویخفیهم ویبعدهم عن متناول الأعداء، أو یعلّمهم کیف یواجهون الأعداء.

والبشر ـ أیضاً ـ لدیهم هذه الهدایة التکوینیّة، إلاّ أنّ الإنسان لمّا کان موجوداً یمتلک عقلا وشعوراً، فقد جعل الله سبحانه هدایته التکوینیّة مع هدایته التشریعیّة بواسطة الأنبیاء متلازمة ومتزامنة، بحیث إنّه إذا لم ینحرف عن ذلک الطریق، فإنّه سیصل حتماً إلى مقصده. وبتعبیر آخر فإنّ الإنسان نتیجة لإمتلاکه العقل والإرادة، فإنّ له واجبات ومسؤولیات، وبعد ذلک مناهج تکاملیّة لیس للحیوانات مثلها، ولذلک فإنّه إضافة إلى الهدایة التکوینیّة محتاج إلى الهدایة التشریعیّة.

وخلاصة القول: إنّ موسى (علیه السلام) یرید أن یفهم فرعون أنّ عالم الوجود هذا غیر منحصر

فیک، ولا فی أرض مصر، ولا یختص بالحاضر أو الماضی، فإنّ لهذا العالم ماضیاً ومستقبلا لم أکن ولم تکن فیه، وتلاحظ مسألتان أساسیتان فی هذا العالم: تأمین الحاجات، ثمّ إستغلال الطاقات والقوى فی طریق رقی الموجودات، فإنّها تستطیع جیّداً أن تدلّک على ربّنا، وتعرفّک به، وکلّما أمعنت النظر فی هذا المجال فستحصل على دلالات وبراهین کثیرة على عظمته وقدرته.

فلمّا سمع فرعون هذا الجواب الجامع الجمیل، ألقى سؤالا آخر (قال فما بال القرون الاُولى). وهناک بحث بین المفسّرین فی مراد فرعون من هذه الجملة، فقد أظهروا وجهات نظر مختلفة!

فقال بعضهم: إنّ موسى (علیه السلام) لمّا ذکر فی آخر جملة من کلامه شمول العذاب الإلهی للمکذّبین بالتوحید، فإنّ فرعون سأل: إذن فلماذا لم یواجه اُولئک الأقوام من المشرکین الماضین، بمثل هذا العذاب؟

وقال بعض: إنّ موسى لمّا قال: إنّ ربّ العالم هو ربّ الجمیع، سأل فرعون: فلماذا کان الأسلاف من قومنا وکلّ الأقوام الماضیة مشرکین؟ فهذا یبیّن أنّ الشرک وعبادة الأصنام لیس عملا خاطئاً!

وقال آخرون: لمّا کان معنى کلام موسى هو أنّ الجمیع سینال نتیجة أعماله فی النهایة، وسیُعاقب اُولئک الذین عصوا الأوامر الإلهیّة، فسأل فرعون: فما هو مصیر الأقوام الماضیة الذین هلکوا واندثروا؟

على کلّ حال، أجابه موسى (علیه السلام) بقوله: (قال علمها عند ربّی فی کتاب لا یضلّ ربّی ولا ینسى)(1) وبناءً على هذا فإنّ حساب هؤلاء وکتبهم محفوظة، وسینالون فی النهایة ثواب وعقاب أعمالهم، فإنّ الحافظ لهذا الحساب هو الله الذی لا یخطىء ولا ینسى، وبملاحظة ما بیّنه موسى من أصل التوحید والتعریف بالله، فإنّ من الواضح جدّاً أنّ حفظ هذا الحساب لدى من أعطى کلّ موجود حاجته بدقّة، ثمّ هداه لیس أمراً صعباً.

وللمفسّرین آراء مختلفة فی الفرق بین (لا یضلّ) و(لا ینسى) إلاّ أنّ الظاهر هو أن (لا یضلّ) إشارة إلى نفی أی نوع من الخطأ من قبل الله سبحانه، و(لا ینسى) إشارة إلى نفی النسیان، أی أنّه سبحانه لا یشتبه فی حساب الأفراد عند بدایة العمل، ولا یبتلى بنسیان حفظ حسابهم وأعمالهم، وعلى هذا فإنّ موسى قد نبّه بصورة ضمنیّة على إحاطة علم الله بکلّ شیء، لینتبه فرعون إلى هذه الحقیقة، وهی أنّ أی شیء من عمله لا یخفى على الله وإن کان بمقدار رأس الإبرة، وسوف ینال عقابه أو ثوابه.

فی الحقیقة، إنّ الإحاطة العلمیة لله هی نتیجة الکلام الذی قاله موسى من قبل، وهو أنّ الله الذی أعطى کلّ موجود حاجته ثمّ هداه، مطّلع على حال کلّ أحد، وکلّ شیء.

ولمّا کان جانب من حدیث موسى (علیه السلام) حول مسألة التوحید ومعرفة الله، فإنّه یبیّن هنا فصلا آخر فی هذا المجال، فیقول: (الذی جعل لکم الأرض مهداً وسلک لکم فیها سبلا وأنزل من السّماء ماءً فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتّى). وفی مجموع هذه الآیة إشارة إلى أربعة أنواع من نعم الله الکبرى.

الأرض التی هی مهد إستقرار الإنسان ومهاده، ویستطیع الإنسان العیش علیها براحة وأمان ببرکة قانون الجاذبیة، وکذلک الطبقة الغازیة العظیمة التی تحیط بالأرض.

الطرق والسبل التی أوجدها الله فی الأرض، والتی تربط جمیع مناطقها بعضها بالبعض الآخر، کما رأینا غالباً وجود طرق وودیان بین سلسلة الجبال التی تناطح السّماء یستطیع الإنسان أن یمرّ من خلالها ویصل إلى مقصده.

الماء الذی هو أساس الحیاة، ومصدر کلّ البرکات، والذی اُنزل من السّماء.

الأعشاب والنباتات المختلفة التی تخرج من الأرض بفعل هذا الماء، ویشکّل قسم منها المواد الغذائیة للإنسان، وقسم یستفید منه الإنسان فی صنع الأدویة، وقسم آخر یصنع ملابسه، وقسم آخر لوسائل الحیاة کالأبواب، وحتى البیوت التی تبنى من الخشب، والسفن، وکثیر من وسائط النقل الاُخرى، بل یمکن القول: إنّ هذه النعم الأربع الکبرى تشکّل حسب الترتیب الذی ورد فی الآیة أولویّات حیاة الإنسان، فقبل کلّ شیء یحتاج الإنسان إلى محلّ سکن وهدوء، وبعده إلى طرق المواصلات، ثمّ الماء، ثمّ المحاصیل الزراعیة.

ثمّ أشار إلى خامس النعم وآخرها من سلسلة النعم الإلهیّة هذه، فقال: (کلوا وارعوا أنعامکم)، وهو إشارة إلى ثرواتکم ومنتوجاتکم الحیوانیّة، والتی تشکّل جانباً مهمّاً من المواد الغذائیة والملابس ووسائل الحیاة، هی أیضاً من برکات هذه الأرض وذلک الماء النازل من السّماء.

وفی النهایة، وبعد أن أشار إلى کلّ هذه النعم، قال: (إنّ فی ذلک لآیات لاُولی النهى).

ممّا یستحقّ الإنتباه أنّ «النهى» جمع «نهیة» وهی فی الأصل مأخوذة من مادّة «نهی» مقابل الأمر، وتعنی العقل الذی ینهى الإنسان عن القبائح والسیّئات، وهذه إشارة إلى أنّ کلّ تدبّر وتفکّر من أجل فهم أهمیّة هذه الآیات لیس کافیاً، بل إنّ العقل والفکر المسؤول هو الذی یستطیع أن یدرک ویطّلع على هذه الحقیقة.

وبما أنّ هذه الآیات دلّلت على التوحید بخلق الأرض ونعمها، فقد بیّنت مسألة المعاد بالإشارة إلى الأرض فی آخر آیة من هذه الآیات أیضاً فقالت: (منها خلقناکم وفیها نعیدکم ومنها نخرجکم تارةً اُخرى) وإنّه لتعبیر بلیغ حقّاً، ومختصر أیضاً، عن ماضی البشر وحاضره ومستقبله، فکلّنا قد جئنا من التراب، وکلّنا نرجع إلى التراب، ومنه نبعث مرّةً اُخرى!

إنّ رجوعنا إلى التراب، أو بعثنا منه أمر واضح تماماً، لکن فی کیفیّة بدایتنا من التراب تفسیران: الأوّل: إنّنا جمیعاً من آدم وآدم من تراب. والآخر: إنّنا أنفسنا قد خلقنا من التراب، لأنّ کلّ المواد الغذائیة التی کوّنت أجسام آبائنا واُمّهاتنا قد أخذت من هذا التراب.

ثمّ إنّ هذا التعبیر ینبّه کلّ العتاة المتمرّدین، والمتّصفین بصفات فرعون، کی  لا ینسوا من أین أتوا، وإلى أین یذهبون؟ فلماذا کلّ هذا الغرور والعصیان والطغیان من موجود کان بالأمس تراباً، وسیکون غداً تراباً أیضاً؟


1. لقد ذکر «کتاب» هنا بصیغة النکرة، وهذه إشارة إلى عظمة الکتاب الذی تثبت فیه أعمال العباد، کما نقرأ فی آیة اُخرى: (لا یغادر صغیرة ولا کبیرة إلاّ أحصاها) الکهف، 49.
سورة طه / الآیة 49 ـ 55 بحوث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma