الأدلّة النقلیّة على القول بالاختیار

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوَار الاُصُول (الجزء الأول)
أدلّة القائلین بالاختیارالآیات الدالّة بصراحتها على نفی الجبر

وأمّا الأدلّة النقلیّة: من الآیات والرّوایات فهی کثیرة لکلّ من الطرفین، فالجبریّون استدلّوا بطوائف خمسة من الآیات التی تدلّ بظاهرها على أنّ الفاعل إنّما هو الباری تعالى فقط (ولعلّ من مناشىء القول بالجبر هو ظاهر هذا القبیل من الآیات مع الجمود على ظواهرها من دون ملاحظة سائر الآیات والقرائن العقلیّة):

الطائفة الاُولى: ما تدلّ على أنّه تعالى خالق لکلّ شیء کقوله تعالى: (ذَلِکُمْ اللهُ رَبُّکُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ کُلِّ شَیْء فَاعْبُدُوهُ)(1) وقوله تعالى: (أَمْ جَعَلُوا للهِِ شُرَکَاءَ خَلَقُوا کَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَیْهِمْ قُلْ اللهُ خَالِقُ کُلِّ شَیْء)(2) وقوله تعالى: (فَأَقْبَلُوا إِلَیْهِ یَزِفُّونَ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَکُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)(3).

والجواب عنها: أمّا الآیتان الأوّلیان فالمراد من «کلّ شیء» فیهما إنّما هو الذوات والأعیان الخارجیّة بقرینة أنّ الکلام فیهما وفیما قبلهما من الآیات إنّما هو فی خلق السموات والأرض وبقرینة أوائل الآیة الثانیّة وهو قوله تعالى: (قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِیَاءَ لاَ یَمْلِکُونَ لاَِنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً) فإنّه وارد فی ما اتّخذوه شرکاء لله تعالى ولیست ناظرة إلى أفعال الإنسان کما لا یخفى.

وأمّا الآیة الثالثة فهی أیضاً ناظرة إلى أوثانهم بما هی أوثان وذوات خارجیّة لا بما هی أعمال، والشاهد على ذلک قوله تعالى «ما تنحتون» فإنّ کلمة «ما» هنا موصولة لا مصدریّة، وبالجملة یستفاد من مجموع هذه القرائن أنّ هذا القبیل من الآیات منصرفة إلى الأعیان والذوات الخارجیّة، کما یشهد على ذلک کلمة «شیء» حیث إنّها أیضاً تنصرف إلى خصوص الأعیان غالباً ولا یطلق على العمل.

هذا ـ ولو سلّمنا عموم هذه الآیات بالنسبة إلى الأفعال أیضاً، لکن قد عرفت أنّ إسناد العمل إلى الله تعالى لا یمنع عن إسناده إلى الإنسان نفسه، لأنّ أحدهما فی طول الآخر، وهو معنى الأمر بین الأمرین کما سیأتی تفصیلا إن شاء الله.

الطائفة الثانیّة: الآیات التی تدلّ على نفی المشیّة عن العبد نحو قوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ یَشَاءَ اللهُ)(4).

والجواب عنها: أنّ مقتضى مذهب الأمر بین الأمرین عدم استقلال مشیّة العبد عن مشیّة الله تعالى وإن کانت إرادة العبد واختیاره فی طول ارادته وإنّ الله أراد أن یختار العبد ویرید الفعل الفلانی کما سیأتی فی توضیح الأمر بین الأمرین مزید بحث لذلک، فمشیّة العبد حینئذ لا تنفکّ عن مشیّة الله أبداً، وهذا لا ینافی الاختیار کما لا یخفى.

الطائفة الثالثة: الآیات التی تدلّ على نفی الفعل عن العباد کقوله تعالى: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَکِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَیْتَ إِذْ رَمَیْتَ وَلَکِنَّ اللهَ رَمَى)(5).

ویمکن الجواب عنها بوجهین:

الجواب الأوّل: أنّ المراد منه نفی استقلال العبد فی التأثیر وکون الفاعل المستقلّ هو الله تعالى. وبعبارة اُخرى: کما أنّ الوجود بالأصالة مختصّ بذاته تعالى، وغیره موجود بإرادته، فکذلک الأفعال الإنسانیّة منسوبة إلى الله تعالى بالأصالة ومنسوبة إلى العباد بسبب أنّ الله تعالى أعطاهم القدرة والاختیار والقوّة.

