هجرة إبراهیم من أرض الوثنیین

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة الأنبیاء / الآیة 71 ـ 73 سورة الأنبیاء / الآیة 74 ـ 75

لقد هزّت قصّة حریق إبراهیم(علیه السلام) ونجاته الإعجازیة من هذه المرحلة الخطیرة أرکان حکومة نمرود، بحیث فقد نمرود معنویاته تماماً، لأنّه لم یعد قادراً على أن یُظهر إبراهیم بمظهر الشاب المنافق والمثیر للمشاکل، فقد عُرف بین الناس بأنّه مرشد إلهی وبطل شجاع یقدر على مواجهة جبّار ظالم ـ بکلّ إمکانیاته وقدرته ـ بمفرده، وأنّه لو بقی فی تلک المدینة والبلاد على هذا الحال، ومع ذلک اللسان المتکلّم والمنطق القوی، والشهامة والشجاعة التی لا نظیر لها، فمن المحتّم أنّه سیشکّل خطراً على تلک الحکومة الجبّارة الغاشمة، فلابدّ أن یخرج من تلک الأرض على أىّ حال.

ومن جهة اُخرى، فإنّ إبراهیم کان قد أدّى رسالته ـ فی الواقع ـ فی تلک البلاد، ووجّه ضربات ماحقة إلى هیکل وبنیان الشرک، وبذر بذور الإیمان والوعی فی تلک البلاد، وبقیت المسألة مسألة وقت لتنمو هذه البذور وتبدی ثمارها، وتقلع جذور الأصنام وعبادتها، وتسحب البساط من تحتها.

فلابدّ من الهجرة إلى موطن آخر لإیجاد أرضیة لرسالته هناک، ولذلک صمّم على الهجرة إلى الشام بصحبة لوط ـ وکان ابن أخ إبراهیم ـ وزوجته سارة، وربّما کان معهم جمع قلیل من المؤمنین، کما یقول القرآن الکریم: (ونجّیناه ولوطاً إلى الأرض التی بارکنا فیها للعالمین).

وبالرغم من أنّ اسم هذه الأرض لم یرد صریحاً فی القرآن، إلاّ أنّه بملاحظة الآیة الاُولى من سورة الإسراء: (سبحان الذی أسرى بعبده لیلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذی بارکنا حوله) یتّضح أنّ هذه الأرض هی أرض الشام ذاتها، التی کانت من الناحیة الظاهریة أرضاً غنیّة مبارکة خضراء، ومن الجهة المعنویة کانت معهداً لرعایة الأنبیاء.

وقد وردت بحوث مختلفة فی التفاسیر والرّوایات فی أنّ إبراهیم(علیه السلام) هاجر تلقائیاً، أم أبعدته سلطات نمرود، أم أنّ الإثنین إشترکا، والجمع بینها جمیعاً هو أنّ نمرود ومن حوله کانوا یرون فی إبراهیم خطراً کبیراً علیهم، فأجبروه على الخروج من تلک البلاد، هذا من جهة، ومن جهة اُخرى، فإنّ إبراهیم کان یرى أنّ رسالته ومهمّته فی تلک الأرض قد انتهت، وکان یبحث عن منطقة اُخرى للعمل على توسیع دعوة التوحید فیها، خاصّةً وأنّ البقاء فی بابل قد یشکّل خطراً على حیاته فتبقى دعوته العالمیة ناقصة.

وفی حدیث عن الإمام الصادق (علیه السلام): إنّ نمرود «أمر أن ینفوا إبراهیم من بلاده، وأن یمنعوه من الخروج بماشیته وماله، فحاجّهم إبراهیم عند ذلک فقال: إن أخذتم ماشیتی ومالی فحقّی علیکم أن تردّوا علیّ ما ذهب من عمری فی بلادکم، فاختصموا إلى قاضی نمرود، وقضى على إبراهیم أن یسلّم إلیهم جمیع ما أصاب فی بلادهم، وقضى على أصحاب نمرود أن یردّوا على إبراهیم ما ذهب من عمره فی بلادهم، فأخبر بذلک نمرود، فأمرهم أن یخلّوا سبیله وسبیل ماشیته وماله، وأن یخرجوه، وقال: إنّه إن بقی فی بلادکم أفسد دینکم وأضرّ بآلهتکم»(1).

وأشارت الآیة التالیة إلى أحد أهمّ مواهب الله لإبراهیم، وهی هبته الولد الصالح، والنسل المفید، فقالت: (ووهبنا له إسحاق ویعقوب نافلة(2) وکلاًّ جعلنا صالحین) فقد مرّت أعوام طوال وإبراهیم فی لهفة وإنتظار للولد الصالح، والآیة 100 من سورة الصافات ناطقة باُمنیته الباطنیة هذه: (ربّ هب لی من الصالحین). وأخیراً إستجاب له ربّه، فوهبه إسماعیل أوّلا، ومن بعده إسحاق، وکان کلّ منهما نبیّاً عظیم الشخصیّة.

إنّ التعبیر بـ «نافلة» ـ والذی یبدو أنّه وصف لیعقوب خاصّة ـ من جهة أنّ إبراهیم(علیه السلام)کان قد طلب الولد الصالح فقط، فأضاف الله إلى مراده حفیداً صالحاً أیضاً، لأنّ النافلة فی الأصل تعنی الهبة أو العمل الإضافی.

وتشیر الآیة الأخیرة إلى مقام إمامة وقیادة هذا النّبی الکبیر، وإلى جانب من صفات الأنبیاء ومناهجهم المهمّة القیّمة بصورة جماعیة.

لقد عُدّت فی هذه الآیة ستّة أقسام من هذه الخصائص، وإذا اُضیف إلیها وصفهم بکونهم صالحین ـ والذی یستفاد من الآیة السابقة ـ فستصبح سبعة، ویحتمل أیضاً أن یکون مجموع الصفات الست التی ذکرت فی هذه الآیة، تفصیلا وتبیاناً لصلاح اُولئک، والذی ورد فی الآیة السابقة.

یقول أوّلا: (وجعلناهم أئمّة) أی إنّنا وهبناهم مقام الإمامة إضافةً إلى مقام النّبوّة والرسالة، والإمامة ـ کما أشرنا إلى ذلک سابقاً ـ هی آخر مراحل سیر الإنسان التکاملی، والتی تعنی القیادة العامّة الشاملة لکلّ الجوانب المادیّة والمعنویة، والظاهریة والباطنیة، والجسمیّة والروحیة للناس.

والفرق بین النبوّة والرسالة وبین الإمامة، هو أنّ الأنبیاء فی مقام النبوّة والرسالة یتلقّون أوامر الله ویبلّغونها الناس إبلاغاً مقترناً بالإنذار أو البشارة فقط، أمّا فی مرحلة الإمامة فإنّهم ینفّذون هذا البرنامج الإلهی، سواء کان هذا التنفیذ عن طریق تشکیل حکومة عادلة أو بدون ذلک، فهم فی هذه المرحلة مربّون للناس، ومعلّمون لهم، ومنفّذون للأحکام والبرامج فی سبیل إیجاد بیئة طاهرة نزیهة إنسانیة.

فی الحقیقة، إنّ مقام الإمامة مقام تنفیذ کلّ الخطط والاُطروحات الإلهیّة، وبتعبیر آخر: الإیصال إلى المطلوب، والهدایة التشریعیّة والتکوینیّة، فالإمام من هذه الناحیة کالشمس التی تنمّی الکائنات الحیّة بأشعّتها تمام(3).

ثمّ یذکر فی المرحلة التالیة ثمرة هذا المقام، فیقول: (یهدون بأمرنا) ولا یعنی بالهدایة الإرشاد وبیان الطریق الصحیح، والذی هو من شأن النبوّة والرسالة، بل یعنی الأخذ بالید والإیصال إلى المقصود، وهذا بالطبع لمن له الاستعداد واللیاقة والأهلیّة.

أمّا الموهبة الثّالثة والرّابعة والخامسة فقد عبّر عنها القرآن بقوله: (وأوحینا إلیهم فعل الخیرات وإقام الصلاة وإیتاء الزکاة) وهذا الوحی یمکن أن یکون وحیاً تشریعیّاً، أی إنّنا جعلنا کلّ أنواع أعمال الخیر وأداء الصلاة وإعطاء الزکاة فی مناهجهم الدینیّة، ویمکن أیضاً أن یکون وحیاً تکوینیّاً، أی إنّنا وهبنا لهم التوفیق والقدرة والجاذبیة المعنویة من أجل تنفیذ هذه الاُمور.

طبعاً، لیس لأىّ من هذه الاُمور صبغة إجباریة واضطراریة، وحتى مجرّد الأهلیة والاستعداد والأرضیة لوحدها من دون إرادتهم وتصمیمهم لا توصل إلى نتیجة.

إنّ ذکر (إقام الصلاة وإیتاء الزکاة) بعد فعل الخیرات، من أجل أهمیّة هذین الأمرین اللذین بُیّنا أوّلا بصورة عامّة فی جملة (وأوحینا إلیهم فعل الخیرات) ثمّ بصورة خاصّة فی التصریح بهما، وهذا ما یبحثه علماء البلاغة العربیة تحت عنوان ذکر الخاص بعد العام ..

وفی آخر فصل أشار إلى مقام العبودیة، فقال: (وکانوا لنا عابدین)(4). والتعبیر بـ «کانوا» الذی یدلّ على الماضی المستمر فی هذا المنهج، ربّما کان إشارة إلى أنّ هؤلاء کانوا رجالا صالحین موحّدین مؤهّلین حتى قبل الوصول إلى مقام النّبوّة والإمامة، وفی ظلّ ذلک المخطّط وهبهم الله سبحانه مواهب جدیدة.

وینبغی التذکیر بهذه النقطة، وهی أنّ جملة (یهدون بأمرنا) فی الحقیقة وسیلة لمعرفة الأئمّة وهداة الحقّ، فی مقابل زعماء وقادة الباطل الذین یقوم أساس ومعیار أعمالهم على الأهواء والرغبات الشیطانیة، وفی حدیث عن الإمام الصادق (علیه السلام) أنّه قال: «إنّ الأئمّة فی کتاب الله إمامان: قال الله تبارک وتعالى: وجعلناهم أئمّة یهدون بأمرنا، لا بأمر الناس، یقدّمون ما أمر الله قبل أمرهم، وحکم الله قبل حکمهم، قال: وجعلنا أئمّة یهدون إلى النّار، یقدّمون أمرهم قبل أمر الله، وحکمهم قبل حکم الله، ویأخذون بأهوائهم خلاف ما فی کتاب الله»(5).

وهذا هو المعیار والمحک لمعرفة إمام الحقّ من إمام الباطل.


1. تفسیر المیزان، فی ذیل الآیات مورد البحث.
2. عدم ذکر إسماعیل هنا مع أنّه کان أوّل ولد إبراهیم، ربّما کان من أجل أنّ ولادة إسحاق من اُمّ عقیم وعجوز، کانت تبدو مسألة عجیبة للغایة، فی حین أنّ ولادة إسماعیل من اُمّه هاجر لم یکن عجیباً.
3. لمزید الإطّلاع فی هذا المجال راجع ذیل الآیة 124 من سورة البقرة.
4. تقدیم کلمة (لنا) على (عابدین) یدلّ على الحصر، وإشارة إلى مقام التوحید الخالص، لهؤلاء المقدّمین الکبار، أی إنّ هؤلاء کانوا یعبدون الله فقط.
5. الآیة الثّانیة ـ وهی الآیة 41 من سورة القصص ـ تشیر إلى فرعون وجنوده، وهذا الحدیث جاء فی تفسیر الصافی نقلا عن کتاب الکافی.
سورة الأنبیاء / الآیة 71 ـ 73 سورة الأنبیاء / الآیة 74 ـ 75
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma