النّبی رحمة للعالمین:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة الأنبیاء / الآیة 107 ـ 112 مضمون سورة الحجّ:

لمّا کانت الآیات السابقة قد بشّرت العباد الصّالحین بوراثة الأرض وحکمها، ومثل هذه الحکومة أساس الرحمة لکلّ البشر، فإنّ الآیة الاُولى أشارت إلى رحمة وجود النّبی (صلى الله علیه وآله)العامّة، فقالت: (وما أرسلناک إلاّ رحمةً للعالمین) فإنّ عامّة البشر فی الدنیا، سواء الکافر منهم والمؤمن، مشمولون لرحمتک، لأنّک تکفّلت بنشر الدین الذی یُنقذ الجمیع، فإذا کان جماعة قد إنتفعوا به وآخرون لم ینتفعوا، فإنّ ذلک یتعلّق بهم أنفسهم، ولا یخدش فی عمومیّة الرحمة.

وهذا یشبه تماماً أن یؤسّس جماعة مستشفى مجهّزة لعلاج کلّ الأمراض، وفیها الأطباء المهرة، وأنواع الأدویة، ویفتحوا أبوابها بوجه کلّ الناس بدون تمییز، ألیست هذه المستشفى رحمة لکلّ أفراد المجتمع؟ فإذا إمتنع بعض المرضى العنودین من قبول هذا الفیض العام، فسوف لا یؤثّر فی کون تلک المستشفى عامّة، وبتعبیر آخر فإنّ کون وجود النّبی رحمة للعالمین له صفة المقتضی وفاعلیة الفاعل، ومن المسلّم أنّ فعلیة النتیجة لها علاقة بقابلیة القابل.

إنّ التعبیر بـ «العالمین» له إطار واسع یشمل کلّ البشر وعلى إمتداد الأعصار والقرون، ولهذا یعتبرون هذه الآیة إشارة إلى خاتمیة نبی الإسلام، لأنّ وجوده رحمة وقدوة لکلّ الناس إلى نهایة الدنیا، حتى أنّ هذه الرحمة تشمل الملائکة أیضاً.

ففی حدیث شریف مروی عنه (صلى الله علیه وآله) یؤیّد هذه العمومیة، إذ نلاحظ فیه إنّ هذه الآیة لمّا نزلت سأل النّبی جبرئیل فقال: «هل أصابک من هذه الرحمة شیء؟» فقال جبریل: «نعم إنّی کنت أخشى عاقبة الأمر، فآمنت بک لمّا أثنى الله علیّ بقوله: عند ذی العرش مکین»(1).

وعلى کلّ حال، ففی دنیا الیوم حیث ینتشر الفساد والظلم والاستبداد فی کلّ جانب، ونیران الحروب مستعرة فی کلّ جهة، وأخذت قبضات الجبّارین العتاة بأنفاس المستضعفین المظلومین... فی الدنیا الغارقة فی الجهل وفساد الأخلاق والخیانة والظلم والجور... أجل فی مثل هذه الدنیا سیتّضح أکثر فأکثر معنى کون النّبی رحمة للعالمین، وأىّ رحمة أسمى من أنّه أتى بدین إذا عُمل به فإنّه یعنی نهایة کلّ المآسی والنکبات والأیّام السوداء؟

أجل، إنّه هو وأوامره، ودینه وأخلاقه کلّها رحمة، رحمة للجمیع، وستکون عاقبة استمرار هذه الرحمة حکم الصالحین المؤمنین فی کلّ أرجاء المعمورة.

ولمّا کان أهمّ مظهر من مظاهر الرحمة، وأثبت دعامة لذلک هی مسألة التوحید وتجلّیاته، فإنّ الآیة التالیة تقول: (قل إنّما یوحى إلیّ أنّما إلهکم إله واحد فهل أنتم مسلمون

وهذه الآیة فی الواقع تشیر إلى ثلاث نقاط مهمّة:

الاُولى: إنّ التوحید هو الدعامة الأساسیّة للرحمة، وحقّاً کلّما فکّرنا أکثر فستّتضح هذه العلاقة أقوى، التوحید فی الإعتقاد، وفی العمل، والتوحید فی الکلمة، وتوحید الصفوف، وفی القانون وفی کلّ شیء.

الثّانیة: إنّه بمقتضى کلمة (إنّما) الدالّة على الحصر، فإنّ کلّ دعوات الأنبیاء تتلخّص فی أصل التوحید، والمطالعات الدقیقة تبیّن أیضاً أنّ الاُصول، بل وحتى الفروع والأحکام ترجع أخیراً إلى أصل التوحید، ولذلک فإنّ التوحید ـ وکما قلنا سابقاً ـ لیس أصلا من الاُصول وحسب، بل إنّه کالخیط القوی الذی یربط خرز المسبحة، أو الأصحّ أنّه کالروح الساریة فی البدن.

والنقطة الثّالثة: إنّ المشکلة الأساسیّة فی جمیع المجتمعات هی التلوّث بالشرک بأشکال مختلفة، لأنّ جملة (فهل أنتم مسلمون) توحی بأنّ المشکلة الأساسیّة هی الخروج من الشرک ومظاهره، ورفع الید عن الأصنام وتحطیمها، لیس الأصنام الحجریة والخشبیة فحسب، بل کلّ الأصنام، وفی أىّ شکل کانت، وخاصّة طواغیت البشر!

ثمّ تقول الآیة التالیة: إنّهم إذا لم یذعنوا ویهتمّوا لدعواتنا ونداءاتنا هذه (فإن تولّوا فقل آذنتکم على سواء).

«آذنت» من مادّة الإیذان، أی الإعلان المقترن بالتهدید، وجاء أحیاناً بمعنى إعلان الحرب، لکن لمّا کانت هذه السورة قد نزلت فی مکّة، ولم تکن هناک أرضیة للجهاد، ولم یکن حکم الجهاد قد نزل، فیبدو من البعید جدّاً أن یکون معنى هذه الجملة هنا إعلان الحرب، والظاهر أنّ النّبی أراد بهذا الکلام أن یعلن تنفّره وإبتعاده عن اُولئک، ویبیّن بأنّه قد یئس منهم تماماً.

وتعبیر «على سواء» إمّا أن یکون إشارة إلى أنّی قد أنذرتکم جمیعاً وحذّرتکم من العذاب الإلهی على حدّ سواء، لئلاّ یتصوّروا أنّ أهل مکّة أو قریشاً یختلفون عن الآخرین، وأنّ لهم عند الله فضلا أو کرامة، أو أنّه إشارة إلى أنّ النّبی قد بلّغهم جمیعاً وبدون إستثناء.

ثمّ یبیّن هذا التهدید بصورة أوضح، فیقول بأنّی لا أعلم هل أنّ موعد عذابکم قریب أم بعید: (وإن أدری أقریب أم بعید ما توعدون) فلا تظنّوا أنّ هذا الوعید بعید، فربّما کان قریباً وقریباً جدّاً.

قد یکون المراد من العذاب والعقوبة هنا عذاب القیامة، أو عذاب الدنیا، أو کلیهما، ففی الصورة الاُولى هو مختص بعلم الله، ولا یعلم أىّ أحد تاریخ وقوع القیامة بدقّة حتى أنبیاء الله، وفی الصورة الثّانیة والثّالثة یمکن أن یکون إشارة إلى جزئیاته وزمانه، وأنا لا أعلم بجزئیاته، لأنّ علم النّبی (صلى الله علیه وآله) بمثل هذه الحوادث لیس له صفة فعلیّة دائماً، بل له صفة إرادیة أحیاناً، أی ما دام لم یرد فهو لایعلم(2).

ثمّ إنّکم لا ینبغی أن تتوهّموا أنّ عقوبتکم إذا تأخّرت فهذا یعنی أنّ الله غیر مطّلع على أعمالکم وأقوالکم، فهو یعلم کلّ شیء، ف(إنّه یعلم الجهر من القول ویعلم ما تکتمون) فإنّ الجهر والإخفاء له معنى بالنسبة لکم حیث إنّ علمکم محدود عادةً، أمّا بالنسبة لمن لا حدود لعلمه، فإنّ الغیب والشهادة، والسرّ والعلن سواء لدیه.

وکذلک إذا رأیتم أنّ العقوبة الإلهیّة لا تحیط بکم فوراً، فلا تظنّوا أنّ الله سبحانه غیر عالم بعملکم، فلا أعلم لعلّه إمتحان لکم: (وإن أدری لعلّه فتنة لکم ومتاع إلى حین) ثمّ یأخذکم أشدّ مأخذ ویعاقبکم أشدّ عقاب!

لقد أوضحت الآیة فی الواقع حکمتین لتأخیر العذاب الإلهی:

الاُولى: مسألة الامتحان والاختبار، فإنّ الله سبحانه لا یعجّل فی العذاب أبداً حتى یمتحن الخلق بالقدر الکافی، ویُتمّ الحجّة علیهم.

والثّانیة: إنّ هناک أفراداً قد تمّ اختبارهم وحقّت علیهم کلمة العذاب حتماً، إلاّ أنّ الله سبحانه یوسّع علیهم النعمة لیشدّد علیهم العذاب، فإذا ما غرقوا فی النعمة تماماً، وغاصوا فی اللذائذ، أهوى علیهم بسوط العذاب لیکون أشدّ وآلم، ولیحسّوا جیّداً بألم وعذاب المحرومین والمضطهدین.

وتتحدّث آخر آیة هنا ـ وهی آخر آیة من سورة الأنبیاء ـ کالآیة الاُولى من هذه السورة عن غفلة الناس الجهّال، فتقول حکایة عن النّبی (صلى الله علیه وآله) فی عبارة تشبه اللعن، وتعکس معاناته (صلى الله علیه وآله) من کلّ هذا الغرور والغفلة، وتقول: إنّ النّبی (صلى الله علیه وآله) بعد مشاهدة کلّ هذا الإعراض (قال ربّ احکم بالحقّ)(3). وفی الجملة الثّانیة یوجّه الخطاب إلى المخالفین ویقول: (وربّنا الرحمن المستعان على ما تصفون).

إنّه فی الحقیقة ینبّه هؤلاء بکلمة (ربّنا) إلى هذه الحقیقة، وهی أنّنا جمیعاً مربوبون ومخلوقون، وهو ربّنا وخالقنا جمیعاً.

والتعبیر بـ «الرحمن»، والذی یشیر إلى الرحمة العامّة، یعید إلى أسماع هؤلاء أنّ الرحمة الإلهیّة قد عمّت کلّ وجودنا، فلماذا لا تفکّروا لحظة فی خالق کلّ هذه النعمة والرحمة؟

وتعبیر (المستعان على ما تصفون) یحذّر هؤلاء بأن لا تظنّوا أنّا وحیدون أمام جمعکم وکثرتکم، ولا تتصوّروا أنّ کلّ إتهاماتکم وأکاذیبکم، سواء کانت على ذات الله المقدّسة، أو علینا، ستبقى بدون جواب وجزاء، کلاّ مطلقاً، فإنّه تعالى سندنا ومعتمدنا جمیعاً، وهو قادر على أن یدافع عن عباده المؤمنین أمام کلّ أشکال الکذب والإفتراء والإتّهام.

اللهمّ لا تدعنا وحدنا قبال الشرق والغرب اللذین صمّما جمیعاً على إبادتنا، بل نسألک أن تنصرنا کما نصرت نبیّک (صلى الله علیه وآله) وأصحابه وهم قلّة ولم تدعهم وحدهم قبال کثرة الأعداء.

اللهمّ إنّک قد بیّنت فی هذه السورة المبارکة رحمتک الخاصّة على الأنبیاء فی الشدائد والأزمات وعند تقلّبات الحیاة ومصاعبها.

اللهمّ وإنّنا مبتلون فی عصرنا وزماننا بمثل تلک الشدائد والأزمات، وانّا لنرجو رحمتک التی خصّصت بها أنبیاءک وعبادک الصالحین، فارحمنا وفرّج عنّا..

آمین یا ربّ العالمین

نهایة سورة الأنبیاء


1. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث.
2. کما ورد فی کتاب الکافی فی باب یتعلّق بهذا الشأن أیضاً.
3. لا شکّ أنّ حکم الله سبحانه بالحقّ دائماً، وعلى هذا فإنّ ذکر کلمة (بالحقّ) هنا له صبغة التوضیح.
سورة الأنبیاء / الآیة 107 ـ 112 مضمون سورة الحجّ:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma