إبراهیم وبرهانه المبین:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة الأنبیاء / الآیة 59 ـ 67 سورة الأنبیاء / الآیة 68 ـ 70

وأخیراً إنتهى یوم العید، ورجع عبدة الأصنام فرحین إلى المدینة، فأتوا إلى المعبد مباشرةً، حتى یظهروا ولاءهم للأصنام، ولیأکلوا من الأطعمة التی تبرّکت ـ بزعمهم ـ بمجاورة الأصنام. فما أن دخلوا المعبد حتى واجهوا منظراً أطار عقولهم من رؤوسهم، فقد وجدوا تلاًّ من الأیادی والأرجل المکسّرة المتراکمة بعضها على البعض الآخر فی ذلک المعبد المعمور، فصاحوا و(قالوا من فعل هذا بآلهتنا)(1)؟! ولا ریب أنّ من فعل ذلک ف(إنّه لمن الظالمین) فقد ظلم آلهتنا ومجتمعنا ونفسه! لأنّه عرض نفسه للهلاک بهذا العمل.

إلاّ أنّ جماعة منهم تذکّروا ما سمعوه من إبراهیم(علیه السلام) وإزدرائه بالأصنام وتهدیده لها وطریقة تعامله السلبی لهذه الآلهة المزعومة! (قالوا سمعنا فتىً یذکرهم یقال له إبراهیم)(2).

صحیح أنّ إبراهیم ـ طبقاً لبعض الرّوایات ـ کان شاباً، وربّما لم یکن سنّه یتجاوز 16 عاماً، وصحیح أنّ کلّ خصائص الرجولة من الشجاعة والشهامة والصراحة والحزم قد جمعت فیه، إلاّ أنّ من المسلّم به أنّ مراد عبّاد الأصنام لم یکن سوى التحقیر، فبدل أن یقولوا: إنّ إبراهیم قد فعل هذا الفعل، قالوا: إنّ فتى یقال له إبراهیم کان یقول کذا... أی إنّه فرد مجهول تماماً، ولا شخصیّة له فی نظرهم.

إنّ المألوف ـ عادةً ـ عندما تقع جریمة فی مکان ما، فإنّه ومن أجل کشف الشخص الذی قام بهذا العمل، تبحث علاقات الخصومة والعداء، ومن البدیهی أنّه لم یکن هناک شخص فی تلک البیئة من یعادی الأصنام غیر إبراهیم، ولذلک توجّهت إلیه أفکار الجمیع، و(قالوا فأتوا به على أعین الناس لعلّهم یشهدون) علیه بالجریمة.

واحتمل بعض المفسّرین أن یکون المراد مشاهدة منظر عقاب إبراهیم، لاالشهادة على کونه مجرماً. غیر أنّ الآیات المقبلة التی لها صبغة التحقیق والإستجواب تنفی هذا الإحتمال، إضافةً إلى أنّ التعبیر بـ«لعلّ» لا یناسب المعنى الثّانی، لأنّ الناس إذا حضروا ساحة العقاب فسیشاهدون ذلک المنظر حتماً،  فلا معنى لـ«لعلّ».

فنادى المنادون فی نواحی المدینة: «لیحضر کلّ من یعلم بعداء إبراهیم وإهانته للأصنام»، فاجتمع کلّ الذین کانوا یعلمون بالموضوع، وکذلک سائر الناس لیروا أین ستصل عاقبة عمل هذا المتّهم؟

لقد حدثت ضجّة وهمهمة عجیبة بین الناس، لأنّ هذا العمل کان فی نظرهم جریمة لم یسبق لها نظیر من قبل شابّ مثیر للفتن والمتاعب، وکانت قد هزّت البناء الدینی للناس.

وأخیراً تشکّلت المحکمة، وکان زعماء القوم قد اجتمعوا هناک، ویقول بعض المفسّرین: أنّ نمرود نفسه کان مشرفاً على هذه المحاکمة، وأوّل سؤال وجّهوه إلى إبراهیم(علیه السلام) هو أن: (قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا یاإبراهیم

هؤلاء لم یکونوا مستعدّین حتى للقول: أأنت حطّمت آلهتنا وجعلتها قطعاً متناثرة؟ بل قالوا فقط: أأنت فعلت بآلهتنا ذلک؟

فأجابهم إبراهیم جواباً أفحمهم، وجعلهم فی حیرة لم یجدوا منها مخرجاً (قال بل فعله کبیرهم هذا فاسألوهم إن کانوا ینطقون).

إنّ من اُسس علم معرفة الجرائم أن یکون المتّهم بادیة علیه آثار الجریمة، والملاحظ هنا أنّ آثار الجریمة کانت بادیةً على ید الصنم الکبیر، ]وفقاً للروایة المعروفة: إنّ إبراهیم جعل الفأس على رقبة الصنم الکبیر[.

لماذا تأتون إلیّ؟ ولماذا لا تتّهمون إلهکم الکبیر؟ ألا تحتملون أنّه غضب على الآلهة الصغیرة، أو إنّه اعتبرهم منافسیه فی المستقبل فعاقبهم؟

ولمّا کان ظاهر هذا التعبیر لا یطابق الواقع فی نظر المفسّرین، ولمّا کان إبراهیم نبیّاً معصوماً ولا یکذب أبداً، فقد ذکروا تفاسیر مختلفة، وأفضلها کما یبدو هو:

إنّ إبراهیم(علیه السلام) قد نسب العمل إلى کبیر الأصنام قطعاً، إلاّ أنّ کلّ القرائن تشهد أنّه لم یکن جادّاً فی قصده، بل کان یرید أن یزعزع عقائد الوثنیین الخرافیة الواهیة، ویفنّدها أمامهم، ویُفهم هؤلاء أنّ هذه الأحجار والأخشاب التی لا حیاة فیها ذلیلة وعاجزة إلى الحدّ الذی لا تستطیع أن تتکلّم بجملة واحدة تستنجد بعبّادها، فکیف یریدون منها أن تحلّ معضلاتهم؟!

ونظیر هذا التعبیر کثیر فی محادثاتنا الیومیّة، فنحن إذا أردنا إبطال أقوال الطرف المقابل نضع أمامه مسلّماته على هیئة الأمر أو الإخبار أو الاستفهام، وهذا لیس کذباً أبداً، بل الکذب هو القول الذی لا یمتلک القرینة معه.

وفی روایة عن الإمام الصادق (علیه السلام) فی کتاب الکافی: «إنّما قال: بل فعله کبیرهم، إرادة الإصلاح، ودلالة على أنّهم لا یفعلون»(3) ثمّ قال: «والله ما فعلوه وما کذب».(4)

واحتمل جمع من المفسّرین أنّ إبراهیم قد أدّى هذا المطلب بشکل جملة شرطیّة وقال: إنّ الأصنام إذا کانت تتکلّم فإنّها قد فعلت هذا الفعل، ومن المسلّم أنّ هذا التعبیر لم یکن خلاف الواقع، لأنّ الأصنام لم تکن تتکلّم، ولم تکن قد أقدمت على مثل هذا العمل، ولم یصدر منها، ووردت روایة فی مضمون هذا التّفسیر أیضاً.

إلاّ أنّ التّفسیر الأوّل یبدو هو الأقرب، لأنّ الجملة الشرطیّة «إن کانوا ینطقون» جواب الطلب فی «فاسألوهم»، ولیست شرطاً لجملة «بل فعله کبیرهم». (فلاحظوا بدقّة).

واللطیفة الاُخرى التی ینبغی الإلتفات إلیها هی: إنّ العبارة هی أنّه یجب أن یسأل من الأصنام المحطّمة الأیدی والأرجل عمّن فعل بها ذلک، لا من الصنم الکبیر، لأنّ ضمیر (هم)، وکذلک ضمائر «إن کانوا ینطقون» کلّها بصیغة الجمع، وهذا أنسب مع التّفسیر الأوّل(5).

لقد هزّت کلمات إبراهیم الوثنیین وأیقظت ضمائرهم النائمة الغافلة، وأزاح الرماد عن شعلة النّار فأضاءها، وأنار فطرتهم التوحیدیّة من خلف حجب التعصّب والجهل.

فی لحظة سریعة إستیقظوا من هذا النوم العمیق ورجعوا إلى فطرتهم ووجدانهم، کما یقول القرآن: (فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنّکم أنتم الظالمون)(6) فقد ظلمتم أنفسکم ومجتمعکم الذی تنتمون إلیه، وکذلک ساحة الله واهب النعم المقدّسة.

والطریف فی الأمر أنّنا قرأنا فی الآیات السابقة أنّهم اتّهموا إبراهیم بکونه ظالماً، وهنا قبلوا وإعترفوا فی أنفسهم بأنّ الظالم الأصلی والحقیقی هو أنفسهم، وفی الواقع فإنّ مراد إبراهیم من تحطیم الأصنام تحطیم فکر الوثنیة وروح الصنمیة، لا تحطیم الأصنام ذاتها، إذ لا جدوى من تحطیمها إذا صنع الوثنیّون العنودون أصناماً أکبر منها وجعلوها مکانها، وتوجد أمثلة کثیرة لهذه المسألة فی تأریخ الأقوام الجاهلین المتعصّبین.

إلى الآن استطاع إبراهیم أن یجتاز بنجاح مرحلة حسّاسة جدّاً من طریق تبلیغه الرسالة، وهی إیقاظ الضمائر عن طریق إیجاد موجة نفسیّة هائجة.

ولکن للأسف، فإنّ صدأ الجهل والتعصّب والتقلید الأعمى کان أکبر من أن یُصقل ویُمحى تماماً بنداء بطل التوحید.

وللأسف لم تستمر هذه الیقظة الروحیة المقدّسة، وثارت فی ضمائرهم الملوّثة المظلمة قوى الشیطان والجهل ضدّ نور التوحید هذا، ورجع کلّ شیء إلى حالته الاُولى، وکم هو لطیف تعبیر القرآن حیث یقول: (ثمّ نکسوا على رؤوسهم) ومن أجل أن یأتوا بعذر نیابة عن الآلهة البُکْم قالوا: (لقد علمت ما هؤلاء ینطقون) فإنّهم دائماً صامتون، ولا یحطّمون حاجز الصمت. وأرادوا بهذا العذر الواهی أن یخفوا ضعف وذلّة الأصنام.

وهنا فُتح أمام إبراهیم المیدان والمجال للاستدلال المنطقی لیوجّه لهم أشدّ هجماته، ولیرمی عقولهم بوابل من التوبیخ واللوم المنطقی الواعی: (قال أفتعبدون من دون الله ما لا ینفعکم شیئاً ولا یضرّکم)؟ فماذا تنفع هذه الآلهة المزعومة الخیالیّة التی لا قدرة لها على الکلام، ولیس لها شعور وإدراک، ولا تقدر أن تدافع عن نفسها، ولا تستطیع أن تحمی عبّادها، ولا یصدر عنها أىّ عمل؟

إنّ عبادة معبود ما إنّما یکون لأهلیّته للعبادة، ومثل هذا الأمر لا معنى له فی شأن الأصنام المیتة، أو یعبد رجاء فائدة ونفع تعود علیهم من قبله، أو الخوف من خسارتهم، إلاّ أنّ إقدامی على تحطیم الأصنام أوضح أنّها لا تملک أدنى حرکة، ومع هذا الحال ألا یعتبر عملکم هذا حمقاً وجهالة؟!

ووسّع معلّم التوحید دائرة الکلام، وإنهال بسیاط التقریع على روحهم التی فقدت الإحساس، فقال: (اُف(7) لکم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون)؟ إلاّ أنّه لم یلحّ فی توبیخهم وتقریعهم لئلاّ یلجّوا فی عنادهم.

فی الحقیقة، کان إبراهیم یتابع خطّته بدقّة متناهیة، فأوّل شیء قام به عند دعوتهم إلى التوحید هو أن ناداهم قائلا: ما هذه التماثیل التی تعبدونها؟ وهی  لا تحسّ ولا تتکلّم وإذا کنتم تقولون: إنّها سنّة آبائکم، فقد کنتم أنتم وآباؤکم فی ضلال مبین.

وفی المرحلة الثّانیة أقدم على خطّة عملیة لیبیّن أنّ هذه الأصنام لیست لها تلک القدرة على إهلاک کلّ من ینظر إلیها نظرة إحتقار، خاصّة وأنّه ذهب إلیها مع سابق إنذار وحطّمها تماماً، ولیوضّح أنّ تلک الأوهام التی حاکوها مجتمعین  لا فائدة ولا ثمر فیها.

وفی المرحلة الثّالثة أوصلهم فی تلک المحکمة التاریخیّة إلى طریق مسدود، فمرّة دخل إلیهم عن طریق فطرتهم، وتارةً خاطب عقولهم، واُخرى وعّظهم، وأحیاناً وبّخهم ولامهم.

والخلاصة، فإنّ هذا المعلّم الکبیر قد دخل من کلّ الأبواب، واستخدم کلّ طاقته، إلاّ أنّ من المسلّم أنّ القابلیة شرط فی التأثیر، وکان هذا قلیل الوجود بین اُولئک القوم للأسف.

ولکن لا شکّ أنّ کلمات إبراهیم(علیه السلام) وأفعالهِ بقیت کأرضیّة للتوحید، أو على الأقل بقیت کعلامات استفهام فی أذهان اُولئک، وأصبحت مقدّمة لیقظة ووعی أوسع فی المستقبل. ویستفاد من التواریخ أنّ جماعة آمنوا به،(8) وهم وإن قلّوا عدداً، إلاّ أنّهم کانوا من الأهمیّة بمکان، إذ هیّأوا الاستعداد النسبی لفئة اُخرى.


1. اعتبر بعض المفسّرین «من» هنا موصولة، إلاّ أنّ ملاحظة الآیة التالیة التی هی فی حکم الجواب، فسیظهر أنّ «من» هنا استفهامیة.
2. کما أشرنا سابقاً: إنّ الوثنیین لم یکونوا مستعدّین للقول: إنّ هذا الفتى کان یعیب الآلهة، بل قالوا فقط: إنّه کان یتحدّث عن الأصنام.
3. اصول الکافی، ج 2، ص 341، ح 17 باب الکذب.
4. المصدر السابق، ح 22.
5. إضافة إلى أنّ ضمیر کبیرهم مع البقیّة متشابه.
6. إحتمل بعض المفسّرین أن یکون المراد من (فرجعوا إلى أنفسهم) أنّهم تحدّثوا بینهم عن ذلک الکلام، ولام بعضهم بعضاً. إلاّ أنّ ما قلناه یبدو هو الأصحّ.
7. بحثنا فی معنى (اُف)بصورة أکثر تفصیلا فی ذیل الآیة 23 من سورة الإسراء.
8. کامل ابن اثیر، ج 1، ص 100.
سورة الأنبیاء / الآیة 59 ـ 67 سورة الأنبیاء / الآیة 68 ـ 70
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma