الوجه الرابع: برهان الإرادة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوَار الاُصُول (الجزء الأول)
الوجه الثالث: برهان العلّیةالمختار فی حلّ مشکلة الإرادة على مذهب الاختیار

(الذی أدرجه بعض فی برهان العلّیة ولکن ینبغی إفراده عنه لما فیه من خصوصیّة التبیین) وهو عبارة عن «أنّ اختیاریّة العمل إنّما تکون بالإرادة، فننقل الکلام إلى الإرادة ونقول: هل الإرادة أیضاً إرادیّة واختیاریّة، أو لا؟ فإن لم تکن إرادیّة لزم، کون الفعل الذی ینتهی إلیها غیر ارادی أیضاً، وإن کانت إرادیّة فلابدّ أن تکون تلک بإرادة اُخرى، ثمّ ننقل الکلام إلى تلک الإرادة، فإن کانت إرادیّة فیلزم التسلسل وإلاّ لزم الجبر، فیدور الأمر بین قبول التسلسل وقبول مذهب الجبر، وحیث إنّ الأوّل باطل فیتعیّن الثانی.

وهذا هو من أهمّ أدلّتهم، وهو الذی بالغ فیه أمام المشکّکین حتّى توهّم أنّه لو اجتمع الثقلان لم یأتوا بجوابه.

ولکن اُجیب عنه بوجوه عدیدة:

الوجه الأوّل: ما أجاب عنه المحقّق الخراسانی(رحمه الله) وحاصله: أنّ الثواب والعقاب یترتّبان على الإطاعة والمعصیة، وهما تنشئان من الإرادة، والإرادة أیضاً تنشأ من مقدّماتها الناشئة من الشقاوة والسعادة الذاتیتین، والذاتی لا یعلّل، والسعید سعید فی بطن اُمّه والشقی شقی فی بطن اُمّه والناس معادن کمعادن الذهب والفضّة کما فی الخبر.

وقد نقل عنه (رحمه الله) أنّه عدل عن هذه المقالة بعد ذلک.

وکیف کان، یرد علیه:

أوّلا: أنّ کلامه هذا یوجب إرادیّة الفعل فی مقام التسمیة فحسب لا الواقع، وهو لا یوافق مذهب الاختیار والأمر بین الأمرین حقیقة کما هو ظاهر.

ثانیاً: إذا کانت الشقاوة ذاتیّة وتکون هی المنشأ الأصلی للعصیان فکیف یؤاخذ الله العاصی بما هو ذاتی له؟ فهل هو إلاّ ظلم فاحش (تعالى الله عنه علوّاً کبیراً)؟

وأمّا ما استشهد به من الرّوایتین فالحقّ أنّ الثانی منهما (وهو قوله (صلى الله علیه وآله)الناس معادن کمعادن الذهب والفضّة) على خلاف مقصوده أدلّ، لأنّه یقول: أنّ جمیع الناس معادن کمعادن الذهب والفضّة، فهم على تفاوتهم واختلاف درجاتهم (کتفاوت درجات معادن الذهب والفضّة) حسن السریرة بحسب ذواتهم وسعداء بحسب فطرتهم الأوّلیّة فلا شقاوة ذاتیّة لهم.

الأوّل: منهما وهو قوله (صلى الله علیه وآله): «السعید سعید فی بطن اُمّه والشقی شقی فی بطن اُمّه» فقد فسّر بتفسیرین:

أحدهما: أنّ الله تبارک وتعالى یعلم أنّ المولود الفلانی یصیر سعیداً أو شقیّاً. (کما فی الخبر).

وثانیهما: حمله على المقتضیات الذاتیّة، فیکون المراد منه أنّ بعض الناس أقرب إلى السعادة بحسب اقتضائه الذاتی واستعداده الفطری، وبعض آخر أقرب إلى الشقاوة کذلک من دون أن یکون هذا القرب أو البعد علّة تامّة للطاعة أو العصیان، بل الجزء الأخیر هو إرادة واختیار الإنسان نفسه.

إن قلت: هذا وإن کان یرفع الجبر ولکن ألیس هو تبعیض قبیح عند العقل؟

قلنا: أنّه کذلک إذا کانت مجازاتهما بنسبة واحدة، مع أنّه لیس کذلک، لأنّ کلّ إنسان یجازى على عمله بملاحظة الشرائط والمساعدات الذاتیّة والعائلیة والوراثیّة والاجتماعیّة، فیکون المیزان فی الثواب والعقاب نسبة العمل مع مقدار الإمکانات والعلم والاستعداد، فمن کانت قدرته ومکنته أکثر، ینتظر منه سعی أکثر وعمل أوفر، ومن هذا الباب یقال حسنات الأبرار سیّئات المقرّبین، وقوله تعالى لنساء النبی (صلى الله علیه وآله): (یَا نِسَاءَ النَّبِىِّ مَنْ یَأْتِ مِنْکُنَّ بِفَاحِشَة مُبَیِّنَة یُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَیْنِ ...)(1) وقوله تعالى للحواریین بعد طلبهم نزول المائدة من السماء: (إِنِّی مُنَزِّلُهَا عَلَیْکُمْ فَمَنْ یَکْفُرْ بَعْدُ مِنْکُمْ فَإِنِّی أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِینَ)(2).

الوجه الثانی: ما مرّ من المحقّق النائینی (رحمه الله) فی البحث عن اتّحاد الطلب والإرادة (واستحسنه بعض أعاظم تلامذته فی هامش تقریراته وزاده توضیحاً ومثالاً وقال: ما أفاد شیخنا الاُستاذ هو محض الحقّ الذی لا ریب فیه) وقد وعدنا أن نجیب عن ما یرتبط من کلامه بمبحث الجبر والاختیار فی هذا المقام.

فنقول: کان کلامه ذاک مرکّباً من خمس مقدّمات:

الاُولى: إنّ الإرادة عبارة عن الشوق المؤکّد، ولکن هناک أمر آخر متوسّط بین الإرادة وحرکة العضلات یسمّى بالطلب، وهو عبارة عن نفس الاختیار وتأثیر النفس فی الحرکة.

الثانیّة: إنّ النفس مؤثّرة بنفسها فی حرکات العضلات من غیر سبب خارجی وواسطة فی البین.

الثالثة: إنّ قاعدة «الشیء ما لم یجب لم یوجد» مختصّة بالأفعال غیر الاختیاریّة.

الرابعة: إنّ الاحتیاج إلى المرجّح فی وجود الفعل من ناحیة فاعله (وهو النفس) إنّما هو من جهة خروج الفعل عن العبثیة وإلاّ فیمکن للإنسان إیجاد ما هو منافر لطبعه فضلا عن إیجاد ما لا یشتاقّه لعدم فائدة فیه.

الخامسة: إنّ المرجّح المخرج للفعل عن العبثیة هی الفائدة الموجودة فی نوعه، دون شخصه بداهة أنّ الهارب والجائع یختار أحد الطریقین وأحد القرصین مع عدم وجود مرجّح فی واحد بالخصوص، ویعلم من ذلک عدم وجود أمر إلزامی إجباری یوجب صدور الفعل حتّى یهدم أساس الاختیار، وأمّا الاختیار فهو فعل النفس وهی بذاتها تؤثّر فی وجوده، والمرجّحات التی تلاحظها النفس إنّما هی لخروج الفعل عن کونه عبثاً لا أنّها موجبة للاختیار.

أقول: یرد على الاُولى: مناقشة لفظیّة وهی أنّ الإرادة عند المشهور لیست عبارة عن مجرّد الشوق المؤکّد فحسب بل إنّما هی الشوق المؤکّد المحرّک للعضلات.

وعلى الثانیّة: أنّ کون النفس علّة تامّة للفعل أو الترک ینافی تسویتها بالنسبة إلى کلّ من الفعل والترک وأنّها إن شاءت فعلت وإن شاءت ترکت، أی ینافی حالة اختیارها، لأنّ کونها علّة تامّة للفعل أو الترک یستلزم دوران الأمر بین الوجوب والامتناع بمقتضى قاعدة «الشیء ما لم یجب لم یوجد»، وإنکاره جریان هذه القاعدة فی الأفعال الاختیاریّة (وهی المقدّمة الثالثة) یساوق إنکار قانون العلّیة والتسلیم بالصدفة کما لا یخفى.

وعلى الرابعة والخامسة: أنّ کفایة المرجّح النوعی إنّما هی فی رفع العبثیة، وأمّا إذا کان المرجّح مؤثّراً فی تکوّن العلّة التامّة وتحقّقها فلا یکفی بل لا بدّ من المرجّح الشخصی، لأنّ المرجّح النوعی قد تکون نسبته إلى الفعل والترک على السواء، نعم إنّ کلامه صحیح بناءً على مبناه من عدم جریان قاعدة «الشیء ما لم یجب لم یوجد» فی الأفعال الاختیاریّة.

وأمّا مثال الهارب والعطشان فإنّا ننکر عدم وجود مرجّح شخصی فیهما بل ندّعی وجود مرجّح خاصّ فیهما قطعاً کقرب أحد الإنائین أو سبق النظر إلى أحدهما من الآخر، وإلاّ لو لم یلتفت إلى مرجّح خاصّ لتوقّف فی المشی أو الشرب، ولکن هذا مجرّد فرض، فتلخّص أنّ حلّ مشکلة الإرادة من هذا الطریق غیر ممکن وإن کان بعض ما ذکره من المقدّمات صحیح، وعمدة ما یرد علیه هو ما ذکره فی إستثناء الأفعال الاختیاریّة من قاعدة: الشیء ما لم یجب لم یوجد، فإنّه مساوق لانکار قانون العلّیة کما لا یخفى.

الوجه الثالث: ما أفاده المحقّق العراقی(رحمه الله) فی المقام وإلیک نصّ کلامه: «إنّ عوارض الشیء على أقسام ثلاثة:

أحدها: ما یعرض على الشیء ولیس بلازم لوجوده ولا لماهیته کالبیاض للجسم مثلا.

ثانیها: ما یعرض الشیء ویکون لازماً لماهیته (کزوجیّة الأربعة).

ثالثها: ما یعرض الشیء ویکون لازماً لوجوده کالحرارة للنار، أمّا القسم الأوّل فلا ریب فی أنّ جعل المعروض (بمعنى إیجاده) لا یستلزم جعل عارضه، بل یحتاج العارض إلى جعل مستقلّ، وأمّا القسمان الأخیران فما هو قابل لتعلّق الجعل به هو المعروض وهو المجعول بالذات، وأمّا لازم کلّ من القسمین المذکورین فیحقّق قهراً بجعل نفس ملزومه ومعروضه بلا حاجة إلى جعل مستقلّ، فإرادة المعروض تکفی فی تحقّقه عن تعلّق إرادة أزلیّة اُخرى به.

ثمّ قال: إذا عرفت ذلک: فاعلم أنّ أوصاف الإنسان على قسمین:

أحدهما: إنّه یکون من عوارض وجوده ولیس بلازم لوجوده أو ماهیته کالعلم والضحک ونحوهما، وقد عرفت أنّ هذا النحو من العوارض یحتاج إلى جعل مستقلّ یتعلّق به.

ثانیهما: أنّ یکون الوصف من لوازم وجوده کصفة الاختیار للإنسان، فإنّه من لوازم وجوده ولو فی بعض مراتبه، وقد عرفت أنّ هذا النحو من الأوصاف لا یحتاج فی تحقّقه إلى جعل مستقلّ غیر جعل معروضه، فالانسان ولو فی بعض مراتب وجوده مقهور بالاتّصاف بصفة الاختیار، ویکفی فی تحقّق صفة الاختیار للإنسان تعلّق الإرادة الأزلیّة بوجود نفس الإنسان.

ثمّ قال: لا ریب فی أنّ کلّ فعل صادر من الإنسان بإرادته، له مبادىء کعلم بفائدته وکشوق إلیه وقدرة علیه واختیاره فی أن یفعله وأن لا یفعله وإرادته المحرّکة نحوه، وعلیه یکون للفعل الصادر من الإنسان نسبتان:

إحداهما: إلیه باعتبار تعلّق اختیاره به الذی هو من لوازم وجود الإنسان المجعولة بجعله لا بجعل مستقلّ.

والاُخرى: إلى الله تعالى باعتبار إیجاد العلم بفائدة ذلک الفعل فی نفس فاعله وإیجاد قدرته علیه وشوقه إلیه إلى غیر ذلک من المبادىء التی لیست من لوازم وجود الإنسان، وحینئذ لا یکون الفعل الصادر من الإنسان بإرادته مفوّضاً إلیه بقول مطلق ولا مستنداً إلیه تعالى کذلک لیکون العبد مقهوراً علیه، ومعه یصحّ أن یقال: لا جبر فی البین لکون أحد مبادىء الفعل هو اختیار الإنسان المنتهى إلى ذاته، ولا تفویض بملاحظة کون مبادئه الاُخرى مستندة إلیه تعالى ولا مانع من أن یکون ما ذکرنا هو المقصود بقوله (علیه السلام): لا جبر ولا تفویض بل أمر بین أمرین»(3).

ویمکن تلخیص مجموع کلامه هذا فی ثلاث مقدّمات:

الاُولى: أنّ الاختیار من لوازم وجود الإنسان وذاته ولا یحتاج إلى جعل مستقلّ عن جعل ذاته.

الثانیّة: أنّ الاختیار غیر الإرادة فإنّه صفة کامنة فی النفس وموجود فیها بالفعل وعند تحقّق الفعل یصیر بالفعل.

الثالثة: أنّ الفاعل للفعل هو الإنسان بوصف کونه مختاراً والباقی شروط ومعدّات.

ولکن یرد على المقدّمة الاُولى: أنّه لا حاجة إلیها لأنّه وإن کان الاختیار مجعولا بجعل مستقلّ فمع ذلک لا یضرّ بکون العمل اختیاریّاً، لأنّه على أیّ حال: خلق مختاراً، أی تکون أصل قوّة الاختیار جبریّاً وقهریّاً، وهذا لا ینافی أن یکون الفعل المستند إلى هذه القوّة اختیاریّاً کما لا یخفى.

وعلى الثانیّة: أنّها مبهمة من جهة أنّه لا یعلم أنّ مراده ما ذکره المحقّق النائینی; من أنّ الاختیار نفس الطلب والطلب غیر الإرادة، أو غیر ذلک، فإن کان الأوّل فقد عرفت الکلام فیه، وإن کان غیر ذلک فلیبیّن حتّى یبحث عنه.

وأمّا الثالثة: فلا مانع من المساعدة علیها، لکن یبقى الکلام فی أنّ الإنسان المختار متساوی النسبة إلى وجود الفعل وعدمه فکیف یصدر الفعل منه دون عدمه فإن کان هو من جهة تخصیص قاعدة الوجوب فیعود الإشکال الذی ذکرناه فی کلام المحقّق النائینی (رحمه الله) أو شیء آخر فما هو؟


1. سورة الأحزاب: الآیة 30.
2. سورة المائدة: الآیة 115.
3. بدائع الأفکار: ج1، ص204 ـ 205.

 

الوجه الثالث: برهان العلّیةالمختار فی حلّ مشکلة الإرادة على مذهب الاختیار
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma