ثمرة القول بوجوب المقدّمة الموصلة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوَار الاُصُول (الجزء الأول)
بقی هنا شیءأدلّة القول بوجوب المقدّمة

وقد ذکر لها عدّة ثمرات:

الثمرة الاُولى: ما عرفت فی المقدّمات المحرّمة کالدخول فی الأرض المغصوبة لانقاذ الغریق حیث إنّه إن قلنا بوجوب المقدّمة مطلقاً یصیر الدخول فیها مباحاً وإن لم یقصد به الانقاذ ولم یتحقّق بعده الانقاذ، وأمّا إن قلنا بوجوب خصوص المقدّمة الموصلة فلا یصیر الدخول مباحاً إلاّ فی صورة تحقّق الانقاذ خارجاً، نعم أنّه لا یعاقب على الدخول إذا قصد به الانقاذ ولم یقدر علیه لمانع کما مرّ آنفاً.

الثمرة الثانیّة: بطلان الوضوء (وسائر المقدّمات العبادیّة) فیما إذا أتى به ولم یأت بالصّلاة بعده بناءً على عدم کون الوضوء مطلوباً نفسیّاً واعتبار قصد الأمر فی العبادة، لأنّه إن قلنا بوجوب خصوص المقدّمة الموصلة فحیث إنّ هذا الوضوء لم یکن موصلا فلم یکن مأموراً به فوقع باطلا، بخلاف ما إذا کان الواجب مطلق المقدّمة (ویجری مثل هذا الکلام فی أمثال الوضوء کالغسل وغیره).

الثمرة الثالثة: ما ذکره کثیر من الأصحاب من أنّه بناءً على القول بوجوب المقدّمة مطلقاً تکون عبادة تارک الضدّ الواجب الأهمّ باطلة کصلاة تارک الإزالة بناءً على أن یکون ترک الضدّ مقدّمة لإتیان الضدّ الآخر، فیکون ترک الصّلاة واجباً لکونه مقدّمة للازالة الواجبة، فیکون فعلها حراماً لأنّ الأمر بالشیء یقتضی النهی عن ضدّه العامّ، والضدّ العامّ للترک الواجب هو الفعل، فتکون العبادة باطلة.

وأمّا بناءً على القول بوجوب المقدّمة الموصلة تقع الصّلاة صحیحة، لأنّ اشتغال المکلّف بالصّلاة فی صورة ترک الإزالة کاشف عن وجود صارف عن الإزالة وعن عدم إرادتها، فلم یکن ترک الصّلاة موصل إلى الإزالة لوجود هذا الصارف، فلم یکن واجباً، فلا یکون فعلها حراماً، ونتیجته صحّة الصّلاة.

ولکن أورد على هذه الثمرة شیخنا الأعظم الأنصاری (رحمه الله) (على ما فی تقریراته) بما لفظه: «إنّ الترک الخاصّ (یعنی به الترک الموصل) نقیضه رفع ذلک الترک وهو أعمّ من «الفعل» (مثل فعل الصّلاة) و «الترک المجرّد» لأنّ نقیض الأخصّ أعمّ مطلق کما قرّر فی محلّه فیکون الفعل لازماً لما هو من أفراد النقیض، وهذا یکفی فی إثبات الحرمة، وإلاّ لم یکن الفعل المطلق محرّماً فیما إذا کان الترک المطلق واجباً (أی بناءً على وجوب المقدّمة مطلقاً) لأنّ الفعل على ما عرفت لیس نقیضاً للترک لأنّه أمر وجودی ونقیض الترک إنّما هو رفعة (ترک الترک)، ورفع الترک إنّما هو یلازم الفعل مصداقاً ولیس عینه کما هو ظاهر عند التأمّل.

فکما أنّ هذه الملازمة تکفی فی إثبات الحرمة لمطلق الفعل فکذلک یکفی فی المقام (إلى أن قال) غایة الأمر أنّ ما هو النقیض فی مطلق الترک إنّما ینحصر مصداقه فی الفعل فقط، وأمّا النقیض للترک الخاصّ فله فردان وذلک لا یوجب فرقاً فیما نحن بصدده کما لا یخفى»(1) (انتهى).

وأجاب عنه المحقّق الخراسانی(رحمه الله): بأنّ فعل الصّلاة بناءً على القول بوجوب المقدّمة الموصلة لا یکون إلاّ مقارناً لما هو النقیض، وهو رفع الترک الموصل الذی یجامع مع الفعل تارةً ومع الترک المجرّد غیر الموصل اُخرى، ولا یکاد یسری حرمة الشیء إلى ما یلازمه فضلا عمّا یقارنه أحیاناً، نعم لا بدّ أن لا یکون الملازم محکوماً فعلا بحکم آخر على خلاف حکمه لا أن یکون محکوماً بحکمه، وهذا بخلاف فعل الصّلاة على القول بوجوب المقدّمة مطلقاً، لأنّه حینئذ بنفسه یعاند الترک المطلق وینافیه لا أن یکون ملازماً لترک الترک، فإنّ الفعل حینئذ وإن لم یکن عین الترک بحسب الاصطلاح مفهوماً لکنّه متّحد به عیناً وخارجاً فإن کان الترک واجباً فلا محالة یکون الفعل منهیاً عنه قطعاً.

أقول: الإنصاف أنّ الحقّ مع الشّیخ الأعظم (رحمه الله) حیث یقول: إنّ نقیض الترک الموصل له مصداقان: أحدهما: فعل الصّلاة، والآخر: الترک غیر الموصل، فیکون فعل الصّلاة من مصادیق النقیض لا من مقارناته لأنّه یکون من قبیل الصّوم الذی هو عبارة عن ترک المفطّرات مع قصد القربة، ولا إشکال فی أنّ لنقیضه مصداقین: أحدهما: الإفطار بأحد المفطّرات، وثانیهما: ترک المفطّرات بدون قصد القربة، فکلّ من الأمرین مصداق لترک الصّیام لا من مقارناته، ولذلک کلّ واحد منهما یوجب المعصیة ومخالفة أمر الصووم.

وإن شئت قلت: یرد نفس الإشکال على المحقّق الخراسانی(رحمه الله) أیضاً حیث إنّ فعل الصّلاة کما لا یکون نقیض الترک الموصل بل یکون من مقارناته أو لوازمه کذلک لا یکون نقیض الترک المطلق، حیث إنّ نقیض الترک إنّما هو ترک الترک لا الفعل کما صرّح به الشّیخ الأعظم(رحمه الله)أیضاً فی ذیل کلامه المزبور، فظهر إلى هنا أنّ إشکال الشّیخ الأعظم(رحمه الله) على الثمرة الثالثة تامّ فی محلّه.

ویرد إشکالان آخران على هذه الثمرة:

الإشکال الأوّل: أنّ قید الإیصال شرط الواجب لا الوجوب وحینئذ یجب تحصیله على أیّ حال: أی یکون ترک الصّلاة الموصل واجباً حتّى مع وجود الصارف عن الإزالة.

وبعبارة اُخرى: یجب على المکلّف أمران: ترک الصّلاة وإیصاله إلى الإزالة، ولا یوجب ترک أحدهما سقوط الآخر عن الوجوب، فلا یوجب ترک الإیصال إلى الإزالة سقوط المقدّمة، أی ترک الصّلاة عن الوجوب، کما أنّ ترک الصّلاة لا یوجب سقوط الوضوء عن الوجوب (فإنّه شرط للواجب لا الوجوب).

الإشکال الثانی: سلّمنا أنّ الصّلاة تقع صحیحة بناءً على القول بوجوب المقدّمة الموصلة ولکنّها تقع صحیحة بناءً على وجوب مطلق المقدّمة أیضاً، وذلک من طریق القول بالترتّب إذا قلنا بعدم دلالة الأمر بشیء على النهی عن ضدّه الخاصّ، اللهمّ إلاّ أن یقال أنّه خروج عن الفرض.

الجهة السادسة: فی ثمرة القول بوجوب المقدّمة

إن قلنا بأنّ المسألة اُصولیّة وأنّ البحث فیها فی ثبوت الملازمة بین وجوب المقدّمة ووجوب ذیها وعدمها فلا إشکال فی أنّ الثمرة حینئذ هی ثبوت الملازمة بین وجوب کلّ واجب ووجوب مقدّماته، وهی ثمرة لمسألة اُصولیّة تقع کبرى قیاس استنباط الأحکام الفرعیّة فیقال مثلا: الملازمة ثابتة بین وجوب المقدّمة ووجوب ذیها، والصّلاة واجبة فتجب جمیع مقدّماتها، وأمّا إن قلنا بأنّ المسألة قاعدة فقهیّة کما هو المختار ومقتضى ما عنونه المشهور (من أنّ المقدّمة واجبة أم لا؟) فتکون النتیجة وجوب کلّ مقدّمة وهو حکم کلّی فرعی یستنتج منه أحکام فرعیّة جزئیّة.

ولکن قد خالف فیه بعض وقال بأنّ هذه الثمرة لا أثر لها، أمّا أوّلا: فلأنّ هذا الوجوب ممّا لا أثر له حیث إنّه وجوب غیری لا یترتّب علیه ثواب ولا عقاب ولا یمکن التقرّب به.

وأمّا ثانیاً: فلما ذکره بعض الأعلام من أنّه لا إشکال فی اللابدّیة العقلیّة فی باب المقدّمة، ومعها یکون إیجاب آخر شرعی لغواً لا أثر له.

ولکن کلا الوجیهن غیر تامّ أمّا الأوّل: فلما مرّ من إمکان التقرّب بالواجب الغیری وأنّه یترتّب علیه أیضاً الثواب.

وأمّا الثانی: فلأنّه یرجع فی الحقیقة إلى عدم وجوب المقدّمة شرعاً مع أنّ النزاع فی ترتّب الثمرة وعدمه مبنی على وجوب المقدّمة کذلک.

هذا کلّه فی الثمرة الاُولى وهی اُمّ الثمرات.

ثمّ إنّه قد ذکروا لبحث مقدّمة الواجب ثمرات اُخرى:

الثمرة الاُولى: أنّه على القول بوجوب المقدّمة إذا نذر الإتیان بواجب شرعی فیحصل البرء من النذر بالإتیان بمقدّمة من مقدّمات الواجب، وعلى القول بعدمه لا یحصل البرء به.

ویرد علیه:

أوّلاً: أنّ هذا لیس ثمرة لمسألة اُصولیّة تقع کبرى لقیاس الاستنباط بل إنّه بحث موضوعی فی أنّه هل تکون المقدّمة من مصادیق عنوان الواجب الذی تعلّق به النذر أو لا؟ والمعروف أنّ البحث عن الموضوعات الخارجیّة لا یعدّ مسألة فقهیّة وإن کان لنا کلام فیه فی محلّه إجمالا.

وقد أورد علیه ثانیاً: بأنّ البرء وعدمه تابعان لقصد الناذر، ولکن یمکن الجواب عنه بأنّه ربّما یقصد الناذر ما یصدق علیه عنوان الواجب مهما کان، ولا إشکال فی أنّه حینئذ إن قلنا بوجوب المقدّمة یحصل البرء بإتیانها أیضاً وإلاّ فلا.

الثمرة الثانیّة: أنّه على القول بوجوب المقدّمة لا یجوز أخذ الاُجرة على المقدّمة لحرمة أخذ الاُجرة على الواجبات، بخلاف ما إذ لم نقل بوجوبها فیجوز أخذها علیها.

ویرد علیه أیضاً: أنّه لیس ثمرة اُصولیّة، فإنّ جواز أخذ الاُجرة على المقدّمة أو عدمه حکم جزئی یستنبط من کبرى فقهیّة، وهی عدم جواز أخذ الاُجرة على الواجبات.

واستشکل علیه أیضاً: بأنّ أخذ الاُجرة على الواجب لا بأس به، وتوضیح ذلک أنّ عمل الإنسان تارةً: یرجع نفعه إلى نفسه فحسب کما إذا أتى بواجب توصّلی لا نفع فیه للغیر، فلا إشکال فی عدم جواز أخذ الاُجرة علیه من الغیر لعدم الفائدة فیه للغیر، فیکون سفهیّاً وهو خارج عن محلّ البحث، واُخرى: یرجع نفعه إلى الغیر ولکنّه عمل عبادی کما إذا أتى بصلاة أو صوم للغیر، فیمکن أن یقال أیضاً بعدم جواز أخذ الاُجرة علیه من باب منافاته مع قصد القربة، وهذا أیضاً خارج عن محلّ الکلام، وثالثة: یکون العمل من التوصّلیات ویرجعه نفعه إلى الغیر أیضاً کتطهیر المسجد الذی یوجب سقوط وجوبه عن الغیر فإنّ هذا هو محلّ الکلام، فذهب المحقّق الخراسانی(رحمه الله) وکثیر من الأعلام إلى جواز أخذ الاُجرة علیه لعدم جریان إشکال السفاهة ولا إشکال قصد القربة فیه، وأمّا ثبوت عدم جوازه فی بعض الواجبات بل فی بعض المستحبّات فهو من باب أدلّة خاصّة تدلّ على لزوم إتیانه مجّاناً کما فی تجهیز المیّت أو الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر أو الأذان، وإلاّ لو لم تثبت المجّانیّة فلا إشکال فی جواز أخذ الاُجرة.

أقول: قد ذکرنا فی محلّه فی المکاسب المحرّمة عدم جواز أخذ الاُجرة حتّى فی مثل المقام، لأنّ ذلک ینافی الوجوب، لأنّ معنى وجوب شیء کونه وظیفة على العبد، ویوجد عند العرف والعقلاء نوع تضادّ بین أداء الوظیفة وأخذ الاُجرة، ویعدّ أخذ الاُجرة على إتیان الوظیفة باطلا عندهم، فیکون أکل المال به أکلا للمال بالباطل، وبذلک یصدق موضوع قوله تعالى: (لاَ تَأْکُلُوا أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ)بل لعلّ هذا هو دلیل من قال بالمجّانیّة وحرمة أخذ الاُجرة فی مثل تجهیز المیّت، وإلاّ لا یوجد دلیل لفظی خاصّ یدلّ علیها، وشرح هذا الکلام یطلب من محلّه من أبحاثنا فی المکاسب المحرّمة.

الثمرة الثالثة: حصول الفسق بترک الواجب النفسی مع مقدّماته الکثیرة على القول
بوجوبها وعدم حصوله على القول بعدمه، نعم هذا إذا کان ترک الواجب النفسىْ من الصغائر دون الکبائر وإلاّ لکان ترکه بنفسه موجباً للفسق.

واُجیب عنها بوجوه:

الوجه الأوّل: إنّه لا یترتّب العقاب على ترک المقدّمة حتّى یوجب تحقّق المعصیة، وإن قلنا بترتّب الثواب على فعلها کما مرّ فتأمّل.

الوجه الثانی: أنّ المعصیة تتحقّق بترک أوّل مقدّمة من المقدّمات ومعه لا یکون العاصی متمکّناً من إتیان ذی المقدّمة وحینئذ لا یکون ترک سائر المقدّمات بحرام حتّى یتحقّق به الاصرار على المعصیة الموجب لارتفاع العدالة وحصول الفسق.

ولکن یمکن الجواب عن هذا بأنّ التارک للمقدّمة الاُولى وإن کان تارکاً فی الواقع لخصوصها مباشرةً ولکنّه تارک أیضاً لذی المقدّمة بالتسبیب، والامتناع بالاختیار لا ینافی الاختیار.

اللهمّ إلاّ أن یقال: الاصرار على المعصیة عنوان عرفی لا یتحقّق إلاّ بترک واجبات مستقلّة لا واجبات مرتبطة بعضها ببعض ـ یحصل بها غرض واحد للمولى.

الثمرة الرابعة: لزوم اجتماع الأمر والنهی فی المقدّمات المحرّمة بناءً على وجوب المقدّمة، فعدم جواز إتیان المقدّمة حینئذ متوقّف على القول بإمتناع الاجتماع وترجیح جانب الحرمة بخلاف ما إذا قلنا بعدم وجوب المقدّمة.

ولکن یرد علیها: إنّها لیست ثمرة لمسألة اُصولیّة، لأنّ البحث عن أنّ المقدّمة هل هی مجمع لعنوانی الأمر والنهی أو لا، بحث عن موضوع لمسألة اُصولیّة، فهو من مبادىء مسائل علم الاُصول لا من نفسها ولا من المسائل الفقهیّة.

وقد أورد علیها أیضاً:

أوّلا: أنّ مقدّمة الواجب ومسألة اجتماع الأمر والنهی مختلفان موضوعاً، فإنّ موضوع مسألة الاجتماع هو ما له جهتان تقییدیتان یتعلّق الأمر بإحداهما والنهی بالاُخرى، وهذا بخلاف مقدّمة الواجب فإنّ عنوان المقدّمیّة لیس من الجهات التقییدیّة بل التعلیلیّة، لأنّ معروض الوجوب المقدّمی هو ذات المقدّمة، والمقدّمیّة علّة لعروض الوجوب على الذات، وعلیه فلا یتصوّر فی المقدّمة جهتان تقییدیتان حتّى یتعلّق الأمر بإحداهما والنهی بالاُخرى، نعم أنّها تندرج فی مسألة النهی عن العبادة إن کانت المقدّمة عبادة، وفی مسألة النهی عن المعاملة إن کانت معاملة.

ولکن یمکن الجواب عنه: بأنّ الحیثیات التعلیلیّة فی الأحکام العقلیّة ترجع فی الواقع إلى الحیثیات التقییدیّة، فإذا حکم العقل بوجوب المقدّمة شرعاً لأنّها مقدّمة کان الواجب حینئذ هو عنوان المقدّمة لا ذاتها.

وثانیاً: بأنّه لا یلزم اجتماع الوجوب والحرمة فی المقدّمة المحرّمة حتّى على القول بالوجوب، وذلک لأنّ المقدّمة إن کانت منحصرة فی الفرد المحرم منها کإنحصار المرکوب فی الدابّة المغصوبة مثلا فلا محالة تقع المزاحمة حینئذ بین وجوب ذی المقدّمة کالحجّ فی المثال وبین حرمة مقدّمته کالرکوب، فعلى تقدیر کون وجوب الحجّ أهمّ من حرمة مقدّمته لا تتّصف المقدّمة إلاّ بالوجوب، وعلى تقدیر کون حرمة المقدّمة أهمّ من وجوب الحجّ لا تتّصف المقدّمة إلاّ بالحرمة، فعلى التقدیرین لا یجتمع الوجوب والحرمة فی المقدّمة حتّى تندرج فی مسألة اجتماع الأمر والنهی (هذا مع قطع النظر عن المراد بالاستطاعة فی المثال).

وإن لم تکن المقدّمة منحصرة فی الفرد المحرّم فلا تتّصف المقدّمة المحرّمة بالوجوب حتّى یلزم الاجتماع لأنّ حرمتها تمنع عن سرایة الوجوب الغیری إلیها.

ویمکن الجواب عنه أیضاً: بأنّه تامّ بناءً على امتناع اجتماع الأمر والنهی وانحصار المقدّمة بالمحرّمة، وأمّا بناءً على القول بجواز الاجتماع وعدم سرایة النهی من متعلّقه إلى ما ینطبق علیه متعلّق الأمر فی صورة عدم الانحصار فلا موجب لتخصیص الوجوب حینئذ بخصوص المقدّمة المباحة، وذلک لأنّ لکلّ من دلیلی الأمر والنهی إطلاقاً یشمل المقدّمة المحرّمة أیضاً.

وثالثاً: بأنّه لو سلّمنا صغرویّة المقدّمة المحرّمة لمسألة الاجتماع إلاّ أنّه لا یترتّب علیها ثمرة عملیّة، وذلک لأنّ المقدّمة إمّا توصّلیة وإمّا تعبّدیّة، فعلى الأوّل یمکن التوصّل بالمقدّمة إلى ذی المقدّمة من دون فرق بین القول بجواز اجتماع الأمر والنهی وعدمه، ومن دون فرق بین القول بوجوب المقدّمة وعدمه، لأنّ التوصّل بها إلى ذی المقدّمة ذاتی وغیر مستند إلى الأمر بها فیحصل مطلقاً، وعلى الثانی (أی ما إذا کانت المقدّمة تعبّدیّة کما إذا کانت من الطهارات الثلاث) ففائدة المقدّمة ـ وهی التوصّل بها إلى ذیها ـ لا تترتّب علیها بناءً على امتناع الاجتماع من دون فرق بین وجوب المقدّمة وعدمه، وتترتّب علیها بناءً على جواز الاجتماع من دون فرق أیضاً بین وجوب المقدّمة وعدمه.

توضیح ذلک: إذا قلنا بجواز الاجتماع وکانت المقدّمة عبادیّة (وهی منحصرة حینئذ فی الطهارات الثلاث) کانت المقدّمة صحیحة یترتّب علیها ذوها، وهی الصّلاة، وإن لم نقل بوجوب المقدّمة لأنّ حسنها الذاتی فی الطهارات الثلاث یکفی فی صحّتها وعبادیتها فلا حاجة إلى تعلّق أمر مقدّمی بها، وأمّا إذا قلنا بإمتناع الاجتماع فتکون المقدّمة باطلة لا یترتّب علیها ذوها بلا فرق أیضاً بین وجوب المقدّمة وعدمه، لأنّها باطلة لوقوع المزاحمة بین الأمر والنهی، لأنّ المفروض هو امتناع الاجتماع وترجیح جانب النهی، هذا إذا کانت المقدّمة واجبة، وإلاّ کان البطلان أوضح.

أقول: یمکن الجواب عن هذا الإیراد أیضاً بأنّه لقائل أن یقول: بعدم الحسن الذاتی للطهارات الثلاث فیحتاج لعبادیتها حینئذ إلى قصد الأمر، فوجوب المقدّمة یوجب صحّة الطهارات الثلاث حتّى عند من أنکر حسنها الذاتی (بناءً على جواز اجتماع الأمر والنهی وکفایة الأمر المقدّمی فی قصد القربة).

الجهة السابعة: فی تأسیس الأصل فی المسألة

وفائدته تعیین من یجب علیه إقامة الدلیل ویکون قوله مخالفاً للأصل الأوّلی فی المقام، ومن لا یجب علیه إقامة الدلیل لکون قوله موافقاً للأصل، وهذا واضح لا غبار علیه.

لا إشکال فی أنّه لا معنى للأصل العملی فی ما نحن فیه إذا کانت المسألة اُصولیّة، أی کان المبحوث عنه فیها وجود الملازمة وعدمه بین وجوب المقدّمة شرعاً ووجوب ذیها، کما صرّح به المحقّق الخراسانی(رحمه الله)، وذلک لأنّ الملازمة ممّا لیست لها حالة سابقة عدمیّة کی تستصحب إلاّ على القول بالاستصحاب للعدم الأزلی.

وأمّا بناءً على کون المسألة فقهیّة أو قاعدة فقهیّة أی کون النزاع فی وجوب المقدّمة وعدمه، فمقتضى أصل الاستصحاب عدم وجوبها، لأنّ وجوب المقدّمة شرعاً لو قیل به أمر حادث مسبوق بالعدم، فإذا شکّ فیه یستصحب عدمه.

ولکن استشکل علیه فی المحاضرات: بأنّ موضوع الاستصحاب وإن کان تامّاً إلاّ أنّه لا أثر له بعد استقلال العقل بلزوم الإتیان بها لأجل لا بدّیة الإتیان بها على کلّ تقدیر(2).

أقول: یمکن الجواب عنه بأنّ المستصحب فی المقام إنّما هو الوجوب الشرعی أو عدمه، وهو نفسه أثر شرعی، ولیس المستصحب موضوعاً من الموضوعات حتّى لا یمکن استصحابه إلاّ إذا ترتّب علیه أثر شرعی، وبعبارة اُخرى: المفروض فی المقام حصول الشکّ فی وجوب المقدّمة بعد أن کان جعله معقولا وعدم کونه لغواً، فإذا فرضنا أنّ إیجاب المقدّمة شرعاً لا یکون لغواً مع وجود اللابدّیة العقلیّة وفرضنا حصول الشکّ فی إیجابها، فلا إشکال فی جواز استصحاب عدمه لأنّ الوجوب بنفسه أثر شرعی ولیس المستصحب موضوعاً حتّى یحتاج إلى أثر شرعی یترتّب علیه.

نعم إنّه مبنی على جریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة کما هو المشهور، وأمّا إذا قلنا بعدم جریانه فیها کما هو المختار فلا یجری الاستصحاب هنا.

هذا بالنسبة إلى أصل الاستصحاب.

وأمّا البراءة فقد یقال بعدم جریانها بکلا قسمیها: «أمّا العقلیّة فلأنّها واردة لنفی المؤاخذة والعقاب، والمفروض أنّه لا عقاب على ترک المقدّمة وإن قلنا بوجوبها، والعقاب إنّما هو على ترک الواجب النفسی فتدبّر، وأمّا الشرعیّة فبما إنّها وردت مورد الامتنان فیختصّ موردها بما إذا کانت فیه کلفة على المکلّف لیکون فی رفعها بها امتناناً، والمفروض أنّه لا کلفة فی وجوب المقدّمة حیث لا عقاب على ترکها»(3).

ولکن یمکن الجواب عنه بالنسبة إلى البراءة الشرعیّة بأنّ دلیلها لا ینحصر فی حدیث الرفع حتّى یحتاج فی جریانها إلى صدق الامتنان، بل هناک وجوه اُخرى تدلّ علیها کما تأتی فی محلّها فی مبحث البراءة فتأمّل.

إلى هنا تمّ الکلام عمّا أردنا إیراده من المقدّمات قبل الورود فی أصل البحث عن وجوب المقدّمة وعدمه.


1. مطارح الأنظار: ص78.
2. المحاضرات: ج2، ص435.
3. المصدر السابق: ج 2، ص 435.

 

بقی هنا شیءأدلّة القول بوجوب المقدّمة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma