إنّه لمن الخطأ الإعتقاد بأنّ نصر الله المؤمنین ووعده بالدفاع عنهم ـ الذی جاء فی الآیات السابقة وفی آیات قرآنیة اُخرى ـ بعید عن سنّة الله فی خلقه وقوانین الحیاة!
لیس الأمر هکذا، فالله یعد بنصرة الذین یعبّئون جمیع طاقاتهم لیدخلوا میدان القتال بکلّ قوّة، ولهذا نطالع فی الآیات السالفة: (لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض)، فلا یدفع الله الظالمین بإمداداته الغیبیّة وبقدرة الصواعق والزلازل التی لایبعثها إلاّ فی حالات استثنائیة، إنّما یدفع شرّهم عن المؤمنین بمن یدافع عنهم، أی المؤمنین الحقیقیین.
وعلیه فلا یعنی الوعد الإلهی بالنصر رفع المسؤولیة والتکاسل والتواکل بالإعتماد على ما وعد الله للمؤمنین، بل یجب التحرّک الواسع لضمان النصر الإلهی وتهیئة مستلزماته.
والجدیر بالذکر أنّ هذه المجموعة من المؤمنین لا یتوجّهون إلى الله قبل النصر فقط، بل بعد النصر أیضاً، فهم (الذین إن مکّناهم فی الأرض أقاموا الصلاة ...) یوطّدون علاقتهم مع الله. والنصر لدیهم وسیلة لنشر الحقّ والعدل ومکارم الأخلاق.
وخصّصت بعض الرّوایات الآیة السابقة بالمهدی (عجّل الله فرجه) وأصحابه أو بآل محمّد (صلى الله علیه وآله) بشکل عامّ، فقد جاء فی حدیث عن الإمام الباقر(علیه السلام) حین تفسیر الآیة (الذین إن مکّناهم فی الأرض...) قال: إنّ هذه الآیة (الذین إن...) نزلت فی آل محمّد(صلى الله علیه وآله) والمهدی (عجّل اللّه فرجه) وأصحابه «یملّکهم الله مشارق الأرض ومغاربها، ویظهر الدین ویمیت الله به وبأصحابه البدع والباطل، کما أمات الشقاة الحقّ، حتى لا یرى أین الظلم، ویأمرون بالمعروف وینهون عن المنکر»(1).
وقد وردت أحادیث اُخرى فی هذا المجال، وهی عبارة عن مصادیق بارزة للآیة ولا تمنع عموم الآیة، فمفهوم الآیة الواسع یشمل جمیع المؤمنین والمجاهدین فی سبیل الله.
1. تفسیر علی بن إبراهیم حسبما نقله تفسیر نور الثقلین، ج 3، ص 506.
