4 ـ المعانی الحرفیّة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوَار الاُصُول (الجزء الأول)
3 ـ الکلام فی أقسام الوضعالمختار فی المعانی الحرفیّة

لا إشکال فی وجود القسم الأوّل والثالث من الأقسام المذکورة للوضع (أی ما إذا کان الوضع عامّاً والموضوع له عامّاً، أو کان الوضع خاصّاً والموضوع له خاصّاً) فی الخارج، فمن القسم الأوّل أسماء الأجناس، ومن الثالث الأعلام الشخصیّة.

أمّا القسم الثانی فقد وقع البحث فی وقوعه خارجاً، والمشهور على ذلک، وعدّوا من مصادیقه المعانی الحرفیّة وما شابهها، فینبغی البحث والتحقیق فی حقیقة المعانی الحرفیّة لما یترتّب علیه فی أبواب الواجب المشروط وغیره على قول بعض.

وهذا البحث یستدعی نظراً کلّیاً إلى الأقوال المعروفة والآراء الموجودة فیه قبل الورود فی تفصیله.

فنقول: هنا أقوال خمسة ننظر إلیها إجمالا ثمّ نتکلّم عن أدلّتها ونقدها تفصیلا:

القول الأوّل: أنّ الحروف لا معانی لها بل هی علامات للمعانی الاسمیّة کالاعراب فی الکلمات المعربة، فکما أنّ الرفع مثلا علامة للفاعل، والنصب علامة للمفعول، کذلک الحروف، فکلمة «من» مثلا علامة لابتداء السیر فی جملة «سرت من البصرة إلى الکوفة» و «إلى» علامة لانتهائه، والقائل به «محمّد بن حسن الرضی» من أعلام القرن السابع فی کتابه الموسوم بشرح الکافیّة (وإن کان المستفاد من بعض کلماته القول الثانی الآتی ذکره) والإنصاف أنّ صدر کلامه وإن کان یدلّ على القول الثانی فإنّه ذکر فیه «إنّ معنى «من» ومعنى «لفظ الابتداء» سواء، إلاّ أنّ الفرق بینهما أنّ لفظ الابتداء لیس مدلوله مضمون لفظ آخر بل معناه الذی فی نفسه مطابقة، ومعنى «من» مضمون لفظ آخر ینضاف ذلک المضمون إلى معنى ذلک اللفظ الأصلی» کما أنّ ذیل کلامه قد یشعر بالقول الأوّل فإنّه قال: «فالحرف وحده لا معنى له أصلا إذ هو کالعلم المنصوب بجنب شیء لیدلّ على أنّ فی ذلک الشیء فائدة ما»(1).

ولکن المحصّل من مجموع کلامه کما لا یخفى على من راجعه ودقّق النظر فیه هو القول الخامس الذی ستأتی الإشارة إلیه من أنّ الحروف تدلّ على معان غیر مستقلّة فی الذهن والخارج.

القول الثانی: ما ذهب إلیه المحقّق الخراسانی (رحمه الله) وهو عکس الأوّل، وحاصله إنّه لا فرق بین الحروف والأسماء فی کون معانی کلیهما استقلالیّة، فلا فرق بین «من» مثلا وکلمة «الابتداء» فی دلالة کلیهما على الابتداء.

إن قلت: فلماذا لا یمکن استعمال أحدهما فی موضع الآخر؟

قلت: إنّه ناش من شرط الواضع لا إنّه مأخوذ فی الموضوع له، فإنّ الواضع اعتبر لزوم استعمال «من» فیما إذا لم یکن معنى الابتداء ملحوظاً استقلالیّاً وشرط فی کلمة الابتداء استعمالها فیما إذا لم یکن المعنى آلیاً.

القول الثالث: ما أفاده المحقّق النائینی (رحمه الله) وحاصله: إنّ معانی الحروف کلّها إیجادیّة یوجد بها الربط بین أجزاء الکلام، فإنّ «من» فی جملة «سرت من البصرة إلى الکوفة» مثلا توجد الربط بین کلمتی «البصرة» و «سرت».

والظاهر من کلامه إنّها لیست حاکیات عن معانیها بل وضعت لإنشائها، فإنّ «فی» مثلا لا تحکی عن الظرفیّة بل توجدها فی قولک «زید فی الدار».

القول الرابع: ما أفاده بعض الأعلام، وملخّصه: إنّ المعانی الحرفیّة وضعت لتضییق المعانی الاسمیة ومع ذلک لا نظر لها إلى النسب الخارجیّة کما سیأتی توضیحه(2).

القول الخامس: قول کثیر من المحقّقین. وهو أنّها وضعت للحکایة عن النسب الخارجیّة والمفاهیم غیر المستقلّة وهو الأظهر من الجمیع.

توضیحه: أنّ المفاهیم والمعانی على قسمین: مستقلّة وغیر مستقلّة، فالمستقلّة نحو «مفهوم السیر» وغیر المستقلّة مثل ابتدائه وانتهائه، وکما نحتاج فی بیان المعانی المستقلّة والحکایة عنها إلى ألفاظ، کذلک فی المعانی غیر المستقلّة، فمثلا کما نحتاج فی بیان معنى «زید» و «قائم» إلى لفظ زید قائم، کذلک نحتاج فی بیان نسبة زید إلى قائم وصدور القیام عن زید إلى وضع لفظ، وهو هیئة «زید قائم» ونحتاج فی بیان کیفیة السیر من حیث الابتداء والانتهاء فی قولک «سرت من البصرة إلى الکوفة» أیضاً إلى کلمتی «من» و «إلى»، هذا ملخّص الکلام فی بیان الأقوال الخمسة فی المقام.

أقول: أمّا القول الأوّل: فالأحسن فی مقام الجواب عنه أن یقال: إنّه مخالف لما یتبادر من الحروف إلى الذهن عند استعمالها، وقیاسه بالاعراب قیاس مع الفارق، لأنّه یتبادر من کلمة «فی» مثلا فی جملة «زید فی الدار» معنى خاصّ، والحال أنّه لا یتبادر شیء من علامة الرفع فی «زیدٌ» فی تلک الجملة.

أمّا القول الثانی: فغایة ما یقال فی توضیحه: أنّ خصوصیّة کلّ واحد من الاسم والحرف نشأت من جانب الاستعمال لا الوضع، لأنّه إن کان الموضوع له خاصّاً فلا یخلو من أحد الأمرین، إمّا أن یکون المراد الخاصّ الجزئی الخارجی فإنّه خلاف الوجدان، لأنّ فی نحو «فی الدار» لا یکون المصداق واحداً جزئیّاً بل إنّه کلّی لشموله لکل موضع من الدار، وإمّا أن یکون المراد جزئیّاً ذهنیاً فیستلزم کون الموضوع له معنىً مقیّداً بوجوده فی الذهن، لأنّ لحاظ المعنى قید له وهو باطل لوجوه:

أحدها: لزوم تعدّد اللحاظین حین الوضع، لأنّ الوضع حینئذ یلاحظ المعنى الملحوظ فی الذهن وهو خلاف الوجدان.

ثانیها: لزوم عدم إمکان انطباق المعنى الحرفی على الخارج لأنّه مقیّد بکونه فی الذهن.

ثالثها: لزوم کون الموضوع له فی جمیع الأسماء حتّى فی أسماء الأجناس خاصّاً لأنّه إذا کان «کونه ملحوظاً فی غیره» جزءً لمعنى الحرف، یکون «اللحاظ فی نفسه» أیضاً جزءً للمعنى الاسمی لأنّ المفروض کونهما موضوعین على منهاج واحد، فیکون معنى الاسم جزئیّاً حقیقیّاً ذهنیّاً أیضاً، وهو خلاف ما هو المتّفق علیه فی أسماء الأجناس من کون الموضوع له فیها عامّاً.

فثبت ممّا ذکرنا أنّ هذا القید إنّما یکون عند الاستعمال لا فی الموضوع له.

إن قلت: فلا فرق حینئذ بین الاسم والحرف، وهو یستلزم إمکان استعمال أحدهما موضع الآخر.

قلنا: الفرق بینهما منحصر فی غایة الوضع، فوضع الاسم لأن یراد فی نفسه، ووضع الحرف لأن یراد فی غیره، وهی تمنع عن استعمال أحدهما موضع الآخر (انتهى).

أقول یرد علیه: أنّ هذا فی الحقیقة شرط من ناحیة الواضع لو قلنا به، وهو لا یوجب إلزاماً لغیره من المستعملین، فیستلزم أن یکون الاسم والحرف مترادفین، إلاّ أن یقال: إنّ شرط الواضع یوجب محدودیّة فی الموضوع له التی تعبّر عنها فی بعض الکلمات بالتضییق الذاتی، وفی کلام المحقّق العراقی (رحمه الله) بالحصّة التوأمة، ولکن هذا یرجع فی الحقیقة إلى تغایر الموضوع له فیهما فلا تکون الحروف متّحدة مع الأسماء فی الموضوع له.

وبعبارة اُخرى: الذی یوجب قبوله من الواضع إنّما هو ما یکون فی دائرة الوضع فإن کان هناک شیء خارج عنها وکان الموضوع له مطلقاً بالنسبة إلیه فلا مانع حینئذ فی استعمال تلک اللّفظة على نحو عامّ، فلو شرط الواضع عدم استعماله بدون ذاک القید لم یقبل منه لأنّه بما هو واضع لم یأخذه قیداً فکیف یجب قبول هذا الشرط؟

أمّا القول الثالث: وهو ما أفاده المحقّق النائینی(رحمه الله)(3) فیرد علیه أمران لا محیص عنهما:

الأوّل: (وهو العمدة) إنّه لا معنى لأن توجد النسبة بلفظ لا معنى له، ولا یدلّ على مفهوم، فإن لم یکن لکلمة «فی» مثلا معنى الظرفیّة فلا یمکن إیجادها بها فی الکلام کما لا یخفى، فاللازم دلالة الحروف أوّلا وبالذات على معنى وحکایتها عنه ثمّ إیجاد النسبة الکلامیّة بها فی ضوء تلک الحکایة.

الثانی: أنّه لو کانت معانی الحروف إیجادیّة فلا سبیل للصدق والکذب إلیها کما هو کذلک فی جمیع الإنشائیات فلا معنى لکون قضیّة «زید فی الدار» صادقة أو کاذبة، وهذا کما ترى.

نعم لا إشکال فی إیجادیّة معانی بعض الحروف نحو حروف النداء وحروف التمنّی والترجّی والقسم والتأکید التی تشکّل قسماً خاصّاً من الحروف کما ستأتی الإشارة إلیه إن شاء الله.

أمّا القول الرابع: فقد مرّت الإشارة إلیه وإلیک توضیحه من ملخّص کلامه:

قال فی هامش أجود التقریرات: «والتحقیق أن یقال: إنّ الحروف بأجمعها وضعت لتضییقات المعانی الاسمیة وتقییداتها بقیود خارجة عن حقائقها، ومع ذلک لا نظر لها إلى النسب الخارجیّة بل التضییق إنّما هو فی عالم المفهومیّة ... توضیح ذلک: إنّ کلّ مفهوم اسمی له سعة وإطلاق بالإضافة إلى الحصص التی تحته سواء کان الإطلاق بالقیاس إلى الخصوصیّات المنوّعة أو المصنّفة أو المشخّصة أو بالقیاس إلى حالات شخص واحد، ومن الضروری أنّ غرض المتکلّم کما یتعلّق بإفادة المفهوم على إطلاقه وسعته کذلک قد یتعلّق بإفادة حصّة خاصّة منه کما فی قولک «الصّلاة فی المسجد حکمها کذا»، وحیث إنّ حصص المعنى الواحد فضلا عن المعانی الکثیرة غیر متناهیة، فلابدّ للواضع الحکیم من وضع ما یوجب تخصیص المعنى وتقییده، ولیس ذلک إلاّ الحروف والهیئات ... وبذلک یظهر أنّ إیجاد الحروف لمعانیها إنّما هو باعتبار حدوث الضیق فی مرحلة الإثبات والدلالة، وإلاّ لکان المفهوم متّصفاً بالاطلاق والسعة ... وإمّا باعتبار مقام الثبوت فالکاشف عن تعلّق القصد بإفادة المعنى الضیّق إنّما هو الحرف»(4).

أقول: یرد علیه اُمور:

أحدها: إنّ هناک قسماً ثالثاً من الحروف لا یجری فیه شیء ممّا ذکره کالحروف العاطفة فإنّها لیست إنشائیّة کما أنّها لیست لبیان الحصص الخاصّة من المعانی الاسمیّة وغیرها.

ثانیها: إنّه قد تکون الحروف لتضییق النسب الموجودة فی الکلام التی هی بنفسها من المعانی الحرفیّة کقولک «علیک بإکرام زید فی دارک» فإنّ کلمة «فی» هنا إنّما هی لتضییق نسبة الإکرام إلى زید لا تقیید الإکرام ولا تقیید نفس زید کما لا یخفى على المتأمّل.

ثالثها: وهو العمدة ما أوردناه سابقاً على مذهب المحقّق النائینی(رحمه الله) وهو أنّ التضییق لا یخلو من أحد أمرین: إمّا أن یکون مع الحکایة والدلالة على الخارج أو بدونها، فإن لم یکن مع الدلالة فلا معنى له، وإن کان مع الحکایة والدلالة فیکون دور الحروف أوّلا هو الدلالة على معنى والحکایة عن الخارج، ثمّ تضییق المعانی الاسمیّة بواسطتها.

أمّا القول الخامس: فقد مرّ بیانه ویزیدک توضیحاً: إنّ الموجودات الممکنة على ثلاثة أقسام:

الأوّل: وجود فی نفسه لنفسه، أی وجود مستقلّ فی الذهن والخارج وهو الجوهر، نحو الروح والجسم.

الثانی: وجود فی نفسه لغیره فیکون مستقلا فی المفهوم فقط ولکن إذا وجد وجد فی الموضوع وهو العرض، نحو البیاض والسواد.

الثالث: وجود فی غیره لغیره فلا استقلال له لا فی المفهوم ولا فی الخارج.

ولکلّ من هذه الأقسام فی عالم اللفظ کلمات تدلّ علیها وما یدلّ على القسم الثالث منها هو الحروف: فهی تدلّ على مفاهیم غیر مستقلّة فی الذهن والخارج وتکون حاکیات عنها کما یظهر بمراجعة الوجدان ولا تدلّ على الإیجاد أو التضییق إلاّ بسبب دلالتها على ما ذکرنا کما مرّ.

ولقد أجاد بعض الأعاظم حیث قال: إنّ معانی الحروف غیر مستقلّة فی أربع جهات: فی الوجود الخارجی، والوجود الذهنی وفی الدلالة، بمعنى إنّ دلالتها على المعانی لیست بمستقلّة فلا یکون لکلمة «فی» مجرّداً عن الاسم أو الفعل مدلولا، وفی کیفیة الدلالة، فلا استقلال لها فی الإفراد والتثنیة والجمع مثلا بل تکون تابعة لموردها، فإن کان المورد مفرداً تکون دلالتها على النسبة أیضاً مفردة وهکذا.

هذا ولکن مع ذلک کلّه فهنا سؤالان نذکرهما ونجیب عنهما:

1 ـ ما هو الدلیل على أنّ الحروف وضعت للقسم الثالث من هذه المفاهیم؟ فإنّ ما ذکر هو مجرّد دعوى.

الجواب: هو بأنّه مقتضى حکمة الوضع، لأنّا نشاهد فی الجمل الخبریّة وغیرها اُموراً لا یحکی الاسم عنها ولا الفعل، فالحکمة تقتضی أن توضع بإزائها أیضاً کلمة کما وضعت للمعانی الاسمیّة والفعلیّة، ولیست هی إلاّ الحروف، ویدلّ علیه التبادر أیضاً.

2 ـ ما هو الوجه فیما إذا استعملنا الحروف فی الواجب تعالى أو الممتنع، وقلنا مثلا: «هو الذی فی السماء إله» أو «اجتماع النقیضین فی محلّ واحد محال»، فکیف تدلّ کلمة «فی» فی الجملة الاُولى على وجود نسبة حقیقیة بین الواجب والسماء، وفی الثانیّة على وجود نسبة بین «اجتماع النقیضین» الذی لا وجود له، و «محلّ واحد»؟ ألیس هذا من المجاز؟

الجواب: هو أنّ حکمة الوضع فی الألفاظ هی رفع الحاجات الیومیّة، وبالطبع یکون المقیاس هو المعانی الممکنة الاعتیادیّة، بل ربّما لم یکن الواضع معتقداً بالواجب، أو لا یتحقّق له تصوّر للممتنع، وحینئذ یکون الموضوع له للألفاظ هو خصوص الممکنات أوّلا وبالذات، فإذا استعمل فی الواجب أو الممتنع یوسّع المعنى أو یضیق، وسیأتی بیانه وتوضیحه إن شاء الله تعالى فی مبحث المشتقّ.

هذا ولکن هذا القول وإن کان قویّاً من بعض الجهات لکن لا یشمل تمام أقسام الحروف کما یظهر ذلک عند بیان القول المختار.


1. شرح الکافیّة: ج1، ص10.
2. راجع أجود التقریرات: ص18 ـ 19.
3. راجع أجود التقریرات: ج1، ص16.
4. راجع أجود التقریرات: ج1، ص18 ـ 19.

 

3 ـ الکلام فی أقسام الوضعالمختار فی المعانی الحرفیّة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma