ممّا یلفت النظر استخدام الآیات السابقة لمراحل الجنین الخمسة تعبیر «الخلق»، فی حین استخدمت کلمة «الإنشاء» لآخر مرحلة، وکما ذکر اللغویون فإنّ کلمة «الإنشاء» تعنی (خلق الشیء مع تربیته) وهذا التعبیر یدلّ على اختلاف هذه المرحلة عن المراحل السابقة (مرحلة النطفة والعلقة والمضغة واللحم والعظم) اختلافاً بیّناً، مرحلة ذکرها القرآن فی عبارة موجزة (ثمّ أنشأناه خلقاً آخر) ویعقّب ذلک مباشرةً بالقول: (فتبارک الله أحسن الخالقین).
ما هذه المرحلة التی تمتاز بهذه الأهمیّة؟
إنّها مرحلة یدخل فیها الجنین مرحلة الحیاة الإنسانیّة، یکون له إحساس وحرکة، وبتعبیر الأحادیث الإسلامیة «نفخ الروح».
هنا یترک الإنسان حیاته النباتیة بقفزة واحدة لیدخل عالم الحیوان، ومنه إلى عالم الإنسانیة، وتتباعد الشقّة مع المرحلة السابقة بدرجة استخدمت الآیة لها عبارة (ثمّ أنشأنا) لأنّ عبارة (ثمّ خلقنا) لم تعدّ کافیة. حیث یتّخذ الإنسان فی هذه المرحلة شکلا خاصّاً یرفعه عن المخلوقات الاُخرى، لیکون جدیراً بخلافة الله فی الأرض، ولیحمل الأمانة التی تخلّت عنها الجبال والسّماوات، لعدم استطاعتها حملها.
وهنا انطوى «العالم الکبیر» فی «الجرم الصغیر» بکلّ عجائبه، فیکون جدیراً حقّاً بعبارة (تبارک الله أحسن الخالقین).