الجواب الثانی: أنّ هذا التعبیر وارد فی شأن غزوة بدر التی تختصّ بالامدادات الغیبیة ونزول الملائکة حیث إنّ القتل إمّا أن یکون قد تحقق بأیدی الملائکة، فسلب القتل عن المقاتلین لا بأس به، وإمّا أن یکون قد صدر من المقاتلین مع نصرة من الملائکة فکذلک یمکن سلب القتل عنهم بهذا الاعتبار، أی لولا الامداد الغیبی ونصرة الملائکة لم تقدروا على شیء، وحینئذ یصدق قوله تعالى: (وَلَکِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ).

هذا بالنسبة إلى الفقرة الاُولى، وأمّا الفقرة الثانیّة فالمراد منها أنّ تأثیر الرمی کان من الله تعالى، أی وما رمیت إذ رمیت رمیاً مؤثّراً، والشاهد على هذا وجود إسنادین فی الآیة، فکما أنّه تعالى یسند الرمی إلى نفسه یسنده إلى رسوله أیضاً، وهذا یشهد على أنّ المقصود من الرمی الأوّل إنّما هو رمی التراب أو الحصى، ومن الرمی الثانی تأثیرها فی قبض عیون الناظرین کما فی الرّوایات(6)، وبالجملة الفقرتین کلتیهما تفسّران بالقرینة المقامیّة الموجودة فی الآیة.

الطائفة الرابعة: ما تدلّ على أنّ الإیمان والعمل بجعل الله تعالى وبمساعدته نحو قوله تعالى: (رَبِّ اجْعَلْنِی مُقِیمَ الصَّلاَةِ وَمِنْ ذُرِّیَّتِی رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ)(7) وقوله تعالى: (أُوْلَئِکَ کَتَبَ فِی قُلُوبِهِمْ الاِْیمَانَ وَأَیَّدَهُمْ بِرُوح مِنْهُ)(8).

والجواب عنها أوضح من الجواب عن الطائفة السابقة علیها، فإنّها من قبیل التعبیر الرائج بیننا من أنّ التوفیق بید الله، والتوفیق عبارة عن تهیئة أسباب الخیر ومقدّمات العمل الصالح على حدّ الاقتضاء والاعداد لا العلّیة التامّة کما لا یخفى، وأمّا المراد من کتابة الإیمان فهو إثبات الإیمان واستقراره فی القلب، والمستفاد من الآیة بقرینة الآیات السابقة علیها أنّ الحبّ فی الله والبغض فی الله یوجب ثبوت الإیمان ورسوخه فی القلب، فهو بمنزلة الجزاء والنتیجة لعمل اختیاری صالح للإنسان، أی التولّی والتبرّی فی الله، فلا ینافی کونه اختیاریّاً، فإنّ ما یکون بعض مقدّماته اختیاریّاً اختیاری.

الطائفة الخامسة: آیات الهدایة والضلالة والتی تسندهما إلى الله تعالى وهی کثیرة:

منها: قوله تعالى: (فَیُضِلُّ اللهُ مَنْ یَشَاءُ وَیَهْدِی مَنْ یَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ)(9).

ومنها: قوله تعالى: (وَلَکِنْ یُضِلُّ مَنْ یَشَاءُ وَیَهْدِی مَنْ یَشَاءُ)(10).

ومنها: قوله تعالى: (مَنْ یَشَأْ اللهُ یُضْلِلْهُ وَمَنْ یَشَأْ یَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاط مُسْتَقِیم)(11).

ومنها: (إِنَّکَ لاَ تَهْدِی مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَکِنَّ اللهَ یَهْدِی مَنْ یَشَاءُ)(12).

ومنها: (فَمَنْ یُرِدْ اللهُ أَنْ یَهدِیَهُ یَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَنْ یُرِدْ أَنْ یُضِلَّهُ یَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَیِّقاً حَرَجاً)(13).

والجواب عنها أیضاً واضح، ولکن قبل بیان الجواب الأصلی والمختار ننقل هنا ما قاله بعض الأعلام فی مقام الجواب عنها، وهو أنّ الهدایة على معان ثلاثة:

المعنى الأوّل: أنّ الهدایة بمعنى إرائة الطریق ومنه قوله تعالى: (وَإِنَّکَ لَتَهْدِی إِلَى صِرَاط مُسْتَقِیم)(14).

المعنى الثانی: أنّها بمعنى الإیصال إلى المطلوب، ومنه ما مرّ آنفاً من قوله تعالى: (إِنَّکَ لاَ تَهْدِی مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَکِنَّ اللهَ یَهْدِی مَنْ یَشَاءُ) فإنّ ما على النبی(صلى الله علیه وآله) إنّما هو إرائة الطریق فقط لا الإیصال إلى المطلوب (والمراد من الإیصال اعداد المقدّمات والتوفیق الموصل إلى المقصود).

الثالث أنّها بمعنى ترتّب الثواب على العمل، وتقابلها الضلالة بمعنى حبط الأعمال، ومنه قوله تعالى: (وَالَّذِینَ کَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ)(15).

أقول: إن کان مراده تفسیر الضلالة بالمعنى الأخیر کما یظهر من بعض کلماته فهو واضح الإشکال، فإنّ کثیراً من آیات الضلالة لا تلائم هذا المعنى ولا دخل لها بمسألة الثواب والعقاب، وإن کان المراد إنّ کلا من هذه المعانی الثلاثة للهدایة تقابله الضلالة فهو حقّ لا ریب فیه، فإنّ کثیراً من آیات الضلالة بمعنى سلب التوفیق وعدم اعداد المقدّمات نحو المطلوب کما ذکره کثیر من المحقّقین، وهذا أیضاً أمر اختیاری، لأنّ التوفیق وکذا سلبه من قبل الله لا یکون بلا دلیل بل هو ناش عن بعض أعمال الإنسان الحسنة أو السیّئة أو نیّاته وصفاته الحسنة والخبیثة.

والمختار فی الجواب ـ عن مسألة الهدایة والضلالة فی القرآن ـ هو ما یستفاد من نفس الآیات الکریمة، تارةً: على نحو الإجمال واُخرى: على نحو التفصیل:

فالجواب الإجمالی: ما جاء فی ذیل بعض الآیات المزبورة (وهو قوله تعالى: (فَیُضِلُّ اللهُ مَنْ یَشَاءُ وَیَهْدِی مَنْ یَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ)) فإنّ قوله «وهو العزیز الحکیم» إشارة إجمالیّة إلى أنّ مشیّة الله وإرادته ضلالة بعض العباد وهدایة بعض آخر تنشأ من حکمته وعزّته، فإنّ قدرته وعزّته متقاربة مع حکمته ومندرجة فیها، ومشیّته ناشئة من کلتیهما معاً لا من القدرة فقط، فإذا علمنا بأنّ إرادته تنشأ من الحکمة فإضلاله أو هدایته مبنیة على ما یصدر من العباد أنفسهم من الأعمال السیّئة أو الحسنة، وعلى أساس ما اکتسبوه من الاستحقاق أو عدم الاستحقاق للهدایة والضلالة.

وأمّا الجواب التفصیلی: فهو ما تصرّح به کثیر من الآیات من أنّ الهدایة أو الضلالة تنشأ ممّا کسبته أیدی العباد وقدّمته أیدیهم، فبالنسبة إلى الهدایة نظیر قوله تعالى:

1 ـ (وَالَّذِینَ جَاهَدُوا فِینَا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنَا)(16).

2 ـ (وَمَنْ یُؤْمِنْ بِاللهِ یَهْدِ قَلْبَهُ)(17).

3 ـ (إِنَّهُمْ فِتْیَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضِ)(18).

4 ـ (قُلْ إِنَّ اللهَ یُضِلُّ مَنْ یَشَاءُ وَیَهْدِی إِلَیْهِ مَنْ أَنَابَ)(19).

5 ـ (ذَلِکَ الْکِتَابُ لاَ رَیْبَ فِیهِ هُدىً لِلْمُتَّقِینَ)(20).

والمراد من التقوى هنا ظاهراً هو حالة قبول الحقّ وعدم اللجاج.

وبالنسبة إلى الضلالة نظیر قوله تعالى:

1 ـ (یُضِلُّ بِهِ کَثِیراً وَیَهْدِی بِهِ کَثِیراً وَمَا یُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِینَ)(21).

2 ـ (فَبُهِتَ الَّذِی کَفَرَ وَاللهُ لاَ یَهْدِی الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ)(22).

3 ـ (إِنَّ اللهَ لاَ یَهْدِی مَنْ هُوَ کَاذِبٌ کَفَّارٌ)(23).

4 ـ (إِنَّ اللهَ لاَ یَهْدِی مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ کَذَّابٌ)(24).

5 ـ (کَذَلِکَ یُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ)(25).

6 ـ (إِنَّ اللهَ لاَ یَهْدِی الْقَوْمَ الْکَافِرِینَ)(26).

فالمستفاد من الطائفة الأخیرة من الآیات أنّ أسباب الضلالة عبارة عن الفسق والظلم والکذب والکفر والاسراف والریب والاصرار على الکفر، وهی بأجمعها اُمور اختیاریّة تصدر من الإنسان وتوجب سلب توفیقه وقدرته على الهدایة، فیضلّ عن طریق الحقّ بسوء اختیاره، ولا إشکال فی أنّ الآیات المطلقة التی تسند الهدایة أو الضلالة إلى الله تعالى مطلقاً تقیّد بهذه الآیات طبقاً لقاعدة الإطلاق والتقیید وتفسّر بها، ویستنتج أنّ هدایته فیض من

جانبه یفاض على النفوس المستعدّة والقلوب المطهّرة بالأعمال الصالحة، کما أنّ الضلالة عبارة عن قطع الفیض والاستعداد والتوفیق عن النفوس غیر المساعدة وذلک بسبب الأعمال السیّئة والنیّات الخبیثة الصادرة عنهم، فهذه الآیات مضافاً إلى أنّها غیر دالّة على مذهب الجبر، ظاهرة بل کالصریحة فی مذهب الاختیار، لأنّها بعد ضمّ بعضها إلى بعض تدلّ على أنّ الهدایة والضلالة ناشئتان من الإنسان نفسه وإن کان ذلک بتسبیب إلهی من باب أنّ الأسباب تستمد قوتها من ساحته المقدّسة، ومن هنا تنسب المسبّبات إلیه تعالى أیضاً حقیقة.


1. سورة الأنعام: الآیة 102.
2. سورة الرعد: الآیة 16.
3. سورة الصافات: الآیة 96.
4. سورة الدهر: الآیة 30.
5. سورة الانفال: الآیة 17.
6. فقد ورد فی الرّوایات أنّ النّبی(صلى الله علیه وآله وسلم) قال لعلی(علیه السلام): «ناولنی کفّاً من حصى وناوله ورمى به فی وجوه قریش فما بقی أحد إلاّ امتلأت عیناه من الحصى» (تفسیر البرهان ذیل الآیة 17 من سورة الأنفال) وفی الدرّ المنثور ذیل نفس الآیة: «أخذ رسول الله قبضة من تراب فرمى بها».
7. سورة ابراهیم: الآیة 40.
8. سورة المجادلة: الآیة 22.
9. سورة إبراهیم: الآیة 4.
10. سورة النحل: الآیة 93.
11. سورة الأنعام: الآیة 39.
12. سورة القصص: الآیة 56.
13. سورة الأنعام: الآیة 125.
14. سورة الشورى: الآیة 52.
15. سورة محمّد: الآیة 8.
16. سورة العنکبوت: الآیة 69.
17. سورة التغابن: الآیة 11.
18. سورة الکهف: الآیة 13 ـ 14.
19. سورة الرعد: الآیة 27.
20. سورة البقرة: الآیة 2.
21. سورة البقرة: الآیة 26.
22. سورة البقرة: الآیة 258.
23. سورة الزمر: الآیة 3.
24. سورة المؤمن: الآیة 28.
25. سورة المؤمن: الآیة 34.
26. سورة المائدة: الآیة 67.

 

أدلّة القائلین بالاختیارالآیات الدالّة بصراحتها على نفی الجبر
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma