التنبیه الأوّل: فی الاضطرار إلى المحرّم

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوَار الاُصُول (الجزء الأول)
بقی هنا أمرانالتنبیه الثانی: فی آثار باب التزاحم

إذا اضطرّ الإنسان إلى ارتکاب الحرام کأن یضطرّ إلى غصب دار الغیر فتارةً یضطرّ إلیه لا بسوء الاختیار کالمحبوس فی دار مغصوبة، واُخرى یضطرّ إلیه بسوء الاختیار کمن دخل فی الدار المغصوبة باختیاره واضطرّ إلى الخروج للتخلّص من الحرام، فیقع الکلام فی مقامین: ما إذا اضطرّ إلى الحرام لا بسوء الاختیار وما إذا اضطرّ إلیه بسوء الاختیار.

أمّا المقام الأوّل: فذهب جماعة إلى صحّة صلاته ما لم تستلزم تصرّفاً زائداً فی الغصب مثل أن یأتی بها إیماءً، بل قال بعضهم أنّه یجب علیه إتیان الصّلاة على نفس الکیفیة التی کان علیها فی أوّل الدخول، فلو کان قائماً فقائماً ولو کان جالساً فجالساً بل لا یجوز له الانتقال إلى حالة اُخرى فی غیر الصّلاة أیضاً لما فیه من الحرکة التی هی تصرّف فی مال الغیر بغیر إذنه، ولکن لا یبعد کون ظاهر الفقهاء جواز صلاة المختار له کما استظهره صاحب الجواهر من کلماتهم، کما أنّه بعد نقل القول المزبور (أی وجوب إتیان الصّلاة على نفس الکیفیة الأوّلیّة) قال: «إنّه لم یتفطّن أنّه عامل هذا المظلوم المحبوس قهراً بأشدّ ما عامله الظالم بل حبسه حبساً ما حبسه أحد لأحد، اللهمّ إلاّ أن یکون فی یوم القیامة مثله ... إلى أن قال: «وقد صرّح بعض هؤلاء أنّه لیس له حرکة أجفان عیونه زائداً على ما یحتاج إلیه ولا حرکة یده أو بعض أعضائه کذلک بل ینبغی أن تخصّ الحاجة فی التی تتوقّف علیها حیاته ونحوها ممّا ترجح على حرمة التصرّف فی مال الغیر، وکلّ ذلک ناش من عدم التأمّل فی أوّل الأمر والأنفة عن الرجوع بعد ذلک، أعاذ الله الفقه من هذه الخرافات» (انتهى)(1).

وعلى کلّ حال، یرد علیه:

أوّلا: أنّه لا فرق بین حال القیام وحال القعود، أو حال السکون وحال الحرکة مثلا فی مقدار ما یشغله من الحیّز والمکان فلا یتحیّز الإنسان حال القیام مکاناً أکثر من ما یتحیّزه حال القعود إلاّ من ناحیة الطول والعرض، و إن شئت قلت: إنّ الانتقال من حال إلى حال فی المکان الغصبی لا یعدّ عرفاً تصرّفاً زائداً على أصل البقاء على الکون الأوّل.

ثانیاً: أنّ لازم هذا القول سقوط الصّلاة عن الوجوب بناءً على عدم وجوب الصّلاة على فاقد الطهورین لأنّه لا إشکال فی أنّ کلّ واحد من الوضوء والتیمّم یستلزم تصرّفاً زائداً بل تصرّفاً أزید من ما یستلزمه الرکوع أو السجود ولعلّه لم یقل به أحد من الفقهاء.

ومن هنا یظهر لزوم التأمّل فی صلاة المختار فی المکان المغصوب وفتوى الفقهاء بالبطلان فیه مع أنّها أیضاً لا تستلزم تصرّفاً زائداً على أصل الکون، وبعبارة اُخرى: إن لزمت الصّلاة تصرّفاً زائداً عند العرف وجب إتیانها إیماءً حتّى فی صلاة المحبوس، وإن لم تلزم تصرّفاً زائداً فلابدّ من الفتوى بجواز إتیان الصّلاة اختیاراً حتّى للمختار أیضاً بناءً على عدم کون الاستقرار على الأرض من شرائط الصّلاة أو أجزائها وکونه عبارة عن الأذکار والهیئات الخاصّة مع أنّهم أفتوا ببطلانها فتأمّل، وتمام الکلام فی الفقه.

أمّا المقام الثانی: فالبحث فیه یقع فی جهتین: الاُولى: فی حکم الخروج فی نفسه، والثانیّة: فی حکم الصّلاة حین الخروج.

أمّا الجهة الاُولى: ففیها خمسة أقوال:

القول الأوّل: أنّ الخروج واجب وحرام بأمر فعلی وبنهی فعلی، ذهب إلیه أبو هاشم، واختاره المحقّق القمّی(رحمه الله).

القول الثانی: أنّ الخروج واجب فعلا ولیس بحرام فعلا ولکن یجری فیه حکم المعصیة لأجل ما تعلّق به من النهی سابقاً الساقط فعلا، وذهب إلیه صاحب الفصول.

القول الثالث: أنّه لیس محکوماً شرعاً بحکم لا الوجوب ولا الحرمة ولکنّه واجب عقلا (لکونه أقلّ المحذورین، حیث إنّ التوقّف فی المکان المغصوب یستلزم تصرّفاً أکثر) ویجری علیه حکم المعصیة من باب النهی السابق الساقط.

وقد أسند المحقّق النائینی(رحمه الله) هذا القول إلى المحقّق الخراسانی(رحمه الله) مع أنّه یخالف ظاهر کلامه وإلیک نصّه: «الحقّ إنّه منهی عنه بالنهی السابق الساقط بحدوث الاضطرار ولا یکاد یکون مأموراً به» فإنّه صرّح بکون الخروج منهیاً عنه، وهذا ظاهر بل صریح فی کونه محکوماً بالحرمة شرعاً وفعلا لکن لا بالنهی الفعلی بل بالنهی السابق، أی یمکن أن تعدّ مقالة المحقّق الخراسانی(رحمه الله) وجهاً وقولا سادساً فی المسألة.

القول الرابع: أن یکون الخروج واجباً ولا یکون منهیّاً عنه، وهو مختار شیخنا الأعظم الأنصاری(رحمه الله).

القول الخامس: ما ذهب إلیه فی تهذیب الاُصول من أنّ الخروج حرام بالنهی الفعلی ولیس بواجب.

أمّا القول الأوّل: فبطلانه واضح بناءً على الامنتاع، لأنّه تکلیف بما لا یطاق، وأمّا بناءً على الجواز فکذلک لأنّ ما نحن فیه لیس من باب اجتماع الأمر والنهی لأنّ العنوان فیه واحد، وهو عنوان الغصب الذی تعلّق به الحرمة، وأمّا الخروج فإنّ وجوبه ـ لو سلّم ـ یکون من باب مقدّمیته للکون فی خارج المکان المغصوب، وقد مرّ فی مبحث مقدّمة الواجب أنّ الواجب هو ذات المقدّمة وهو التصرّف فی أرض الغیر بالخروج (فی ما نحن فیه) لا عنوانها.

أضف إلى ذلک عدم وجود مندوحة فی المقام، ومعه لا یمکن الزجر عن الغصب حین الخروج لأنّه تکلیف بما لا یطاق أیضاً، ومجرّد کون الاضطرار بسوء الاختیار لا یوجب جواز هذا التکلیف من جانب الشارع.

إن قلت: إنّ الاضطرار هنا مصداق للامتناع بالاختیار الذی لا ینافی الاختیار.

قلنا: أوّلا: إنّ قاعدة «الامتناع بالاختیار لا ینافی الاختیار» جاریة فی خصوص الأفعال الاختیاریّة للإنسان فی مبحث الجبر والاختیار فی جواب القائلین بالجبر حیث قالوا: أنّ الإنسان مجبور فی أفعاله لأنّها لا تخلو من أحد أمرین: فإمّا أن تکون علّتها التامّة فی الخارج متحققة، أولاً: فإن تحقّقت یجب تحقّق الفعل المعلول ویصیر الفعل واجب الوجود بالغیر، فإنّ الشیء ما لم یجب لم یوجد، وإذا وجب تحقّقه فلا معنى لکونه اختیاریّاً لأنّ الاختیار هو حالة «إن شاء فعل وإن لم یشأ لم یفعل»، أی حالة الإمکان والتسویة بین الفعل والترک لا الوجوب والضرورة، وإن لم تتحقّق العلّة التامّة فلا یتحقّق الفعل وجوباً وضرورة أیضاً، لأنّ الشیء ما لم تتحقّق علّته التامّة وما لم یصل إلى حدّ الوجوب لا یمکن تحقّقه فی الخارج، فالانسان دائماً إمّا مجبور على الفعل أو مجبور على الترک.

فإنّ القاعدة المزبورة تجری فی الجواب عن هذا الاستدلال ببیان أنّ حاجة المعلول فی تحقّقه فی الخارج إلى تحقّق علّته التامّة لا تنافی الاختیار، لأنّ الجزء الأخیر لها إنّما هو إرادة الإنسان، فبإرادته واختیاره الفعل أو الترک یجب الفعل أو الترک، فهذا الوجوب أو ذاک الامتناع یکون مقارناً للاختیار وبالاختیار، وهو لا ینافی الاختیار لإمکان ترکه بترک إرادته بخلاف، ما نحن فیه لأنّ المفروض إنّه مضطرّ إلیه فعلا ولا یمکن له ترکه.

ثانیاً: لو سلّمنا جریانها فی غیر المقام المزبور إلاّ أنّه لا یجری فی ما نحن فیه أیضاً، لأنّ النهی هنا لا یمکن صدوره من جانب الشارع لأجل زجر المکلّف بل إنّه یصدر لأجل العقاب فقط، لأنّ النهی لأجل الزجر مع وجود الأمر بالخروج عقلا أو شرعاً یستلزم التکلیف بما لا یطاق.

وإن شئت قلت: إنّ جریان القاعدة فی ما نحن فیه لا یوجب جریان النهی تکلیفاً وفعلا بل یوجب ترتّب العقاب فقط، وکم له فی الشرع من نظیر، کما إذا أراق المکلّف الماء بعد دخول الوقت فصار فاقداً للماء بسوء اختیاره فإنّ سوء الاختیار فیه یوجب تحقّق المعصیه وترتّب العقاب فقط ولا یوجب أن یکون أمر الشارع وبعثه إلى الوضوء فعلیّاً بعد.

ولذا قال جماعة من الأکابر: إنّ الامتناع بالاختیار لا ینافی الاختیار عقاباً لا خطاباً وتکلیفاً.

وأمّا القول الثانی: وهو ما ذهب إلیه صاحب الفصول من أنّ الخروج واجب فعلا مع جریان حکم المعصیة علیه للنهی السابق الساقط ـ فهو الحقّ المختار لو کان مراده من جریان حکم المعصیة وجود ملاک النهی فی المتعلّق فقط، وأمّا إذا کان المراد أن الخروج منهیّ عنه الآن بالنهی السابق، أی أنّه مشمول للنهی السابق ویکون زمان تعلّق النهی مقدّماً على زمان متعلّقه فمضافاً إلى عدم کونه معقولا کما سیأتی فی بیان القول الثالث، یرد علیه ما أفاده المحقّق النائینی(رحمه الله) من «أنّ تعلّق الحکمین بفعل واحد ممتنع ولو کان زمان الإیجاب مغایراً لزمان التحریم لأنّ الاعتبار فی الاستحالة والإمکان إنّما هو باتّحاد زمان صدور الفعل وتعدّده لا باتّحاد زمان الإیجاب والتحریم وتعدّده من حیث أنفسهما»(2).

أمّا القول الثالث: وهو خلو الفعل من أیّ حکم شرعی فعلی بل أنّه واجب عقلا من باب أقلّ المحذورین مع جریان العقاب لأجل النهی السابق الساقط فیحتمل أن یکون المقصود من جریان حکم النهی السابق فیه مجرّد ترتّب العقاب فقط من دون کون الفعل منهیّاً عنه الآن بالنهی، السابق وهذا هو مختار بعض الأعلام فی هامش أجود التقریرات وقد أسنده المحقّق النائینی(رحمه الله) إلى المحقّق الخراسانی(رحمه الله). ویحتمل أن یکون الفعل أیضاً منهیّاً عنه فعلا لکن لا بالنهی الفعلی بل بالنهی السابق کما هو ظاهر ما مرّ من کلام المحقّق الخراسانی(رحمه الله)، ولکن لا یخفى عدم کونه معقولا لأنّه بعد سقوط النهی السابق عن الفعلیّة لا یعقل کون متعلّقه منهیّاً عنه، فعلا فالصحیح فی هذا الوجه هو الاحتمال الأوّل.

وعلى أیّ حال: إنّ مرجع هذا القول إلى دعاو ثلاثه: نفی الحرمة فعلا لسقوط النهی فعلا بحدوث الاضطرار، ونفی الوجوب مقدّمة (أی أنّ توقّف التخلّص عن الحرام على الخروج وانحصاره فیه لا یجدی فی وجوبه من باب المقدّمیّة) لأنّه کان بسوء اختیاره، وجریان حکم المعصیة علیه لأنّه کان منهیاً عنه فی السابق وقد عصاه بسوء اختیاره فإنّه قبل الدخول فی الأرض المغصوبة کان مکلّفاً بترک الغصب بجمیع أنحائه من الدخول والخروج والبقاء جمیعاً، وقد عصى النهی بالنسبة إلى الخروج کما عصاه بالنسبة إلى الدخول فیستحقّ العقاب علیهما جمیعاً.

ولکن یرد علیه: أنّ وجوبه الفعلی الشرعی ثابت بقاعدة الملازمة بین حکم العقل والشرع حیث لا إشکال فی أنّ الخروج واجب عقلا من باب أقلّ المحذورین ورعایة قانون الأهمّ والمهمّ، فلیکن کذلک شرعاً، لأنّ کلّ ما حکم به العقل حکم به الشرع.

إن قلت: المستفاد من قوله تعالى: (فَمَنْ اضْطُرَّ غَیْرَ بَاغ وَلاَ عَاد ...) عدم کون المضطرّ عادیّاً ولا باغیاً، ولازمه اشتراط جواز الفعل المنهی عنه أو وجوبه بعدم کون الاضطرار بسوء الاختیار.

قلنا: غایة ما یستفاد من هذه الآیة اشتراط ترتّب العقاب بکونه باغیاً أو عادیّاً لا أکثر.

أمّا القول الرابع: وهو کون الخروج واجباً وعدم کونه حراماً فیمکن أن یستدلّ له بأنّ ما نحن فیه داخل فی کبرى قاعدة وجود ردّ المال المغصوب إلى مالکه من دون اتّصافه بالحرمة.

وفیه: أوّلا إنّه یمکن أن نلتزم بترتّب العقاب على ردّ المال المغصوب أیضاً وإن کان واجباً عقلا وشرعاً، وذلک من باب کونه بسوء الاختیار فیکون نظیر وجوب أکل المیتة للمضطرّ بسوء الاختیار حیث لا إشکال فی أنّه یعاقب على أکلها مع وجوبه.

وثانیاً: لقائل أن یقول: بعدم وجوب الخروج أیضاً (فیکون الجزء الأوّل من هذا القول ـ وهو وجوب الخروج ـ أیضاً غیر تامّ) لأنّه متوقّف على کونه مقدّمة للکون فی خارج الدار المغصوبة الذی یکون ضدّاً للکون فی داخلها وعلى أن یکون ترک أحد الضدّین مقدّمة للضدّ الآخر، (بیان الملازمة أنّه إذا کان الکون فی داخل الدار المغصوبة ضدّاً للکون فی خارجها کان ترکه مقدّمة له فیصیر واجباً من باب المقدّمیّة حیث إنّ المفروض أنّ الکون فی خارج الدار المغصوبة واجب) مع أنّه قد قرّر فی محلّه فی مبحث الضدّ، أنّ الضدّین مثلا متلازمان لا تقدّم لأحدهما على الآخر.

ولکن الإیراد الثانی غیر وارد لما مرّ فی مبحث الضدّ أیضاً أنّه ربّما یعدّ ترک أحد الضدّین مقدّمة للضدّ الآخر عند العرف والعقلاء مع عدم کونه مقدّمة له بالدقّة العقلیّة، وما نحن فیه من هذا القبیل، فیکون هذا القول بالنسبة إلى جزئه الأوّل ـ أی وجوب الخروج ـ تامّاً.

أمّا القول الخامس: وهو کون الخروج حراماً من دون أن یکون واجباً فاستدلّ لعدم وجوبه: بأنّه لم یدلّ دلیل على وجوب الخروج من الأرض المغصوبة أو على وجوب التخلّص عن الغصب أو وجوب ردّ المال إلى صاحبه أو ترک التصرّف فی مال الغیر بعناوینها بأن یکون کلّ واحد من هذه العناوین موضوعاً لحکم الوجوب، وما فی بعض الرّوایات «المغصوب کلّه مردود» لا یدلّ على وجوب الردّ بعنوانه بل لمّا کان الغصب حراماً یردّ المغصوب تخلّصاً عن الحرام عقلا، نعم لو قلنا أنّ النهی عن الشیء مقتض للأمر بضدّه العامّ وأنّ مقدّمة الواجب واجبة یمکن أن نقول بوجوب بعض العناوین المتقدّمة لأنّ التصرّف فی مال الغیر إذا کان حراماً یکون ترک التصرّف واجباً والخروج من الأرض المغصوبة مقدّمة لترکه لکنّه مبنی على مقدّمتین ممنوعتین، وأمّا کونه محرّماً بالفعل فاستدلّ له بما حاصله: أنّه کفاک له من الأدلّة ما دلّ على حرمة التصرّف فی مال الغیر بغیر إذنه والسرّ فی ذلک ما مرّ من أنّ الخطابات الکلّیة القانونیّة تفارق الخطابات الشخصیّة ملاکاً وخطاباً، لأنّ الخطاب القانونی لا ینحلّ بعدد المکلّفین حتّى یستهجن بالنسبة إلى الغافل والعاجز والمضطر والعاصی ونظائرهم بل انبعاث عدّة مختلفة من المکلّفین کاف فی جعل الحکم الفعلی على عنوانه العام بلا إستثناء وإنّما العقل یحکم بأنّ لذی العذر عذره (انتهى)(3).

أقول: یرد علیه:

أوّلا: ما مرّ فی الأبحاث السابقة من انحلال الأحکام القانونیّة الکلّیة إلى خطابات جزئیّة بعدد المکلّفین، وقد ذکرنا له شواهد مختلفة، منها صدور بعض الأحکام على نهج العام الاستقرائی، فإنّه یشهد على کون الخطاب حجّة على کلّ فرد فرد منهم، ولازمه انحلاله إلى خطابات عدیدة بعدد المکلّفین، ولا فرق بین العموم الاستغراقی وغیره من هذه الناحیة، وهل یمکن القول بالانحلال فی العموم الاستغراقی دون المطلق المستفاد منه العموم؟

ثانیاً: أنّ شمول الخطاب للمضطرّ مخالف لظاهر أدلّة إستثناء المضطرّ کقوله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَکُمْ مَا حَرَّمَ عَلَیْکُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَیْهِ)(4) وما ورد فی الخبر: «ما أمن شیء حرّمه الله إلاّ وقد أحلّه لمن اضطرّ إلیه» حیث إنّ ظاهرهما بل صریحهما أنّ المضطرّ استثنى من حکم التحریم، وأنّ الحرمة الفعلیّة لم تجعل بالنسبة إلیه لا أنّه معذور فقط.

فتلخّص من جمیع ما ذکرنا أنّ الصحیح هو القول الثانی وهو وجوب الخروج فعلا مع عدم حرمته فعلا ومع جریان حکم المعصیة علیه بالنهی السابق الساقط.

هذا کلّه فی المقام الأوّل.

وأمّا الجهة الثانی: وهو حال الصّلاة حین الخروج وبعبارة اُخرى: ثمرة بحث الخروج عن الأرض المغصوبة فقد ذکر المحقّق الخراسانی(رحمه الله) له صور أربعة:

الصورة الاُولى: ما إذا قلنا بجواز الاجتماع، وعلیه لا إشکال فی صحّة الصّلاة سواء کان الاضطرار بسوء الاختیار أو لم یکن.

الصورة الثانیّة: ما إذا قلنا بالامتناع وکان الاضطرار بغیر سوء الاختیار فلا إشکال أیضاً فی صحّة الصّلاة.

الصورة الثالثة: ما إذا قلنا بالامتناع وکان الدخول بسوء الاختیار وقلنا بوجوب الخروج من دون أن یکون حراماً (کما أنّه هو مختار شیخنا الأعظم الأنصاری (رحمه الله)) وعلیه لا إشکال أیضاً فی صحّة الصّلاة.

الصورة الرابعة: ما إذا قلنا بالامتناع وکان الدخول بسوء الاختیار وقلنا بأنّ الخروج منهی عنه کما یکون مأموراً به، ففی هذه الصورة لو قلنا بتقدیم جانب النهی فلا إشکال فی بطلان الصّلاة مطلقاً سواء کان فی ضیق الوقت أو فی سعته، وأمّا إذا قلنا بتقدیم جانب الأمر فالصحیح حینئذ التفصیل بین ما إذا کان فی ضیق الوقت فلا إشکال فی صحّة صلاته، وما إذا کان فی سعة الوقت فلا إشکال أیضاً فی صحّة صلاته مع عدم وجود المندوحة وأمّا مع وجود المندوحة وإمکان إتیان الصّلاة فی مکان آخر، فصحّة الصّلاة وعدمها مبنیّتان على اقتضاء الأمر بالشیء النهی عن ضدّه وعدمه حیث إنّ الأمر فی هذه الصورة (أی صورة وجود المندوحة) متعلّق بالصّلاة فی مکان آخر أی بسائر الأفراد منها لخلوّها عن المفسدة، ولا إشکال فی أنّ الصّلاة فی خارج الغصب من أضداد الصّلاة فی داخل الغصب (لوجود المضادّة والمعاندة بینهما فإنّه مع وجود أحدهما لا مجال للآخر) وحینئذ إن قلنا بعدم اقتضاء الأمر بالشیء النهی عن ضدّه تقع الصّلاة فی الدار المغصوبة صحیحة وإن قلنا بالاقتضاء تقع الصّلاة باطلة لأنّها حینئذ تصیر منهیّاً عنها وإن کان المفروض تقدیم جانب الأمر حیث إنّ المفروض هو تقدیم جانب الأمر على النهی الأصلی لا النهی التبعی المقدّمی.

أقول: ولکن مع ذلک کلّه یمکن المناقشة فی هذه الثمرة من جهتین:

الجهة الاُولى: أنّه إن کان المقصود من الصّلاة حین الخروج الصّلاة التامّة الأجزاء والشرائط من الرکوع والسجود والاستقرار ونحوها فلا إشکال فی عدم إمکان إتیانها مطلقاً، لأنّ المفروض إتیانها حین الخروج وفی ضیق الوقت لا فی سعة الوقت (لأنّ مع سعة الوقت ومع إمکان إتیانها فی خارج الدار المغصوبة تامّة للاجزاء والشرائط لا یجوز إتیان الصّلاة فی داخل الدار).

وإن کان المقصود من الصّلاة حین الخروج الصّلاة إیماءً فلا إشکال أیضاً فی أنّها حینئذ لا توجب تصرّفاً زائداً فی الغصب، ولذا لم یتعلّق بها النهی فتقع الصّلاة صحیحة مطلقاً سواء قلنا بالامتناع أو قلنا بالجواز، وسواء کان الاضطرار بسوء الاختیار أو بغیر سوء الاختیار، وحینئذ لا تختصّ صحّتها بحال دون حال وبصورة دون صورة من الصور الأربعة المزبورة.

الجهة الثانیّة: أنّ الغاصب قد یکون تائباً عن فعله وحینئذ إن قلنا بأنّ التوبة تزیل حکم المعصیة وتوجب رفع الحرمة کما هو الحقّ فی مثل ما نحن فیه فتقع صلاته صحیحة مطلقاً أیضاً من دون اختصاص الصحّة بصورة دون صورة حیث إنّ الحکم حینئذ هو الأمر بالصّلاة ولا نهی عنها حتّى یدخل المقام فی باب الاجتماع فیبحث عن الصحّة وعدمها على الامتناع والجواز.


1. راجع الجواهر: ج8، ص300.
2. أجود التقریرات: ج1، ص374 ـ 375.
3. تهذیب الاُصول: ج1، ص321 ـ 322، طبع مهر.
4. سورة الأنعام: الآیة 119.

 

بقی هنا أمرانالتنبیه الثانی: فی آثار باب التزاحم
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma