الجهة الاُولى: فی حقیقة النهی ومدلول صیغته

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوَار الاُصُول (الجزء الأول)
فی دلالات صیغة النهیالجهة الثانیّة: دلاله النهی على التحریم

المعروف بین القدماء وکثیر من المتأخّرین أنّ مفاد النهی متّحد مع مفاد الأمر فی دلالة کلیهما على الطلب، إنّما الفرق فی متعلّقهما، فمتعلّق النهی هو الترک، ومتعلّق الأمر هو الفعل، وقد ذهب إلیه جماعة من المتأخّرین أیضاً منهم المحقّق النائینی (رحمه الله)، ولکن ذهب جماعة اُخرى من المحقّقین المعاصرین إلى العکس، فمتعلّق الأمر والنهی عندهم واحد وهو الفعل، ومدلولهما مختلف، فمدلول النهی هو الزجر عن الفعل، ومدلول الأمر هو البعث إلى الفعل، وهذا هو المختار، ومختار تهذیب الاُصول واختاره أیضاً بعض الأعلام فی المحاضرات وفی هامش أجود التقریرات.

ویمکن أن یستدلّ له:

أوّلا: بالتبادر فإنّ المتبادر من هیئة «لا تفعل» هو الزجر والمنع عن الفعل لا طلب ترکه.

وإن شئت قلت: النهی التشریعی کالنهی التکوینی فکما أنّ الناهی عن فعل تکویناً وخارجاً یمنع المنهی ویزجره عن الفعل بیده مثلا لا أنّه یطلب ترکه ـ کذلک الناهی تشریعاً.

ثانیاً: إنّ النواهی لا تصدر من جانب الناهی إلاّ لوجود مفاسد فی الأفعال المنهی عنهاکما أنّ الأوامر تصدر من جانب الآمر لأجل مصالح موجودة فی الأفعال المأمور بها، فالنهی عن شرب الخمر لا یکون إلاّ لأجل مفسدة فیه، کما أنّ الأمر بالصّلاة لا یکون إلاّ لأجل مصلحة موجودة فی الصّلاة، لا أنّ النهی عن شرب الخمر یکون لأجل مصلحة فی ترکه حتّى یکون النهی طلباً للترک، (والتعبیر بأنّ عدم المفسدة بنفسه مصلحة تعبیر تسامحی) کما أنّ الأمر بالصّلاة لا یکون لأجل مفسدة فی ترک الصّلاة.

واستدلّ فی تهذیب الاُصول بوجه ثالث وهو «أنّ العدم والترک من الاُمور الباطلة الوهمیة لا یمکن أن یکون ذا مصلحة تتعلّق به اشتیاق وإرادة أو بعث وتحریک، إذ البطلان المحض لا یترتّب علیه أثر حتّى یقع مورد التصدیق بالفائدة، وقد عرفت أنّ ما هو المشهور من أنّ للاعدام المضافة حظّاً من الوجود ممّا لا أصل له إذ الوجود لملکاتها لا لاعدامها»(1).

ولکن الإنصاف أنّه مجرّد دقّة عقلیّة، فإنّ العدم لو سلّمنا کونه بطلاناً محضاً بنظر فلسفی عقلی، إلاّ أنّ الکلام فی الأوامر والنواهی العرفیّة العقلائیّة، ولا یبعد أن یطلب مولى عرفی من عبده عدم شیء أو ینهاه عنه، کما أنّه کثیراً مّا یتّفق أنّ الطبیب یطلب من المریض ترک أکل غذاء خاصّ أو ترک شرب مائع خاصّ کالماء البارد.

ثمّ إنّه قد ظهر ممّا ذکرنا أنّ النهی من الإنشائیات لا الإخباریات حیث إنّه وضع لانشاء الزجر ولیس بمعنى «زجرت»، کما أنّ الأمر أیضاً وضع لانشاء البعث ولیس بمعنى «بعثت».

هذا ـ وقد وقع بین القائلین بأنّ معنى النهی طلب الترک نزاع معروف، وهو أنّه ما المراد من الترک؟ فهل هو عبارة عن «أن لا یفعل»، أو یکون بمعنى الکفّ ذهب المحقّق الخراسانی والمحقّق النائینی (رحمهما الله) إلى الأوّل، ویمکن أن یستدلّ له بوجهین:

الوجه الأوّل: أنّه هو المتبادر إلى الذهن.

الوجه الثانی: أنّ الترک أمر عدمی، وهو یحصل بمجرّد ترک الفعل، والتکلیف بالکفّ تکلیف بأمر وجودی زائد على مطلق الترک فیحتاج إلى مؤونة زائدة من الدلیل وهی مفقودة.

والقائلون بأنّ المراد من الترک هو الکفّ استدلّوا بأنّ مجرّد «أن لا یفعل» عدم خارج عن تحت القدرة والاختیار فلا یمکن أن یتعلّق به البعث والطلب، والشاهد على ذلک أزلیّة العدم بمعنى أنّه کان قبل أن یکون المکلّف موجوداً.

واُجیب عنه: بأنّه إذا کان وجود شیء تحت القدرة والاختیار کان عدمه أیضاً کذلک لاستحالة الانفکاک بین وجود شیء وعدمه من هذه الجهة، فإنّ الجبر فی جانب العدم یستلزم الجبر فی جانب الوجود وهذا خلف، وأمّا کون العدم خارجاً عن تحت الاختیار من الأزل فهو لا ینافی اختیاریته من حیث البقاء والاستمرار.

نعم بقی هنا شیء وهو أنّه من البعید جدّاً أن یکون مراد القائلین بالکفّ الکفّ الفعلی فإنّه یستلزم حصول وسوسة وتزلزل نفسانی بالنسبه إلى إتیان العمل المنهی عنه حتّى یتحقّق کفّ النفس عنه خارجاً، مع أنّه ممّا لا یتفوّه به أحد، بل المراد منه الکفّ التقدیری وبالقوّة، ولا إشکال فی أنّه یرجع حینئذ إلى المعنى الأوّل للترک أعنی «أن لا یفعل» فیصیر النزاع لفظیّاً.

وهیهنا نکتة اُخرى: أنّ هذا البحث یجری بعینه أیضاً بالنسبة إلى المذهب المختار، أی کون النهی بمعنى الزجر عن الفعل حیث إنّه لا بدّ من أن یبحث فی أنّه هل المراد من الزجر الزجر بالفعل أو الزجر التقدیری وبالقوّة، لا إشکال فی أنّ المراد منه أیضاً هو الزجر بالقوّة، لأنّه لا معنى للزجر الفعلی بالنسبة إلى من یکون منزجراً بنفسه.

ثمّ إنّ هیهنا بحثاً آخر معروفاً، وهو أنّه کیف یدلّ النهی على وجوب ترک جمیع الأفراد العرضیّة مع کفایة تحقّق صرف الوجود للامتثال فی الأمر؟ فما هو منشأ هذا الفرق؟

ذهب المحقّق الخراسانی(رحمه الله) وکثیر من المتقدّمین إلى أنّه حکم العقل بلحاظ خصوصیّة فی الأمر الوجودی والأمر العدمی، وإلیک نصّ کلام المحقّق الخراسانی(رحمه الله): «ثمّ إنّه لا دلالة لصیغته (صیغة النهی) على الدوام والتکرار کما لا دلالة لصیغة الأمر وإن کان قضیّتهما عقلا تختلف ... (إلى أن قال) ضرورة أنّ وجودها یکون بوجود فرد واحد وعدمها لا یکاد یکون إلاّ بعدم الجمیع» (انتهى).

لکن الإنصاف أنّه فی غیر محلّه، لأنّ الوجود والعدم متقابلان تقابل النقیضین وأنّ أحدهما بدیل للآخر ولازمه، أن یحصل العدم بفرد واحد کما یحصل الوجود بفرد واحد.

وبعبارة اُخرى: کما أنّ وجود الطبیعی یکون بوجود أفراده فیتعدّد وجوده بتعدّد أفراده، کذلک عدم الطبیعی ینعدم بتعداد اعدام أفراده، فإنّ العدم یتصوّر بتعداد وجودات الأفراد ویکون بإزاء کلّ وجود عدم خاصّ.

فالصحیح أن یقال: إنّ المنشأ لهذا التفاوت یتلخّص فی أمرین:

الأمر الأوّل: اختلاف طبیعة المصلحة وطبیعة المفسدة اللتین هما الغایتان الأصلیتان فی البعث والزجر، فإنّ المصلحة بمقتضى طبیعتها وذاتها تحصل بصرف الوجود، أی تحصل الغایة منها بصرف الوجود، من دون فرق بین الاُمور الشرعیّة والاُمور العرفیّة، وأمّا المفسدة فلا یکفی فیها صرف الترک حیث إنّها موجودة فی کلّ فرد فرد من أفراد الطبیعة المنهی عنها، وبالطبع تحصل الغایة من النهی بترک جمیع الأفراد کالمفسدة الموجودة فی السمّ حیث إنّ الغایة فی النهی عن شربه إنّما هو حفظ النفس وهو متوقّف على ترک جمیع الأفراد کما لا یخفى، وحیث إنّ هذه الخصوصیّة هی الغالبیّة فی المصالح والمفاسد حصل من جانبها انصراف فی الأوامر والنواهی، فإنصرف الأمر إلى فرد واحد وانصرف النهی إلى جمیع الأفراد.

الأمر الثانی: أنّ المفاسد فی النواهی تتصوّر على ثلاثة أقسام: ففی قسم منها ـ وهو الغالب ـ یکون صرف العدم من المفسدة حاصلا فیکون النهی عنها (لتحقّق صرف العدم منها) تحصیلا للحاصل، ویصیر هذا قرینة على تعلّق النهی بجمیع الأفراد على نهج العام الافرادی، نظیر ما إذا نذر الإنسان أن یترک التدخین إلى آخر عمره، فإنّ لکلّ فرد من المنهی عنه فیه مفسدة على حدة، فإذا حصل الحنث بالنسبة إلى بعض الأفراد لا یسقط التکلیف بالترک بالنسبة إلى سائر الأفراد.

وفی قسم آخر منها تکون المفسدة قائمة بصرف الوجود من المنهی نظیر ما إذا نذر أن یترک صرف الوجود من التدخین، فیحصل الحنث حینئذ بصرف الوجود منه ولا إلزام علیه بالإضافة إلى سائر الأفراد.

وفی قسم ثالث منها تکون المفسدة قائمة بالمجموع من حیث المجموع کالمادّة السمّیة التی تحصل مفسدتها ـ وهی هلاک النفس ـ فیما إذا تناول مجموعها وهو نظیر ما إذا نذر أن یترک التدخین على نهج العام المجموعی فیحصل الحنث حینئذ بتدخین المجموع فقط ولا مانع فی تدخین بعضها.

إذا عرفت هذا فنقول: حیث إنّ الغالب فی النواهی إنّما هو القسم الأوّل بل لا مصداق للقسمین الآخرین إلاّ أحیاناً وفی بعض الموارد، فلابدّ فیهما من نصب قرینة تصیر منشأً لانصراف النواهی عن القسم الأوّل، وقرینة عامّة لعدم کفایة صرف العدم، على عکس ما فی الأوامر فحیث إنّ إتیان جمیع الأفراد فیها مستحیل عادةً صار ذلک قرینة على کفایة صرف الوجود، فتدبّر جیّداً.

ثمّ إنّه قد أورد على الوجه الأوّل (وهو أنّ المصلحة تترتّب غالباً على صرف الوجود فتکون تلک الغلبه کاشفاً عن تعلّق المصلحة بصرف الوجود المتحقّق بإیجاد فرد، کما أنّ المفسدة فی النهی تترتّب على کلّ فرد فتکون قرینة عامّة على أنّ النهی متعلّق بإیجاد کلّ فرد باستقلاله) بأنّه إن أراد من تعلّق النهی بکلّ فرد أنّ المادّة أخذت مرآة للخصوصّیات والزجر تعلّق بکلّ فرد فقد عرفت امتناع مرآتیتها لها وضعف ما یتمسّک لإثباتها من سریان الطبیعة واتّحادها معها، وإن أراد أنّ النهی متعلّق بالطبیعة إلاّ أنّ تلک الغلبة قرینة على أنّ جدّ المولى هو الزجر عن کلّ فرد.

ففیه: أنّ الزجر مفاد النهی الاستعمالی، فإذا استعملت الهیئة فی نفس الطبیعة دون الأفراد فلا یرجع کون الزجر عن الأفراد جدّاً إلى محصّل إلاّ أن یرجع إلى التشبّث بالاستعمال المجازی وهو کما ترى(2).

أقول: قد مرّ أنّ الطبیعة تکون مرآة للافراد فی جمیع الحالات، وتوضیحه:إنّا حینما فتحنا أعیننا رأینا الأفراد وتصوّرناها قبل تصوّر الطبیعة، ثمّ نظرنا ولاحظنا أنّ الأفراد تختلف بالنسبة إلى الاغراض التی تتعلّق بها، فتارةً: یتعلّق الغرض بفرد خاصّ مع الخصوصیّة الفردیّة فوضعنا اللفظ بإزائه علماً شخصیّاً، واُخرى: یتعلّق الغرض بجمیع الأفراد لا بفرد خاصّ فلا دخل فیه للخصوصّیات الفردیّة فإنتزعنا من جمیع المصادیق جامعاً عقلیّاً ووضعنا اللفظ بإزائه وسمّیناه بالطبیعة، وحینئذ تکون الطبیعة متولّدة من مشاهدة الأفراد وملاحظتها، بل إنّ هذا هو الطریق الوحید فی إدراک المفاهیم أیضاً، ولا إشکال فی أنّ لازم هذا أن تکون الطبیعة مرآة إلى الوجودات الفردیّة الخارجیّة وإن لم تکن مرآة لخصوصّیاتها الشخصیّة.


1. تهذیب الاُصول: ج1، ص372، طبع جماعة المدرّسین.
2. تهذیب الاُصول: ج1، ص296 ـ 297، طبع مهر.

 

فی دلالات صیغة النهیالجهة الثانیّة: دلاله النهی على التحریم
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma