قلوب فی الجهل مغمورة!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة المؤمنون / الآیة 62 ـ 67 سورة المؤمنون / الآیة 68 ـ 74

بما أنّ خصال المؤمنین هی سبب القیام بالأعمال الخیّرة التی أشارت إلیها الآیات السابقة، فهنا یثار هذا التساؤل بأنّ هذه الخصال والقیام بهذه الأعمال لا تتیسّر لکلّ أحد.

فتجیب أوّل آیة ـ من الآیات موضع البحث ـ عن ذلک فتقول: (ولا نکلّف نفساً إلاّ وسعه). وکلّ إنسان یکلّف حسب عقله وطاقته.

وهذه إشارة إلى أنّ الواجبات الشرعیّة هی فی حدود طاقة الإنسان، وأنّها تسقط عنه إذا تجاوزت هذه الحدود، وکما یقول علماء اُصول الفقه: إنّ هذه القاعدة حاکمة على جمیع الواجبات الشرعیّة ومقدّمة علیها.

وقد یُسأل: کیف یُحاسب کلّ البشر على أعمالهم کلّها صغیرها وکبیرها؟

فتجیب الآیة (ولدینا کتاب ینطق بالحقّ وهم لا یظلمون) فهناک صحیفة أعمال الإنسان المحفوظة لدى الله العلی القدیر، وهی تنطق بالحقّ عمّا إقترفه الإنسان من ذنوب، فلا یمکنه إنکاره(1).

وربّما کان القصد من الکتاب الذی لدى الله هو اللوح المحفوظ، ولفظ «لدینا» یؤکّد هذا التّفسیر.

والخلاصة أنّ الآیة المذکورة آنفاً تؤکّد حفظ الأعمال على أهلها من خیر أو شرٍّ، فهی مسجّلة بدقّة، والإیمان بهذه الحقیقة یشجّع الصالحین على القیام بأعمال الخیر، وإجتناب الأعمال السیّئة.

وتعبیر (ینطق بالحقّ) الذی وصف صحیفة أعمال البشر تشبه القول: إنّ الرسالة الفلانیة ذات تعبیر واضح، أی: لا یحتاج إلى شرح، وکأنّها ناطقة بذاتها، فهی تُجلّی الحقیقة.

وعبارة (وهم لا یظلمون) تبیّن أنّه لا ظلم ولا جور ولا غفلة یوم الحساب، فکلّ شیء فی سجلٍّ معلوم.

ولکون هذه الحقائق مؤثّرة فی الواعین من الناس فحسب، أضافت الآیة التالیة بأنّ هؤلاء الکفّار المعاندین غارقون فی دوّامة الجهل والغفلة لدرجة أنّهم غافلون عمّا ینتظرهم من الوعید: (بل قلوبهم فی غمرة من هذ)(2).

وهذا الإنغمار فی الجهل لا یسمح بمعرفة هذه الحقائق، ویمنع الضالّین من العودة إلى أنفسهم وإلى الله تعالى.

وتضیف هذه الآیة (ولهم أعمال من دون ذلک هم لها عاملون)، وقد أورد المفسّرون تفاسیر لقوله سبحانه: (ولهم أعمال من دون ذلک) فبعضهم قال: إنّها تعنی الأعمال السیّئة التی یقترفها الناس عن جهالة (فعلى هذا تکون «ذلک» إشارة إلى جهلهم)، والأعمال هی الذنوب التی یرتکبها الإنسان عن غیر علم ووعی وقال آخرون: إنّ المراد هو أنّهم إضافة إلى کفرهم إرتکبوا أنواعاً من الأعمال السیّئة.

واحتمل آخرون اختلاف برنامج الکفرة عن برنامج المؤمنین اختلافاً کبیراً.

ونحن نرى عدم اختلاف هذه التفاسیر فیما بینها فی نهایة الأمر، ویمکن الجمع بینها، المهمّ هو الإنتباه إلى أنّ مصدر الأعمال الشریرة یکمن فی إنغمار القلوب فی الجهالة.

ولکن هؤلاء المترفین یبقون فی هذه الغفلة ما داموا فی نعیمهم، فإذا جاءهم العذاب فهم یصرخون کالوحوش من شدّة العذاب الإلهی، کما تقول الآیة: (حتى إذا أخذنا مترفیهم بالعذاب إذا هم یجأرون).

فیخاطبون (لا تجأروا الیوم إنّکم منّا لا تنصرون).

أمّا لماذا ورد ذکر «المترفین» هنا فحسب مع أنّ المذنبین لا یختّصون بهم؟ السبب هو إمّا لکونهم قادةً للضالّین، أو لأنّ عذابهم شدید جدّاً.

ثمّ إنّ هذا العذاب یحتمل أن یکون دنیویّاً أو اُخرویّاً أو کلیهما، حیث یصیبهم العذاب فی هذه الدنیا أو فی الآخرة فیرتفع صراخهم، ویستغیثون فلا یغاثون.

وتکشف الآیة التالیة عن سبب هذا المصیر المشؤوم (قد کانت آیاتی تتلى علیکم وکنتم على أعقابکم تنکصون) بدلا من الاستفادة منها والإنتباه للواقع.

کلمة «تنکصون» مشتقّة من النکوص، بمعنى السیر بشکل معاکس.

و «أعقاب» جمع «عقب» على وزن «فَعِل» وتعنی عقب القدم.

وهذه الجملة کنایة عن شخص یسمع کلاماً غیر مرغوب فیه، فیرتعب لدرجة یسیر فیها القهقرى على عقبی قدمیه.

ثمّ إنّه لا یرجع إلى الوراء لمجرد سماعه آیات الله، وإنّما یصبح ممّن وصفتهم الآیة (مستکبرین به)(3).

وإضافةً إلى ذلک (سامراً تهجرون) أی یتسامرون فی لیالیهم ویتحدّثون عن النّبی والقرآن بالباطل.

وکلمة «سامراً» مشتقّة من «سَمَرَ» على وزن «نصر» بمعنى التحدّث لیلا. وقال البعض: إنّها تعنی ظلّ القمر فی اللیل حیث یختلط السواد مع البیاض فیه، وبما أنّ المشرکین من العرب کانوا یتسامرون حول الکعبة فی اللیالی المقمرة، وجُلّ حدیثهم یتناول النّبی (صلى الله علیه وآله)بالباطل، فوردت هذه الکلمة لهذا الغرض. ویقال «سمراء» لمن إختلط بیاضها بشیء من السواد.

و (تهجرون) مشتقة من «هَجْر» وتعنی بالأصل الإبتعاد والانفصال، وقد وردت بمعنى الهذیان الصادر من المریض. لأنّ کلامه فی تلک الحالة غیر سلیم، ویبعث على النفور. کما أنّ الهُجر (على وزن کُفر) یعنی السباب، وهو أیضاً یبعث على الإبتعاد والقطیعة.

وقد جاءت کلمة «تهجرون» فی الآیة بالمعنى الأخیر. فتقول: إنّ المشرکین من العرب کانوا یتسامرون حتى ساعات متأخّرة من اللیل، وهم یهذون ویکیلون السباب والشتائم کالمرضى.

وهذا الاُسلوب اُسلوب الجبناء وضعاف النفوس، الذین یلجأون إلى ظلمة اللیل، لیکیلوا السباب، حیث یفتقدون المنطق السلیم الذی یمکّنهم من التحدّث برجولة فی وضح النهار. إنّهم إختاروا ظلام اللیل بعیدین عن أنظار الناس، لیصلوا إلى أهدافهم المشؤومة، فلجأوا إلى السباب والباطل من أجل التنفیس عن أحقادهم الجاهلیة. یقول القرآن الکریم: إنّ سبب تعاستکم وما ستنالون من عذاب الله الألیم هو أنّکم إستکبرتم عن قبول الحقّ. ولم ترضخوا بتواضع لآیات الله، کما لم یکن تعاملکم مع النّبی بشکل منطقی وصحیح، ولولا ذلک لأهتدیتم إلى طریق الحقّ والسعادة.


1. لقد شرحنا بإسهاب صحیفة أعمال الإنسان وحقیقتها فی التّفسیر الأمثل حین تفسیر الآیة 13 من سورة الإسراء وکذلک حین تفسیر الآیة 49 من سورة الکهف.
2. یمکن أن تکون کلمة «هذا» إشارة إلى صحیفة الأعمال ویوم الحساب، أو القرآن المجید، أو أعمال الصالحین التی أشارت الآیات السابقة إلیها.
3. هناک إختلاف بین المفسّرین فی مَن یعود إلیه الضمیر فی (به). فذهب بعض أنّه یعود إلى المسجد الحرام والحرم المکّی، لأنّ سدنة الکعبة إستکبروا لاعتبارهم أنفسهم أصحاب الحرم المکّی، وهذا الاحتمال ضعیف لأنّ الآیات السابقة لم تتناول الکعبة والحرم. ویبدو أنّ هذا الضمیر یعود إلى القرآن المجید والنّبی(صلى الله علیه وآله)، فیکون معنى الآیة: إنّکم استکبرتم إزاء القرآن ونبی الإسلام. أو أنّها تشیر إلى سیرهم المعاکس، فهم استکبروا ولم یهتّموا به.
سورة المؤمنون / الآیة 62 ـ 67 سورة المؤمنون / الآیة 68 ـ 74
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma