الوجه الرابع: ما یعتبر حلا نهائیّاً فی المسألة، وهو عبارة عن تحلیل معنى الاشتراط والتأمّل فی حقیقة مفهوم «إن» الشرطیّة وما یسمّى فی اللّغة الفارسیّة بـ «اگر»، فنقول لا إشکال فی أنّ مفاد کلمة «إنّ» (اگر) یساوق معنى کلمة «افرض» أی أن الإنسان یفرض أوّلا وجود شیء فی الخارج ثمّ یحکم علیه بحکم ویرتّب علیه آثاراً، فیفرض مثلا طلوع الشمس أوّلا ثمّ یرتّب علیه وجود النهار، فالقضیة الشرطیّة حینئذ عبارة عن حکم على فرض.
توضیح ذلک: الإنسان تارة ینظر ویرى أنّ الشمس قد طلعت فیحکم بأنّ الشمس طالعة من غیر شرط، واُخرى یکون الناظر فی ظلمات اللیل ولکن یفرض وجود الشمس ثمّ یحکم بوجود النهار فی وعاء فرض وجود الشمس فیقول: «إن طلعت الشمس فالنهار موجودة»، وکذلک فی الإنشائیات.
وبعبارة اُخرى: إنّ للإنسان فی أحکامه الإخباریّة والإنشائیّة حالتین، فتارةً یکون مطلوبه فی الإنشائیات أو ما یخبر عنه فی الإخباریات موجوداً فی عالم الخارج بالفعل، فیبعث إلیه أو یخبر عنه من دون قید وتعلیق، واُخرى لا یکون موجوداً فی الخارج فیفرض وجوده أوّلا ثمّ یحکم علیه إخباراً أو إنشاءً.
إن قلت: على أیّ حال: هل وجد شیء فی الخارج من ناحیة حکمه أو لم یوجد؟
قلنا: قد وجد شیء فی الخارج ولکن معلناً على فرض، نظیر ما إذا کانت أُمّ تعیش فی فراق ولدها فتتصوّر مجیء ولدها فتحنّ إلیه وتسیل دموعها من شوق لقائه، فإنّ سیلان دمعها وبکاؤها أمر تکوینی موجود فی الخارج ولکن بعد فرضها وتصوّرها مجیء ولدها، ونظیر ما إذا تصوّر المولى عطشه وإشتاقت نفسه بعد ذلک الفرض والتصوّر إلى الماء، فأمر عبده بقوله «إذا کنت عطشاناً فاسقنی» فإشتیاقه إلى الماء ثمّ بعثه إلى إتیان الماء وجد فی الخارج ولکنه مترتّب على فرضه عطشه، فطلبه وبعثه متوقّف على هذا الفرض، وحیث إنّه فرض ولا وجود له فی الخارج فعلا فیمکن أن یقال بأنّه لا إیجاب ولا وجوب کما ذهب إلیه المشهور.
وبعبارة اُخرى: الوجوب وجد بالإیجاب ولکن متأخّراً عن فرض ومعلّقاً على تقدیر موجود فی عالم الذهن ولا عالم الخارج، لأنّ المفروض أنّ الفرض لیس بإزائه شیء فی الخارج حین الفرض.
والحاصل: أنّ هذا الإیجاب موجود من جهة وغیر موجود من جهة، فهو موجود بعد فرض وجود الشرط فی اُفق الذهن وغیر موجود من دون هذا الفرض.
