الکلام فی تعیین شخص الواضع وإنّه مَن هو؟ فهل هو الله تعالى أو إنسان خاصّ، أو جماعة خاصّة من أبناء البشر، أو أفراد غیر معروفین؟
من الواضح أنّ الأنبیاء کانوا یتکلّمون بلسان قومهم کما قال تبارک وتعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُول إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ)(1)، ومنه یعلم عدم نزول الألفاظ علیهم من ناحیة الله تعالى، کما أنّ الظاهر عدم دلالة شیء من النصوص أیضاً على کون الواضع هو سبحانه أو أنبیائه(علیهم السلام)ولو فرض قبول ذلک فی خصوص اللسان الذی کان یتکلّم به آدم(علیه السلام) فلا شکّ فی أنّه غیر مقبول بالنسبة إلى اللغات الاُخر التی هی کثیرة جدّاً.
أمّا أن یکون الواضع شخصاً خاصّاً أو جماعة معینة فهو أیضاً لا دلیل علیه من التاریخ على ما بأیدینا، بل الوجدان حاکم على خلافه، لأنّا نجد بوجداننا إبداع ألفاظ جدیدة ولغات حدیثة على أساس الحاجات الیومیّة الاجتماعیّة، على مدى القرون والأعصار من دون وجود واضع خاصّ معروف فی البین، فیتعیّن حینئذ کون الواضع عدّة أفراد مختلفین فی کلّ عصر من الأعصار وفی کلّ زمان ومکان.
وأمّا منشأ اختلاف اللغات فالظاهر أنّ السبب الوحید هو انتشار الأقوام المختلفة فی أقطار الأرض وتباعد کلّ قوم عن سائر الأقوام، خصوصاً بعد ملاحظة عدم وجود وسائل الاعلام الموجودة فی یومنا هذا بینهم حتّى تنتقل لغة خاصّة من قوم إلى قوم، وحینئذ لا بدّ لکلّ قوم من اتخاذ لغة خاصّة وفقاً لحاجاتهم وبتبعه تتعدّد اللغات ویختلف بعضها عن بعض.