الأمر الأوّل: فی تعریف التعبّدی والتوصّلی وبیان المیزان فیهما

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوَار الاُصُول (الجزء الأول)
التعبّدی والتوصّلیالأمر الثانی: فی أنحاء قصد القربة

فقد ذکر لهما تعاریف کثیرة التی لا حاجة إلى ذکر جمیعها بل نذکر هنا أشهرها وما یرد علیه من الإیراد ثمّ نذکر التعریف المختار.

فالمشهور أنّ الواجب التوصّلی ما لا یتوقّف حصول الامتثال أو حصول الغرض فیه على قصد القربة نظیر تطهیر المسجد(1) فإنّ الغرض فیه یحصل وبتبعه یسقط الأمر بمجرّد التطهیر من دون قصد القربة أو قصد الأمر وبأیّ طریق حصل التطهیر، وأمّا الواجب التعبّدی فهو ما یتوقّف حصول الغرض والامتثال فیه على قصد القربة.

ولکن الإنصاف أنّه تعریف ببعض اللوازم ولیس بیاناً لماهیة الواجب التعبّدی والتوصّلی، فإنّ اعتبار قصد القربة أو عدمه ینشأ من خصوصیّة فی ماهیة الواجب التعبّدی أو التوصّلی وإنّهما مع قطع النظر عن قصد القربة مفترقان ماهیة وذاتاً.

توضیح ذلک: إنّ الأفعال الاختیاریّة للإنسان على قسمین: الأفعال التی یأتی بها لرفع حاجاته الیومیّة کالتجارة والبیع والنکاح والطلاق وغیرها، والأفعال التی یأتی بها لاظهار عبودیته ونهایة خضوعه وتعظیمه فی مقابل ربّه ومولاه، وهی بنفسها على قسمین أیضاً:

الأوّل: ما یکون بذاته تعظیماً وتجلیلا ویعدّ خضوعاً وعبودیّة کالسجدة فإنّها تعدّ بذاتها عبودیّة ولو مع عدم قصد القربة ووقوعها فی مقابل أی شخص أو أىْ شیء، وهی عبادة ولو وقعت فی مقابل صنم من الحجر والشجر.

الثانی: ما یکون عبادة ولکن لا بذاته وماهیته بل باعتبار المولى وجعله کعبادیّة الصّیام (التی ترجع إلى عبادیّة الامساک) والطواف والسعی فی الصفا والمروة والهرولة فی موضعها وغیر ذلک من أشباهها من الواجبات التعبّدیّة فی الشرع المقدّس، فإنّها اُمور وضعت للخضوع والتعظیم فی مقابل المولى الحکیم فإنّه جعلها للعبادة والعبودیّة ووسیلة للتقرّب إلیه، ولا إشکال فی أنّ هذا القسم أیضاً یتشخّص بتشخّص العبادة ویتلوّن بلونها بالجعل والاعتبار مع قطع النظر عن قصد القربة والتعظیم وقصد العبادة، فإنّه نظیر ما یعتبر للتعظیم ویوضع للاحترام بین الملل والأقوام، فعند بعضهم جعل رفع القلنسوة والبُرنیطة للاحترام فیعدّ وضعها إهانة وهتکاً مع أنّ عکسه یعدّ تعظیماً عندنا فیعتبر وضع العمامة مثلا إحتراماً ورفعها هتکاً، وکذلک الحال فی العبادات، فالعمدة فیها الجعل والاعتبار، نعم العبادة المطلوبة تتحقّق بقصد القربة لا بذات العبادة.

فتلخّص: أنّ الفرق بین التعبّدی والتوصّلی لا ینحصر فی قصد القربة وعدمه فقط بل إنّهما تفترقان فی الماهیة أیضاً، فماهیة العمل التعبّدی تفترق عن ماهیة العمل التوصّلی، وبعبارة اُخرى: أنّ للعبادة التی توجب التقرّب إلى المولى رکنین: حسن فاعلی وهو أن یکون العبد فی مقام الإطاعة والتقرّب إلى المولى، وحسن فعلی وهو أن یکون ذات العمل مطلوباً للمولى.

ثمّ إنّ المقصود من التعظیم فی الموالی العرفیّة إنّما هو تکریم المولى واعظامه لیکون أکرم وأعظم عند الناس، وأمّا بالنسبة إلى الباری تعالى الکامل بالکمال المطلق والغنی الحمید بغناء لا نهایة له فالمقصود منه إنّما هو تقرّب العبد ورشده وقتباس شیء من نوره وصفاته ولو کان کضوء الشمع فی مقابل الشمس أو أقلّ من ذلک.

وفی تهذیب الاُصول ذکر للواجب قسماً ثالثاً، فبدّل التقسیم الثنائی إلى الثلاثی حیث قسّم ما یعتبر فیه قصد القربة إلى قسمین:

أحدهما: ما ینطبق علیه عنوان العبودیّة لله تعالى، بحیث یعدّ العمل منه للربّ عبودیّة له کالصّلاة والاعتکاف والحجّ.

وثانیهما: ما لا یعدّ نفس العمل تعبّداً أو عبودیّة وإن کان قربیّاً لا یسقط أمره إلاّ بقصد الطاعة کالزّکاة والخمس، ثمّ قال: وهذان الأخیران وإن کان یعتبر فیهما قصد التقرّب لکن لا یلزم أن یکونا عبادة بالمعنى الکذکور إذ کلّ فعل قربى لا ینطبق علیه عنوان العبودیّة فإطاعة الولد لوالده والرعایا للملک لا تعدّ عبودیّة لهما بل طاعة، کما أنّ ستر العورة بقصد امتثال الأمر وانقاذ الغریق کذلک لیسا عبودیّة له تعالى بل طاعة لأمره وبعثه، وحینئذ یستبدل التقسیم الثنائی إلى الثلاثی فیقال: الواجب امّا توصّلی أو تقرّبی، والأخیر إمّا تعبّدی أو غیر تعبّدی ... إلى أن قال: فالأولى دفعاً للالتباس حذف عنوان التعبّدیّة وإقامة التقرّب موضعه(2). (انتهى).

أقول: قد قرّر فی محلّه أنّ لبعض الأعمال القربیّة کالزّکاة والخمس حیثیتین: حیثیّة تسمّى بحقّ الله وحیثیة یعبّر عنها بحقّ الناس، أمّا الحیثیة الثانیّة فهو ما یوجب تعلّق حقّ الفقراء بأموال المکلّفین وهو یؤخذ منهم ولو جبراً سواء قصد القربة بذلک أو لم یقصدها، وأمّا الحیثیة الاُولى فهی ما یوجب تلوّن العمل بلون قربى إلهی ویجعله کسائر الواجبات التعبّدیّة کتحمّل الجوع فی شهر رمضان أو الهدیة والوقوف بمنى وعرفات أو السعی بین الصفا والمروة فی أیّام الحجّ، فکما أنّ اشتراط قصد القربة هناک علامة لجعلها ووضعها للخضوع والعبودیّة بحیث لولاها فسد العمل کذلک هنا من دون أی فرق بینهما فی هذه الجهة.

هذا بالنسبة إلى ما ذکره من مثال الخمس والزّکاة، وأمّا بالنسبة إلى سائر ما ذکره من الأمثلة کستر العورة امتثالا لأمر الله وانقاذ الغریق، کذلک، فمن الواضح أنّه لا یفسد أمثال هذه الاُمور بترک قصد القربة، فلو أنقذ الغریق من دون هذا القصد فقد أتى بما وجب علیه وإن لم یستحقّ الثواب، وهذا أی عدم الاشتراط بالقربة دلیل على أنّه لم یجعل عبادة فی الشرع المقدّس، وبعبارة اُخرى: العبادة کما ذکره القوم على قسمین: العبادة بالمعنى الأخصّ وهی ما یشترط فیه قصد القربة وبدونها تکون فاسدة، والعبادة بالمعنى الأعمّ وهی ما یؤتى بقصد القربة وإن لم یعتبر فی صحّتها ذلک، فلو ترک القربة فیها لم یستحقّ الثواب وإن کان عمله صحیحاً بسبب کونه توصّلیاً، والمراد من التعبّدی فی المقام هو القسم الأوّل، أی ما یشترط فیه قصد القربة لا ما یؤتى بقصد القربة وإن لم یشترط بها.

ثمّ إنّه قال فی المحاضرات: إنّ الواجب التوصّلی یطلق على معنیین:

الأوّل: ما لا یعتبر فیه قصد القربة.

الثانی: ما لا تعتبر فیه المباشرة من المکلّف بل یسقط عن ذمّته بفعل الغیر سواء أکان بالتبرّع أم بالاستنابة، بل ربّما لا یعتبر فی سقوطه الالتفات والاختیار، بل ولا إتیانه فی ضمن فرد سائغ، فلو تحقّق من دون إلتفات وبغیر اختیار، أو فی ضمن فرد محرم کفى.

وإن شئت قلت: إنّ الواجب التوصّلی مرّة یطلق ویراد به ما لا تعتبر فیه المباشرة من المکلّف، ومرّة اُخرى یطلق ویراد به ما لا یعتبر فیه الالتفات والاختیار، ومرّة ثالثة یطلق ویراد به ما لا یعتبر فیه أن یکون فی ضمن فرد سائغ (انتهى)(3).

أقول: إنّ ما أفاده جیّد فی محلّه، ولکنّه لو کان فی مقام بیان مصطلح القوم فی الواجب التوصّلی فلم نتحقّقه فی کلماتهم، وإن کان فی مقام جعل اصطلاح جدید فلا مشاحّة فی الاصطلاح، ولعلّه کان فی مقام بیان آثار الواجب التوصّلی ولوازمه، ولکن وقع السهو فی العبارة فجعل ذلک أقساماً للواجب التوصّلی، والحاصل أنّ الواجب التوصّلی شیء واحد وکلّ ذلک من لوازمه وآثاره.


1. قد ذکر فی المحاضرات غسل المیّت بعنوان أحد الأمثلة للواجب التوصّلی مع أنّه لا إشکال فی أنّه من الواجبات التعبّدیّة ویعتبر فیه قصد القربة بل هو بنفسه أیضاً اعترف به فی تعلیقته على العروة ولعلّه من قبیل سهو القلم من ناحیة المقرّر.
2. تهذیب الاُصول: ج1، ص111، طبع مهر.
3. المحاضرات: ج2، ص139 ـ 140.

 

التعبّدی والتوصّلیالأمر الثانی: فی أنحاء قصد القربة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma