الکلام فی القضاء والقدر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوَار الاُصُول (الجزء الأول)
الثالث: فی معنى السعید سعید فی بطن اُمّه...المقام الثانی: فی صیغة الأمر

وحیث انتهى الکلام إلى مسألة الجبر والاختیار ینبغی أن نتکلّم بکلام موجز عن مسألة القضاء والقدر التی هی من أهمّ المسائل کتاباً وسنّة وعقلا لما بینهما من الصلة الوثیقة، وقد ورد الکلام فی القضاء والقدر فی الأخبار المأثورة عن أئمّتنا (علیهم السلام)(1).

ولا بدّ قبل بیان المختار فی أصل المسألة من تقدیم اُمور:

الأمر الأوّل: فی أنّه ما الفرق بین المسألتین: مسألة الجبر والاختیار ومسألة القضاء والقدر؟

تفترق مسألة القضاء والقدر عن مسألة الجبر والاختیار فی أمرین:

أحدهما: أنّ الاُولى أعمّ من الثانیّة من ناحیة سعة شمولها لأعمال العباد وغیرهم فإنّ القضاء والقدر جاریان فی جمیع الکائنات بخلاف مسألة الجبر والاختیار فإنّها مطروحة فی مجال أعمال الإنسان فقط.

ثانیهما: أنّ المسألة الاُولى بلحاظ انتساب الأفعال إلى الله تعالى والمسألة الثانیّة بلحاظ انتساب الأفعال إلى العباد أنفسهم کما لا یخفى. ولکن مع ذلک فإنّ بینهما قرابة شدیدة وربط وثیق وإنّ أدلّة المسألتین متقاربة جدّاً.

الأمر الثانی: أنّ القضاء والقدر فی لسان الفلاسفة یأتی على معنیین:

أحدهما: القضاء والقدر العلمیین، بمعنى أنّ القضاء عبارة عن العلم الإجمالی للباری تعالى بجمیع الموجودات وهو عین ذاته تعالى، وأمّا القدر فهو علمه التفصیلی بجمیع الموجودات وهو عین ذات الموجودات نفسها.

ثانیهما: القضاء والقدر العملیین التکوینیین، بمعنى أنّ القضاء هو خلق الصادر الأوّل الذی یتضمّن جمیع الموجودات واندرج فیه العالم بتمامه، والقدر عبارة عن إیجاد الموجودات المتکثّرة، ولا یخفى ما فیه من الإشکال فی المبانی.

الأمر الثالث: فی معنى القضاء والقدر فی اللّغة وفی لسان الآیات.

ففی مفردات الراغب: «القضاء فصل الأمر، قولا کان ذلک (مثل قول القاضی) أو فعلا (نحو قوله تعالى فقضاهنّ سبع سموات) وکلّ واحد منهما على وجهین: إلهی وبشری ... إلى أن قال فی مقام بیان الفرق بین القضاء والقدر: والقضاء من الله أخصّ من القدر لأنّه الفصل بعد التقدیر، فالقدر هو التقدیر والقضاء هو الفصل بعد التقدیر».

وأمّا المستفاد من موارد استعمالها فی القرآن فهو أنّ القضاء هو الحکم القطعی الإلزامی تکوینیاً کان أو تشریعیّاً، فالتکوینی منه نظیر ما جاء فی قوله تعالى: (إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا یَقُولُ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ)(2) والتشریعی ما جاء فی قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّکَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِیَّاهُ وَبِالْوَالِدَیْنِ إِحْسَاناً)(3)، وأمّا القدر فهو بمعنى تعیین المقدار إمّا تکویناً نحو قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَیْء إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَر مَعْلُوم)(4) ونحو قوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَر)(5)، أو تشریعاً نحو قوله تعالى: (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ)(6) الذی ورد فی تعیین وتحدید تکلیف المعسر والموسع فی متعة المطلّقات اللاتی لم یفرض لهنّ المهر.

والمختار فی المقام الذی یلائم المعنى اللغوی وظواهر الآیات والرّوایات هو أنّ القضاء والقدر على نحوین: تشریعی وتکوینی، والمراد من القضاء التشریعی هو مطلق الواجبات والمحرّمات التی أمر المکلّف بإتیانها أو نهى عن ارتکابها، ومن القدر التشریعی هو مقدار هذه الواجبات والمحرّمات وحدودها ومشخّصاتها، فمثلا أصل وجوب الصّلاة قضاء الله، ووجوب إتیانها سبع عشرة رکعات فی الأوقات الخمسة قدره، وهکذا بالنسبة إلى الزّکاة والصّیام والحجّ وسائر التکالیف، ومن أوضح الشواهد على هذا المعنى وأتقنها ما مرّ من بیان المولى أمیر المؤمنین (علیه السلام) حینما کان جالساً بالکوفة منصرفاً من صفّین وهو حدیث طویل یشتمل على فوائد جمّة، وقد ورد فی ذیله: «ثمّ تلا علیه: (وَقَضَى رَبُّکَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِیَّاهُ) ولا إشکال فی أنّ المراد من القضاء فی هذه الآیة إنّما هو القضاء التشریعی.

وأمّا المراد من القضاء والقدر التکوینیین فهو نفس قانون العلّیة وإنّ کلّ شیء یوجد فی عالم الوجود وکلّ حادث یتحقّق فی الخارج یحتاج إلى علّة فی أصل وجوده (وهو القضاء)، وفی تقدیره وتعیین خصوصّیاته (وهو القدر) فمثلا إذا انکسر زجاج بحجر فأصل الانکسار هو القضاء، أی عدم تحقّقه بدون العلّة، وأمّا مقدار الانکسار المناسب لقدر الحجر وشدّة الاصابة فهو القدر.

لا یقال: «لو کان الأمر کذلک أی کانت جمیع الکائنات محکومة لقانون العلّیة والقضاء والقدر التکوینیین لزم أن تکون أفعال العباد أیضاً محکومة لهذا القانون ویلزم منه الجبر» لأنّه قد مرّ سابقاً أنّ من قضاء الله التکوینی وقدره صدور أفعال العباد من محض اختیارهم وإرادتهم وأنّ الجزء الأخیر للعلّة التامّة فیها إنّما هو اختیار الإنسان الذی قضى الله علیه وقدره فی وجوده، ولذلک قلنا: أنّ إسناد الفعل إلى الإنسان حقیقی کما أنّ إسناده إلى الله تعالى فی نفس الوقت حقیقی أیضاً.

والشاهد على ذلک ما هو المعروف من روایة ابن نباتة قال: إنّ أمیر المؤمنین(علیه السلام) عدل من عند حائط مائل إلى حائط آخر فقیل له: یاأمیر المؤمنین، تفرّ من قضاء الله؟ قال: «أفرّ من قضاء الله إلى قدر الله عزّوجلّ»(7).

فإنّه على کلا تفسیریه شاهد لما قلناه، فإن کان المراد منه القضاء والقدر التکوینیین فمعناه أنّی أفرّ من قضاء الله التکوینی (وهو أصل سقوط الحائط المائل على الإنسان الموجب للجرح أو القتل) إلى قدره التکوینی وهو أنّ الحائط المائل یوجب قتل الإنسان أو جرحه فیما إذا لم یعمل الإنسان اختیاره ولم یفرّ منه بإرادته، فإنّ أصل إیجاب الحائط المائل بعد سقوطه قتل الإنسان من قضاء الله، ولکن هذا القضاء مقدّر ومشروط بعدم إعمال الإنسان اختیاره وإرادته وبعدم عدوله وفراره منه إلى مکان آخر.

وإن کان المراد منه القضاء التکوینی والقدر التشریعی فمعناه أنّ موت الإنسان بالحائط المائل وإن کان بقضاء الله وإرادته ولکنّه تعالى أمر الإنسان تشریعاً بالعدول والفرار، فکما أنّ موت الإنسان بالحائط من قضاء الله التکوینی یکون فرار الإنسان منه أیضاً من قدره التشریعی.

ولا یخفى أنّ الحدیث على کلا المعنیین أصدق شاهد على أنّ شمول قانون العلّیة لجمیع الأشیاء التی منها أفعال الإنسان الاختیاریّة لا ینافی اختیاره وإرادته.

إلى هنا تمّ الکلام فی المقام الأوّل من «الجهة الاُولى» من البحث فی معنى الأمر.


1. راجع بحار الأنوار: ج 5، فقد أورد فیه العلاّمة المجلسی (رحمه الله) روایات المسائل الثلاثة: مسألة الجبر والاختیار، ومسألة السعادة والشقاوة ومسألة القضاء والقدر.
2. سورة آل عمران: الآیة 47.
3. سورة الإسراء: الآیة 23.
4. سورة الحجر: الآیة 21.
5. سورة المؤمنون: الآیة 18.
6. سورة البقرة: الآیة 236.
7. بحار الأنوار: ج 5، ص 114، الطبع الحدیث لبیروت.

 

الثالث: فی معنى السعید سعید فی بطن اُمّه...المقام الثانی: فی صیغة الأمر
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma