السیر فی الأرض والعبرة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 8
سورة الحجّ / الآیة 46 ـ 48 سورة الحجّ / الآیة 49 ـ 51

تحدّثت الآیات السابقة عن الأقوام الظالمة التی عاقبها الله على ما إقترفت أیدیهم فدمّر أحیاءهم، وأکّدت الآیة الاُولى هذه القضیّة فقالت: (أفلم یسیروا فی الأرض فتکون لهم قلوب یعقلون بها أو آذان یسمعون به).

أجل، تحدّثنا عن خرائب قصور الظلمة، ومنازل الجبابرة المهدّمة، وعبدة الدنیا، فلکلّ واحد منها ألف لسان یحکی لنا بسکوته المسیطر علیه ما حدث فی زوایاه من ظلم وفسق وجور، ویحدّثنا عن ألف حادثة وحادثة.

إنّ هذه الخرائب کتب ناطقة تتحدّث عن ماضی هؤلاء الأقوام، ونتائج أعمالهم وسلوکهم فی الحیاة، وعن أعمالهم المشؤومة، وأخیراً عن العقاب الذی صبّه الله علیهم!

إنّ آثار قصور الجبابرة تبعث فی روح الإنسان التفکّر والإتّعاظ، حیث یعوّضنا أحیاناً عن مطالعة کتاب ضخم، ومع أنّ أصل التاریخ یعید نفسه، فإنّ هذه الآثار تجسّد للإنسان مستقبله أمام عینیه، أجل، إنّ دراسة آثار القدماء تجعل آذاننا صاغیة وأنظارنا ثاقبة. ولهذا السبب یحثّ القرآن المجید ـ فی کثیر من آیاته ـ المؤمنین على السیاحة، سیاحةً إلهیّةً أخلاقیةً فیها عبرة لأنفسنا وعظة نحصّلها من دراسة إیوان المدائن وقصور الفراعنة، فمرّة نمرّ عبر

دجلة إلى المدائن، وقد نسکب الدمع بغزارة دجلة على أرض المدائن، لنسمع نصائح جدیدة من شقوق خرائب القصور التی کان عمّارُها الملوک الجبابرة، ولنأخذ منها الدروس والعبر(1).

ولإیضاح حقیقة هذا الکلام بشکل أفضل قال القرآن المجید: (فإنّها لا تعمى الأبصار ولکن تعمى القلوب التی فی الصدور).

إنّ الذین یفقدون بصرهم لا یفقدون بصیرتهم، بل تراهم أحیاناً أکثر وعیاً من الآخرین. أمّا العمی الحقیقیون فهم الذین تعمى قلوبهم، فلا یدرکون الحقیقة أبداً! لهذا یقول الرّسول الأکرم(صلى الله علیه وآله): «شرّ العمى، عمى القلب! وأعمى العمى عمى القلب»(2).

ونطالع حدیثاً للرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) فی کتاب غوالی اللآلی «إذا أراد الله بعبد خیراً فتح عین قلبه فیشاهد بها ما کان غائباً عنه»(3).

سؤال: وهنا یثار سؤال: کیف یقال أنّ القلوب التی فی الصدور تدرک الحقائق، فی وقت نعلم فیه أنّ القلب مضخّة للدم لیس إلاّ؟!

والجواب: وقد أجبنا عن هذا فی تفسیر سورة البقرة، وخلاصته أنّ أحد معانی القلب هو العقل، ومن معانی الصدر ذات الإنسان.

إضافةً إلى أنّ القلب مظهر العواطف، وکلّما تأثّرت العواطف والإدراکات الروحیّة فی الإنسان، فإنّ أوّل أثرها ینعکس على القلب فتزداد نبضاته ویسرع الدم فی جریانه، ویمنح الجسم نشاطاً وحیویة جدیدة، فتنسب الظواهر الروحیة إلى القلب، لأنّه أوّل من یتأثّر بها فی جسم الإنسان. (فتأمّلوا جیّداً).

وممّا یلفت النظر أنّ الآیة المذکورة أعلاه نسبت سبل إدراک الإنسان إلى القلب (العقل) والاُذنین، إشارةً إلى أنّه لا سبیل ثالث لإدراک الأشیاء والحقائق. فإمّا أن یتفاعل مع الحدث فی أعماق روحه ویسعى لتحلیل المسائل بنفسه فیصل إلى النتیجة المتوخّاة، وإمّا أن یسمع النصیحة من المشفقین الهداة وأنبیاء الله وأهل الحقّ، أو یصل إلى الحقائق عن طریق هذین السبیلین(4).

وترسم الآیة الثّانیة ـ موضع البحث ـ صورة اُخرى لجهل الأغبیاء وعدیمی الإیمان فتقول: (ویستعجلونک بالعذاب) فردّ علیهم ألاّ تعجلوا (ولن یخلف الله وعده). و«العجول» هو من یخشى فوات الفرصة من یده، وإنتهاء إمکاناتها.

أمّا الله القادر على کلّ شیء منذ الأزل، فلا حاجة له بالعجلة، فهو قادر دوماً على الوفاء بما وعد، فلا فرق عنده بین الساعة والیوم والسنة: (وإنّ یوماً عند ربّک کألف سنة ممّا تعدّون).

وسواء أکان حقّاً أم باطلا تکرارهم القول (لماذا لم ینزل الله علینا البلاء؟) فلیعلموا أنّ العذاب یترقّبهم وسینزل علیهم قریباً، فإن أمهلهم الله، فإنّ ذلک لیعیدوا النظر فی أعمالهم، وسیغلق باب التوبة بعد نزول العذاب ولا سبیل للنجاة حینذاک.

وهناک تفاسیر اُخرى لعبارة (وإنّ یوماً عند ربّک کألف سنة ممّا تعدّون) غیر ما ذکرنا (وهو تساوی الیوم الواحد والألف سنة بالنسبة إلى قدرته تعالى) منها: قد یلزم ألف عام لإنجازک عملا ما، والله تعالى ینجزه فی یوم أو بعض یوم، لهذا فإنّ عقابه لا یحتاج إلى مقدّمات کثیرة.

وتفسیر آخر یقول: إنّ یوماً من أیّام الآخرة کألف عام فی الدنیا، وإنّ جزاء ربّک وعقابه یزداد بهذه النسبة، لهذا نقرأ فی الحدیث التالی: «إنّ الفقراء یدخلون الجنّة قبل الأغنیاء بنصف یوم، ای: خمسمائة عام»(5).

وفی آخر آیة نجد تأکیداً على ما سبق أن ذکرته الآیات الآنفة الذکر من إنذار الکفّار المعاندین بأنّه ما أکثر القرى والبلاد التی أمهلناها ولم ننزل العذاب علیها لیفیقوا من غفلتهم، ولمّا لم یفیقوا وینتبهوا أمهلناهم مرّة اُخرى لیغرقوا فی النعیم والرفاهیة، وفجأةً نزل علیهم العذاب: (وکأین من قریة أملیت لها وهی ظالمة ثمّ أخذته).

إنّ اُولئک الأقوام کانوا مثلکم یشکون من تأخّر العذاب علیهم، ویسخرون من وعید الأنبیاء، ولا یرونه إلاّ باطلا، إلاّ أنّهم ابتلوا بالعذاب أخیراً ولم ینفعهم صراخهم أبداً (وإلیّ المصیر) أجل کلّ الاُمور تعود إلى الله، وتبقى جمیع الثروات فیکون الله وارثها.


1. شرحنا فی تفسیر الآیة 137 سورة آل عمران بإسهاب دراسة تاریخ القدماء عن طریق السیاحة والسیر فی الأرض.
2. تفسیر نورالثقلین، ج 3، ص 508.
3. المصدر السابق.
4. تفسیر المیزان، ج 14، ص 426.
5. تفسیر مجمع البیان، ج 7، ص 90، ذیل الآیة مورد البحث.
سورة الحجّ / الآیة 46 ـ 48 سورة الحجّ / الآیة 49 ـ 51
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma