التنبیه الثالث: فی مرجّحات النهی على الأمر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوَار الاُصُول (الجزء الأول)
التنبیه الثانی: فی آثار باب التزاحمالتنبیه الرابع: فی أنّه هل یلحق تعدّد الإضافات بتعدّد العناوین أو لا؟

قد مرّ سابقاً أنّ المتّبع فی باب التزاحم إنّما هو الأهمّ من الملاکین، فبناءً على القول بالامتناع فی باب الاجتماع وفقد المندوحة حیث إنّ المقام یدخل فی باب التزاحم فلابدّ من ملاحظة المرجّحات وکشف الأهمّ من الحکمین بالرجوع إلى لسان الأدلّة وملاحظة مذاق الشارع المقدّس فی مجموع الأحکام، فإن کان الترجیح مع الأمر کان الواجب العمل به وإتیان المأمور به، وإن کان الترجیح مع النهی کان اللازم أیضاً العمل به وترک المنهی عنه، فمثلا یستفاد من أدلّة وجوب الصّلاة أنّ الصّلاة لا تترک بحال وإنّه لا بدّ من إتیانها فی جمیع الحالات، ولازمه کونها أهمّ من الغصب، فیقدّم الأمر على النهی ویؤتى بالصّلاة فی الدار المغصوبة بجمیع أجزائها إلاّ ما یکون له البدل کالرکوع والسجود فیؤتى بهما إیماءً.

هذا ممّا لا إشکال فیه، إنّما الإشکال فیما إذا لم یمکن کشف الأهمّ من لسان الأدلّة الخاصّة فهل هناک ضابطة عامّة تدلّ على ترجیح الأمر أو النهی أو لا؟

قد یقال: إنّ الترجیح مع النهی مطلقاً إلاّ ما خرج بدلیل خاصّ، ویستدلّ له بوجوه عدیدة:

الوجه الأوّل: ما هو ناظر إلى عالم الإثبات، وهو أنّ أدلّة النهی على حرمة مورد الاجتماع شمولی ویکون بالعموم، ودلالة الأمر على وجوبه بدلی ویکون بالاطلاق، والعام الشمولی أقوى دلالة من العام البدلی، لأنّ الأوّل یستفاد من اللفظ والعموم، والثانی یستفاد من الإطلاق ومقدّمات الحکمة، ولا إشکال فی تقدیم العموم على الإطلاق ووروده علیه لأنّ من مقدّمات الحکمة عدم البیان، وعموم العام بیان.

وقد أورد على صغرى هذا الوجه بأنّ عموم النهی أیضاً لا یکون إلاّ بواسطة مقدّمات الحکمة الجاریة فی المتعلّق کمادّة الغصب ونحوها، ولکنّه(رحمه الله) رجع عنه فی ذیل کلامه بقوله «اللهمّ إلاّ أن یقال إنّ لفظ الکلّ أو النهی أو النفی الداخل على الجنس بنفسه کاف فی الدلالة على استیعاب تمام أفراد المدخول من دون حاجة إلى مقدّمات الحکمة فی المتعلّق»(1).

أقول: الحقّ أنّ هذا الوجه لا یوجب ترجیحاً للنهی على الأمر، لأنّ المقصود من عدم البیان فی مقدّمات الحکمة لیس هو عدم البیان إلى الأبد حتّى یکون کلّ بیان وارداً ومقدّماً علیه، بل المقصود هو عدم البیان فی مقام التخاطب وفی زمان البیان، فإذا لم یرد بیان فی مقام البیان والتخاطب تمّت مقدّمات الحکمة وصار المطلق ظاهراً فی العموم البدلی، ولا فرق بینه وبین العام من حیث قوّة الدلالة وضعفها.

الوجه الثانی: ما هو ناظر إلى عالم الثبوت وهو أولویّة دفع المفسدة من جلب المنفعة، ولا إشکال فی أنّ ترک المنهی عنه دفع للمفسدة، والعمل بالمأمور به جلب للمنفعة.

وقد أورد علیه من جانب المحقّق القمّی (رحمه الله) صاحب القوانین بالمناقشة فی الصغرى أیضاً بأنّ فی ترک الواجب أیضاً مفسدة إذا کان تعیینیاً.

وأجاب عنه المحقّق الخراسانی(رحمه الله) بأنّ ترک الواجب فوت للمصلحة دائماً، وهو غیر درک المفسدة.

أقول: هذا الوجه أیضاً غیر تامّ صغرى وکبرى:

أمّا الصغرى فلأنّ الموارد مختلفة، فتارةً یکون وجود الواجب مصداقاً لجلب المنفعة واُخرى یکون ترکه مصداقاً لذلک کالزّکاة فإنّ فی ترکها مفسدة جوع الفقراء وفقرهم الذی هو منشأ لمفاسد کثیرة فردیّة واجتماعیّة کما یرشدنا إلیه ما ورد فی لسان الحدیث. «إنّ الناس ما جاعوا ولا افتقروا إلاّ بذنوب الأغنیاء».

وأمّا الکبرى فلأنّها لا دلیل علیها شرعاً ولا عقلا ولا عقلائیّاً:

أمّا شرعاً فلأنّا نشاهد موارد کثیرة فی لسان الشرع قدّم جلب المنفعة فیها على دفع المفسدة، منها الجهاد الابتدائی فإنّه واجب مع استلزامه مضاراً شدیدة کثیرة من الجراحات وقطع النسل والحرث لأنّ جلب المصالح الموجودة فیه من طریق إیجابه (وهی أن تکون کلمة الله هی العلیا وأن یظهر دینه تعالى على الدین کلّه) أهمّ من دفع تلک المفاسد، ونظیر هذا المورد جمیع الأحکام الشرعیّة التی یوجب إتیانها تحمّل ریاضات شاقّة وأضرار بدنیّة ومالیّة.

إن قلت: فما هو المقصود ممّا ورد فی بعض الرّوایات من أنّ اجتناب السیّئات أولى من کسب الحسنات؟

قلنا: أنّ مضمون هذا القبیل من الرّوایات نفس مضمون ما ورد فیها أیضاً من أنّه «لا قربة للنوافل إذا أضرّت بالفرائض» فیکون موردها ما إذا لم تصل الحسنات إلى حدّ اللزوم، ویشهد على هذا المعنى نفس هذه الموارد التی قدّم الشارع فیها جلب المنفعة على دفع المفسدة.

وأمّا عقلا فلأنّ العقل ینظر إلى میزان الأهمّیة من دون فرق بین المصلحة والمفسدة، فإن رأى أنّ درجة أهمّیة المفسدة أکثر یقدّمها على المصلحة وإن رأى أنّ درجة أهمیّة المنفعة أکثر یقدّمها على المفسدة ولا خصوصیّة عنده للمفسدة من حیث هی مفسدة.

وأمّا عقلائیّاً فلأنّا نشاهدهم أنّهم تارةً یقدّمون المفسدة على المصلحة واُخرى بالعکس فیما إذا استهدفوا مصلحة عظیمة فإنّهم مثلا فی الصناعات والتجارات یصرفون ثروة عظیمة بعنوان رأس المال ویستقبلون المضارّ الکثیرة لمنافع هامّة محتملة، ویمکن التمثیل لهذا أیضاً بعملیّة الجراحة فی یومنا هذا الذی یوجب مضارّاً کثیرة ولکن فیه منافع أکثر منها.

وبالجملة أنّه لیس هناک قاعدة عامّة بعنوان أولویّة دفع المفسدة من جلب المنفعة.

وأظنّ أنّ هذا القبیل من القضایا التی ظهرت فی الألسن بشکل ضابطة کلّیة کانت صادقة فی الخارج بصورة قضیّة جزئیّة أو غالبیة ثمّ جرت على نحو قاعدة کلّیة نظیر ما اشتهر بینهم أیضاً «أنّ الأقرب یمنع الأبعد» مع أنّ القضیّة فی کثیر من الموارد تکون بالعکس، وهکذا فی کثیر من الأمثال المتداولة والجاریة بین الخاصّ والعامّ.

ثمّ إنّه أورد على هذا الوجه أیضاً فی المحاضرات: تارةً بأنّه على فرض تسلیم کبریها لیس المقام من صغریاتها جزماً، بداهة أنّه على القول بالامتناع ووحدة المجتمع وجوداً وماهیة فهو إمّا مشتمل على المصلحة دون المفسدة أو بالعکس، فإن قلنا بتقدیم الوجوب فلا حرمة ولا مفسدة تقتضیها، وإن قلنا بتقدیم الحرمة فلا وجوب ولا مصلحة تقتضیه ... وموضوع هذه القاعدة ما إذا کان فی فعل مفسدة ملزمة وفی فعل آخر مصلحة کذلک، ولا یتمکّن المکلّف من رفع الاُولى وجلب الثانیّة معاً فلا محالة تقع المزاحمة بینهما ... فهذه القاعدة لو تمّت فإنّما تتمّ فی باب التزاحم»(2).

واُخرى بأنّها على فرض تمامیتها لا صلة لها بالأحکام الشرعیّة أصلا واستدلّ له بوجهین نذکر هنا أوّلهما وهو: أنّ المصلحة لیست من سنخ المنفعة ولا المفسدة من سنخ المضرّة غالباً والظاهر أنّ هذه القاعدة إنّما تکون فی دوران الأمر بین المنفعة والمضرّة لا بین المصلحة والمفسدة کما لا یخفى.

وبکلمة اُخرى: أنّ الأحکام الشرعیّة لیست تابعة للمنافع والمضارّ وإنّما هی تابعة لجهات المصالح والمفاسد فی متعلّقاتها، ومن المعلوم أنّ المصلحة لیست مساوقة للمنفعة والمفسدة مساوقة للمضرّة، ومن هنا تکون فی کثیر من الواجبات مضرّة مالیّة کالزّکاة والخمس والحجّ ونحوها، وبدنیّة کالجهاد وما شاکله، کما أنّ فی عدّة من المحرّمات منفعة مالیّة أو بدنیّة، مع أنّ الأولى تابعة لمصالح کامنة فیها والثانیّة تابعة لمفاسد کذلک»(3).

أقول: یمکن المناقشة فی کلا الوجهین:

أمّا الأوّل فبأنّ وحدة المجمع وجوداً وماهیة فی باب الاجتماع لا یلازم اشتماله على خصوص المصلحة أو خصوص المفسدة بل حیث إنّه لیس من البسیط من جمیع الجهات ویتصوّر فیه جهتان مختلفتان یکون شاملا للمصلحة والمفسدة معاً ومن باب التزاحم دائماً کما مرّ سابقاً، فهو نظیر جمیع الأدویة فی باب الطب التی یشتمل کلّ واحد منها على مفسدة على رغم أنّه دواء وفیه شفاء، ونظیر الخمر والمیسر اللّذین فیهما إثم کبیر ومنافع للناس کما نطق به الکتاب العزیز، ونظیر جمیع الواجبات والمحرّمات التی أشار إلیها فی خبر تحف العقول المعروف بما حاصله: أنّ کلّ ما غلبت مصلحته على مفسدته فهو واجب وکلّ ما غلبت مفسدته على مصلحته فهو حرام.

وإن شئت قلت: أنّ الواحد فی المقام لیس واحداً حقیقیّاً ولا واحداً صناعیاً بل إنّه واحد اعتباری الذی یتصوّر فیه الجهات المختلفة وأبعاد متفاوتة التی تشتمل على مصالح ومفاسد، والمراد من التزاحم فیه هو التزاحم بین جهتی المصلحة والمفسدة. والعجب منه حیث ادّعى فیه البداهة.

أمّا الثانی: الذی اُشیر إلیه أیضاً فی بعض کلمات المحقّق الخراسانی(رحمه الله)فلأنّه إن کان نظره إلى جانب المعنوی لمورد الاجتماع فقط أو إلى بعده الاجتماعی فقط أو إلى المضارّ والمنافع التی تترتّب علیه فی طول الزمان، أی التی تترتّب علیه مع الواسطة أو الوسائط، ولم یکن النظر إلى الجهات المادّیة والفردیّة وإلى المنافع والمضارّ التی تترتّب بدون الواسطة وفی زمان الحال، فما أفاده فی محلّه، فتکون المصالح والمفاسد غیر المضارّ والمنافع کما لا یخفى، وأمّا إن کان المقصود هو الأعمّ من المنافع أو المضارّ المعنویّة والمادّیة والأعمّ ممّا یترتّب فی الحال أو فی طول الزمان ومن الاجتماعیّة والفردیّة وممّا یترتّب مع الواسطة ومن دون الواسطة، فلا فرق حینئذ بین المصالح والمنافع وبین المفاسد والمضارّ بل یمکن أن یتصوّر لواجب من الواجبات مصلحة أو منفعة معنویّة مع شموله لمفسدة أو مضرّة مادّیة، نظیر الزّکاة مثلا فإنّها توجب ضرراً مادّیاً مع أنّها موجبة لبرکات أخلاقیّة ومعنویّة بل برکات مادّیة أیضاً فی طول الزمان کما أشار إلیه فی الحدیث بقوله: «حصّنوا أموالکم بالزّکاة» حیث إنّ تحصین الأموال مصلحة دنیویّة مادّیة، وفی حدیث آخر: «إذا بخل الغنی بمعروفه باع الفقیر آخرته بدنیاه» فإنّ حفظ الآخرة للفقیر بالبذل والانفاق منفعة أو مصلحة اُخرویّة بل ودنیویّة کما لا یخفى، هذا کلّه من جانب، ومن جانب آخر تکون الزّکاة شاملة على الظاهر على مفاسد أو مضارّ فردیّة مع أنّها توجب فی البعد الاجتماعی حفظ کیان النظام والدفاع عن ثغور المملکة، وهاتان مصلحتان أو منفعتان اجتماعیتان.

وما ذکرنا یشهد علیه عمل العقلاء فی یومنا هذا، فإنّهم یعطون الضرائب التی وضعت علیهم من جانب دولهم وحکّامهم طوعاً ورغبة لما تشتمله من المنافع الاجتماعیّة.

هذا کلّه فی الواجبات، وکذلک فی المحرّمات، فیمکن أن یتصوّر لمعصیة من المعاصی منافع مادّیة کالتطفیف فی باب المعاملات مع أنّها شاملة لمضرّات معنویّة بل مادّیة من جانب آخر، والرّوایات ناطقة بذلک، فقد ورد فی الحدیث «الأمانة تجلب الغناء والخیانة تورث الفقر» کما یشهد على ذلک العرف والوجدان، فإنّا نشاهد بوجداننا أن التطفیف أو الخیانة مثلا توجب ظهور الغشّ فی المجتمع وزوال الأمن الاقتصادی وتفریغ البنوک الداخلیّة من الثروات وإخراجها منها إلى البنوک الخارجیّة الأجنبیّة وذلک لوجود الغشّ والخیانة فی الاُولى مثلا ووجود الدقّة والأمانة فی الثانیّة، ألا ترى خروج الثروات العظیمة الضخمة فی یومنا هذا من بعض المجتمعات الإسلامیّة إلى بعض البنوک الأجنبیّة فإنّه لیس إلاّ لأنّ الأمانة تجلب الاعتماد وبالنتیجة تجلب الغناء والثروة والمنافع المادّیة الهامّة کما أخبر بذلک المعصوم (علیه السلام) فی الحدیث.

الوجه الثالث: الاستقراء، بدعوى أنّا إذا تتبّعنا موارد دوران الحکم بین الوجوب والحرمة فی لسان الشرع نجد أنّ الشارع قدّم فیها دفع المفسدة على جلب المنفعة فأخذ بجانب الحرمة، وقد ذکروا هنا موردین:

المورد الأوّل: حرمة الصّلاة فی أیّام الاستظهار (وهی تطلق غالباً على الأیّام بعد العادة إلى العشرة کما هو التحقیق، وکذلک على الأیّام قبل العادة فلابدّ من ترک العبادة فیها أیضاً بمجرّد رؤیة الدم).

المورد الثانی: عدم جواز الوضوء أو الغسل من الإنائین المشتبهین، فإنّه قدّم جانب الحرمة فی المثالین على الوجوب.

وقد أُورد علیه:

أوّلا: بأنّ الاستقراء ممّا لا یتحقّق بهذا العدد (بموردین) حتّى الاستقراء الناقص الرائج فی بعض العلوم والذی قد یفید العلم ویدور علیه رحى العلوم التجربیّة فضلا عن الاستقراء التامّ الذی هو قلیل جدّاً.

وثانیاً: أنّ هذین الموردین لیسا من قبیل المتزاحمین اللّذین یوجد فیهما ملاک الوجوب والحرمة معاً بل إنّهما من قبیل دوران الأمر بین احتمالین الموجود فیهما ملاک أحدهما وهو ملاک الحرمة على الفرض، وأمّا الاحتمال الآخر وهو الوجوب فلا ملاک له لأنّه ساقط برأسه على الفرض أیضاً، لأنّ المرأة (فی المثال الأوّل مثلا) فی أیّام الاستظهار إمّا أن تکون حائضاً فی الواقع، فالموجود هو ملاک الحرمة فقط، أو لیست بحائض فالموجود هو ملاک الوجوب فقط وحیث إنّ الشارع حکم بتقدیم الحرمة نستکشف أنّ الموجود هو ملاک الحرمة لا الوجوب، وهکذا بالنسبة إلى المثال الثانی، وعلى أیّ حال: فلیس الموردان من قبیل المتزاحمین، کما لا یمکن قیاس باب المتزاحمین بهما لأنّه قیاس ظنّی لا اعتبار به.

وثالثاً: أنّه أساساً لیس الموردان من قبیل دوران الأمر بین الوجوب والحرمة، لأنّ المراد من الحرمة فی ما نحن فیه إنّما هو الحرمة الذاتیّة، ولا إشکال فی أنّه لا حرمة لصلاة الحائض ذاتاً بل حرمتها تشریعیّة وبحکم التعبّد، ولذلک قال الفقهاء بأنّه یمکن لها إتیان الصّلاة والجمع بین تروک الحائض وأعمال المستحاضة احتیاطاً وبقصد الرجاء فی کثیر من الموارد، وإلاّ لم یمکن لها هذا الاحتیاط کما لا یخفى، وهکذا فی الوضوء بالمائین المشتبهین فیمکن له الاحتیاط بالتوضّؤ بالإناء الأوّل ثمّ تطهیر أعضاء الوضوء بالإناء الثانی والتوضّؤ به ثانیاً.

نعم قد یقال: أنّه لا یمکن مع ذلک إتیان الصّلاة للابتلاء بنجاسة البدن ظاهراً بحکم استصحاب النجاسة حال ملاقاة الماء الثانی للبدن، فإنّه بمجرّد ملاقاته له ولو لأجل تطهیر مواضع الملاقات بالأوّل قبل أن تنفصل الغسالة یقطع بنجاسة البدن، إمّا بسبب ملاقاته مع الأوّل أو مع الثانی، نعم إذا انفصلت الغسالة یزول العلم لجواز نجاسة الأوّل وطهارة الثانی مع بقاء الشکّ فیها لجواز العکس، أی طهارة الأوّل ونجاسة الثانی فتستصحب النجاسة.

ولکنّه ممنوع لأنّ المفروض العلم بصحّة إحدى الصلاتین المأتی بهما بعد کلّ وضوء ولکنّه یبتلی بنجاسة البدن ظاهراً بالنسبة إلى مستقبل أمره، ولعلّه لذلک لم یأمر الشارع بهذا الاحتیاط.

وعلى أیّ حال: فإنّ عدم جواز الوضوء من الإنائین المشتبهین لیس من باب ترجیح النهی على الوجوب، بل إنّه إمّا من باب التعبّد الشرعی أو للابتلاء بنجاسة البدن ظاهراً بحکم الاستصحاب بالنسبة إلى المستقبل، کما أنّ حرمة الصّلاة فی أیّام الاستظهار أیضاً لیس من باب ترجیح جانب الحرمة بل إنّها إمّا لأجل قاعدة الإمکان الجاریة فی الدم (أی کلّ دم أمکن أن یکون حیضاً بأن لم یکن قبل البلوغ أو بعد الیأس أو مع عدم فصل أقلّ الطهر فهو حیض) أو من باب قاعدة الاستصحاب القاضیة بکون الدم فی أیّام الاستظهار حیضاً، وحیث إنّ قاعدة الإمکان لیست تامّة عندنا فالمتعیّن کون الحرمة من باب الاستصحاب.


1. کفایة الاُصول.
2. المحاضرات: ج4، ص408 ـ 409.
3. المصدر السابق: ص409 ـ 410.

 

التنبیه الثانی: فی آثار باب التزاحمالتنبیه الرابع: فی أنّه هل یلحق تعدّد الإضافات بتعدّد العناوین أو لا؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma