هل الأصل فی الأوامر هو التعبّدیّة أو لا؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوَار الاُصُول (الجزء الأول)
الأمر الثالث: فی إمکان أخذ قصد الأمر فی المأمور بهالأصل العملی فی المقام

إذا عرفت هذا المقدّمات فلنتکلم عن أصل البحث وهو مقتضى الأصل الأوّلی فی الأوامر وأنّه هل هو التعبّدیّة أو التوصّلیّة؟

فنقول: فیه ثلاثة أقوال:

1 ـ أنّ الأصل هو التوصّلیة وهو المختار.

2 ـ أنّ الأصل هو التعبّدیّة وهو المنقول من الکلباسی صاحب الإشارات.

3 ـ فقدان الأصل اللّفظی فلابدّ من الرجوع إلى الاُصول العملیّة وهو مختار المحقّق النائینی(رحمه الله).

أمّا القول الأوّل: فقد ظهر بیانه ممّا ذکرنا من أنّه یمکن للمولى أخذ قصد الأمر ضمن أمر واحد أو أمرین فحیث لم یأخذه وکان فی مقام البیان نتمسّک بإطلاق کلامه، ونثبت به عدم اعتباره عنده.

وأمّا القول الثانی: فاستدلّ له باُمور:

الأمر الأوّل: أنّ غرض المولى من الأمر هو إیجاد الداعی فی المکلّف للعمل وإخراجه من حالة عدم إحساس المسؤولیّة إلى حالة إحساس المسؤولیّة فی قبال المولى، وکلّما حصل هذا الغرض حصل قصد القربة طبعاً لأنّه لیس إلاّ إحساس المکلّف بالمسؤولیّة فی مقابل المولى وانبعاثه من بعثه وتحرّکه من تحریکه، فالأصل الأوّلی فی الأوامر أن تکون تعبّدیّة، والتوصّلیة تحتاج إلى دلیل خاصّ.

ولکن یمکن الجواب عنه:

أوّلا: أنّه لا دلیل على أنّ غرض المولى فی أوامره هو تحریک العبد مطلقاً، فإنّه أوّل الکلام حیث یمکن أن یکون غرضه تحریک العبد فی ما إذا لم یکن متحرّکاً بنفسه، فلو علم المولى بتحرّک العبد بنفسه وحرکته إلى الماء مثلا لرفع عطش المولى لم یأمره بإتیان الماء، وهذا نظیر ما ورد فی بیان الإمام السجّاد (علیه السلام)حیث قال: «ولست اُوصیکم بالدنیا فإنّکم بها مستوصون وعلیها حریصون وبها مستمسکون»(1).

ثانیاً: أنّ وظیفة العبد إنّما هو تحصیل غرض المولى من المأمور به لا قصد التقرّب مثلا حیث إنّ العقل یحکم بوجوب رفع عطش المولى مثلا على أیّ حال: فلو اُهرق الماء لا بدّ من إتیان ماء آخر مرّة اُخرى وهکذا حتّى یرفع عطش المولى مع أنّه قد امتثل الأمر وأتى بالماء، فإنّ هذا هو مقتضى حقّ الطاعة والعبودیّة.

وبعبارة اُخرى: إنّ غرض المولى من أمره حصوله على ما هو موجود فی المأمور به من المصلحة لا تحریک العبد إلى المأمور به بقصد امتثال أمره فحسب، إلاّ إذا ثبت کون الغرض منه هو العبودیّة والتقرّب إلیه.

الأمر الثانی قوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِیَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ حُنَفَاءَ وَیُقِیمُوا الصَّلاَةَ وَیُؤْتُوا الزَّکَاةَ وَذَلِکَ دِینُ الْقَیِّمَةِ)(2) ببیان أنّها تدلّ على أنّ جمیع الأوامر صدرت من جانب الباری تعالى للعبادة مخلصاً والاخلاص عبارة عن قصد التقرّب فی العمل، ولازمه أن تکون جمیع الأوامر الشرعیّة تعبّدیّة إلاّ ما خرج بالدلیل.

والجواب عنه واضح: لأنّ الآیة إنّما تکون فی مقام نفی الشرک وإثبات التوحید کما یشهد علیه بعض الآیات السابقة علیها وهو قوله تعالى: (لَمْ یَکُنْ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْکِتَابِ وَالْمُشْرِکِینَ مُنفَکِّینَ حَتَّى تَأْتِیَهُمْ الْبَیِّنَةُ)(3)، وکذلک بعض الآیات اللاّحقة وهی قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْکِتَابِ وَالْمُشْرِکِینَ فِی نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا)(4).

بل وهکذا ما ورد فی نفس الآیة من التعبیر بالحنفاء حیث إنّ الحنیف هو المائل من الباطل إلى الحقّ، فیطلق على الإنسان الموحّد الذی لا یعبد إلاّ الله، ولذلک وصفهم بعد ذلک بإقامة الصّلاة وإیتاء الزّکاة اللّذین هما من لوازم التوحید بالله ومن أوصاف العباد الموحّدین، على أیّ حال: إنّ الآیة فی مقابل المشرکین وأهل الکتاب تدلّ على انحصار العبادة بالله تعالى وأنّ الناس اُمروا لأن لا یعبدوا إلاّ الله تعالى لا أنّ جمیع الأوامر الشرعیّة الصادرة من جانب الله تعالى تکون تعبّدیّة، وأین هذا من ذاک.

ویشهد علیه أیضاً ذهاب المفسّرین ظاهراً على هذا المعنى، فهذا هو المحقّق الطبرسی (رحمه الله)فی ذیل هذه الآیة یقول: «أی لم یأمرهم الله تعالى إلاّ لأن یعبدوا لله وحده لا یشرکون بعبادة، فهذا ممّا لا یختلف فیه الاُمّة ولا یقع منه التغییر» وقال فی ذیل قوله تعالى «مخلصین له الدین»: «لا یخلطون بعبادته عبادة من سواه» وکذلک غیره.

أضف إلى ذلک أنّ المعنى المذکور للآیة یستلزم منه التخصیص بالأکثر حیث إنّه لا ریب فی أنّ أکثر الأوامر توصّلیة.

مضافاً إلى أنّ لحن الآیة آبیة عن التخصیص لمکان التأکیدات العدیدة الشدیدة الواردة فیها کما لا یخفى.

الأمر الثالث: التمسّک بروایات تدلّ على أنّ الأعمال إنّما هی بالنیّات:

منها: ما رواه أبو حمزة عن علی بن الحسین (علیه السلام) قال: «لا عمل إلاّ بنیّة»(5).

ومنها: ما رواه اسحاق بن محمّد قال: حدّثنی علی بن جعفر بن محمّد، وعلی بن موسى بن جعفر هذا عن أخیه وهذا عن أبیه موسى بن جعفر (علیه السلام) عن آبائه (علیهم السلام)عن رسول الله (صلى الله علیه وآله) فی حدیث. قال: «إنّما الأعمال بالنیّات، ولکل امرىء ما نوى»(6) وهکذا الرّوایة الثانیّة والثالثة من نفس الباب.

وتقریب الاستدلال: إنّ هذه الرّوایات تدلّ على اعتبار نیّة القربة فی جمیع الأعمال بشهادة عموم التعبیر بـ «الأعمال» فی الرّوایة الاُولى، والنکرة فی سیاق النفی فی الرّوایة الاُولى، فلابدّ من قصد القربة فی جمیع الأعمال إلاّ ما خرج بالدلیل.

والجواب عنه:

أوّلا: أنّه لا دلیل على کون المراد من النیّة فی هذه الرّوایات نیّة القربة بل لعلّها نیّة عنوان العمل بالنسبة إلى العناوین القصدیّة حیث إنّ کثیراً ما یکون لعمل واحد عناوین عدیدة ووجوه متفاوتة یتمیّز کلّ واحد منها عن غیرها بالنیّة، فمثلا إذا أعطى زید درهماً أمکن أن یکون من باب الأمانة أو الهبة أو الخمس أو الزّکاة أو أداء الدَین أو ردّ المظالم أو القبض، ولکنّه تتمیّز وتتعیّن بالقصد والنیّة.

وإن شئت قلت: لا بدّ فی الرّوایة من تقدیر یدور أمره بین الاحتمالین: احتمال أن یکون المقدّر الصحّة، أی إنّما صحّة الأعمال بالنیّات، واحتمال أن یکون المقدّر الأجر والثواب، أی إنّما أجر الأعمال بالنیّات، فعلى الأوّل یثبت مطلوب الخصم أی اعتبار قصد القربة فی جمیع الأعمال کما لا یخفى، وأمّا على الثانی فیکون معنى الرّوایة أنّ ترتّب الثواب على الأعمال مشروط بقصد القربة فإزالة النجاسة عن المسجد یترتّب علیها الثواب إذا تحقّقت بنیّة القربة لا أنّ صحّتها تتوقّف علیها، واین هذا من تعبّدیّة جمیع الأعمال؟ وهذا الاحتمال الثانی هو المتعیّن فی تفسیر الرّوایة بقرینة ما ورد فی ذیل الرّوایة الثانیّة من قوله (علیه السلام): «ولکلّ امرىء ما نوى، فمن غزى إبتغاء ما عند الله فقد وقع أجره على الله عزّوجلّ ومن غزى یرید عرض الدنیا أو نوى عقالا لم یکن له إلاّ ما نوى»، والرّوایات یفسّر بعضها بعضاً.

وبعبارة اُخرى: إنّ النزاع فی ما نحن فیه إنّما هو فی العبادة بالمعنى الأخصّ أی ما یشترط قصد القربة فی صحّة العمل لا العبادة بالمعنى الأعمّ أی ما یعتبر فی ترتّب الثواب علیه قصد القربة، ولا إشکال فی أنّ الجهاد من القسم الثانی، فلو کانت الرّوایة فی مقام اعتبار قصد القربة فی جمیع الأعمال لزم خروج مورد الرّوایة عنها.

ویشهد لهذا التفسیر للروایة أیضاً ما رواه أبو عروة السلمی عن أبی عبدالله(علیه السلام)قال: «إنّ الله یحشر الناس على نیّاتهم یوم القیامة»(7).

وما رواه أبو ذرّ عن رسول الله (صلى الله علیه وآله) فی وصیّة له قال یاأبا ذر: «لیکن لک فی کلّ شیء نیّة حتّى فی النوم والأکل»(8).

وثانیاً: ما مرّ فی الجواب عن الدلیل الثانی من قضیّة التخصیص بالأکثر کما لا یخفى.

فقد تلخّص من جمیع ذلک عدم تمامیّة جمیع الوجوه التی استدلّ بها للقول الثانی.

وأمّا القول الثالث: وهو ما ذهب إلیه المحقّق النائینی (رحمه الله) من عدم وجود أصل لفظی فی المقام فاستدلّ له بما حاصله «إنّ التقابل بین الإطلاق والتقیید تقابل العدم والملکة فیتصوّر الإطلاق فیما یتصوّر التقیید فیه، وحیث إنّ التقیید ممتنع هنا یکون الإطلاق أیضاً ممتنعاً، فیکون الحقّ حینئذ هو الإهمال وعدم الإطلاق مطلقاً، ووجه کون الإطلاق من قبیل عدم الملکة لا العدم المطلق أنّ الإطلاق وإن کان عدمیاً إلاّ أنّه موقوف على ورود الحکم على المقسم وتمامیّة مقدّمات الحکمة فالتقابل بینهما لا محالة یکون تقابل العدم والملکة، فإذا فرضنا فی مورد عدم ورود الحکم على المقسم فلا معنى للتمسّک بالاطلاق قطعاً، وما نحن فیه من هذا القبیل، فإنّ انقسام المتعلّق بما إذا أتى به بقصد الأمر وعدمه یتوقّف على ورود الأمر فإنّه من الانقسامات الثانویّة، فلیس قبل تعلّق الأمر وفی رتبة سابقة علیه مقسّم أصلا، فالحکم لم یرد على المقسّم بل صحّة التقسیم نشأت من قبل الحکم فلا معنى للتمسّک بالاطلاق»(9).

والجواب عنه: ظهر ممّا سبق حیث إنّا لم نقبل عدم إمکان أخذ قصد الأمر فی المتعلّق حتّى نلتزم بالإهمال بل قلنا بإمکانه من طرق ثلاثة: أخذ قصد الأمر فی الأمر الأوّل، وأخذه فی الأمر الثانی، وعدم انحصار التقرّب فی قصد الأمر.

هذا کلّه بالنسبة إلى الأصل اللّفظی.


1. بحار الأنوار: ج75، ص147، طبع بیروت.
2. سورة البیّنة: الآیة 5.
3. سورة البیّنة: الآیة 1.
4. سورة البیّنة: الآیة 6.
5. وسائل الشیعة: الباب 5 من أبواب مقدّمة العبادات، ح1.
6. نفس المصدر.
7. وسائل الشیعة: الباب 5 من أبواب مقدّمة العبادات، ح 5.
8. المصدر السابق: ح 8.
9. أجود التقریرات: ج1، ص112 ـ 113.

 

الأمر الثالث: فی إمکان أخذ قصد الأمر فی المأمور بهالأصل العملی فی المقام
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma