وینبغی التنبیه على مقدّمة قبل الشروع فی أصل البحث، وهی أنّ الألفاظ تارةً توضع لفهم عموم الناس وهی أکثر الألفاظ المتداولة بینهم، وتسمّى بالحقائق اللغویّة أو العرفیّة، واُخرى توضع لصنف خاصّ منهم وتسمّى بالمصطلحات نظیر لفظ «الاُصول العملیّة» فإنّه وضع فی علم الاُصول للاُصول الأربعة العملیّة المعهودة، وأمّا فی اللّغة فوضع لفظ «الأصل» و«العمل» لما هو أوسع من ذلک کما هو واضح، والفرق بین القسمین أنّ الحقائق اللغویّة تفید معانیها اللغویّة کیفما استعملت، من دون أن تکون مقیّدة بکلام خاصّ، وأمّا المصطلحات فإفادتها المعانی المصطلحة متوقّفة على استعمالها فی مواردها الخاصّة.
إذا عرفت هذا فنقول: إنّ لنا فی الشرع ماهیّات مخترعة نحو الصّلاة والحجّ والزّکاة، واُموراً اُخرى مشابهة لها، نحو عنوان «التکبیر» الذی فی اللّغة بمعنى مطلق التعظیم، فی الشرع وضع لصیغة «الله اکبر» ولکنّه لیس ماهیة مخترعة مستقلّة تترکّب من أجزاء وأعمال کماهیّة الصّلاة، ولا إشکال فی أنّ الألفاظ الدالّة على هذه الماهیات المخترعة فی زماننا هذا حقیقة فی المعانی الشرعیّة، ولکن لا بدّ من البحث فی أنّها هل صارت حقیقة فیها فی عصر الشارع حتّى تحمل على تلک المعانی فی لسانه (وتسمّى حینئذ بالحقائق الشرعیّة) أو صارت حقیقة فی الأزمنة اللاّحقة بأیدی المتشرّعین، وحینئذ تحمل الألفاظ الواردة فی لسان الشارع على معانیها اللغویّة عند فقد القرینة، وعلى معانیها الشرعیّة عند وجودها (وتسمّى حینئذ بالحقائق المتشرّعیّة) فیه قولان:
أحدهما: ثبوت الحقیقة الشرعیّة والثانی: عدمه. وتوضیح الحال یستدعی البحث فی اُمور أربع:
الأوّل: فی أدلّة القولین.
الثانی: فی حدود هذه الماهیّات وعددها، فهل تکون محدودة بمثل الصّلاة والصّوم والحجّ، أو أنّ دائرتها أوسع منها.
الثالث: فی بیان ثمرة المسألة.
الرابع: فی تعیین الوظیفة حین الشکّ فی بعض الاستعمالات إذا شکّ فی أنّ الألفاظ المستعملة فیها هل استعملت فی هذه الموارد قبل صیرورتها حقیقة فی المعانی الشرعیّة، أو بعدها؟
