والحقّ أنّه لا إشکال فی کون إتیان المأمور به فیها مجزیاً عنها، والدلیل علیه هو العقل لأنّ الامتثال بعد الامتثال مع حصول الغرض تحصیل للحاصل.
ولکن قد خالف فیه أبو هاشم وعبدالجبّار من قدماء المتکلّمین من أهل السنّة فقالا: بأنّه یمکن القول بعدم الإجزاء فیها، ومنشأ خطأهما وجود بعض الأمثلة فی الفقه قد أمر فیها بإتمام العمل مع الأمر بإعادته کالحجّ الفاسد الذی أمر الشارع بإتمام مناسکه مع إیجابه الإعادة فی السنة القابلة.
والمسألة عندنا لا إشکال فیها ولا غبار علیها لما مرّ من حکم العقل بالإجزاء وأمّا ما أشار إلیه من مثال الحجّ ونحوه فالمستفاد من جملة من الرّوایات الواردة عن طریق أئمّة أهل البیت(علیهم السلام) أنّها لیست من قبیل الامتثال بعد الامتثال بالنسبة إلى أمر واحد، بل هناک أمران یطلب کلّ واحد منهما من المکلّف امتثالا یخصّ به، ومن جملتها ما رواه زرارة قال: سألته عن مُحرم غشى امرأته وهی محرمة قال: «جاهلین أو عالمین؟» قلت: أجبنی فی (عن) الوجهین جمیعاً، قال(علیه السلام): «إن کانا جاهلین استغفرا ربّهما ومضیا على حجّهما ولیس علیهما شیء، وإن کانا عالمین فرّق بینهما من المکان الذی أحدثا فیه وعلیهما بدنة وعلیهما الحجّ من قابل، فإن بلغا المکان الذی أحدثا فیه فرّق بینهما حتّى یقضیا نسکهما ویرجعا إلى المکان الذی أصابا فیه ما أصابا» قلت: فأی الحجّتین لهما قال: «الاُولى التی أحدثا فیها ما أحدثا، والاُخرى علیهما عقوبة»(1).
حیث إنّ هذه الرّوایة تدلّ على وجود أمرین فی المسألة یکون لکلّ واحد منهما امتثال على حدّه، أمر واقعی أوّلی وأمر واقعی ثانوی، فلا تکون من باب الامتثال بعد الامتثال بالنسبة إلى أمر واحد حتّى یستفاد منها عدم إجزاء الإتیان بالمأمور به عن الأمر الأوّل.