الرابع: فی الجبر والاختیار

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوَار الاُصُول (الجزء الأول)
بقی هنا أمرانالوجه الأوّل: برهان التکرار

وحیث انتهى کلام بعضهم فی مسألة اتّحاد الطلب والإرادة إلى مسألة الجبر والاختیار حتّى أنّ بعضهم صرّح بأنّ لازم القول باتّحادهما هو القول بالجبر، وأنّه لا مناصّ عن القول بتعدّدهما على مذهب الاختیار فلابدّ لنا أن نتعرّض لهذه المسألة تتمیماً لما اخترناه من مسألة الاتّحاد، مضافاً إلى ما فی نفس المسألة من الأهمیّة الکبیرة فی جمیع الأبواب من العقائد والاُصول والفروع والأخلاق والتفسیر والحدیث، فنقول (ومن الله نستمدّ التوفیق والهدایة):

ذهب جماعة إلى أنّ العبد مجبور فی أعماله، وهم على طائفتین، طائفة من الالهیین، وطائفة اُخرى من المادّیین.

والالهییون ذهبوا إلى أنّ أفعال العباد تتحقّق بإرادة الله، أی عند إرادة العبد لفعل معین تؤثّر إرادة الله فی تحقّقه ولا أثر لإرادة العبد نفسه، بل إنّما هو مکتسب فی البین، أی الفاعل إنّما هو الله تعالى فقط وأمّا العبد فهو یوجد الفعل عند إرادته.

وکلامهم هذا لا یختصّ بالأفعال الاختیاریّة للإنسان بل یأتی فی جمیع العلل والمعلولات، فکلّ علّة تؤثّر فی معلولها بإرادة الله تعالى، فالنار مثلا لا تحرق بل إرادته محرقة مقارنة لإلقاء شیء فی النار.

وبعبارة اُخرى: عادة الله جرت على إیجاد کلّ معلول عند وجود علّته، وبعبارة ثالثة: صدور الفعل من الله یقترن دائماً بإرادة الإنسان، فالإحراق هو فعل الله مباشرةً ولکنّه یفترن بنحو الصدفة الدائمیة بالنار.

والمادّیون یقولون: أنّ فعل الإنسان معلول کسائر المعلولات فی عالم الطبیعة یتحقّق فی الخارج جبراً وقهراً من دون أن یکون اختیاریّاً، والاختیار مجرّد توهّم وخیال یرجع فی الواقع إلى عدم تشخیص العلل الخفیّة المؤثّرة فی وجود الفعل کالمحیط والوراثة والغریزة.

وهذه مسألة لها جذور تاریخیة قدیمة بل هی من أقدم المسائل التاریخیة، تمتد إلى حیث بدایة الإنسان، فإنّ الإنسان من بدو وجوده کان یرى نفسه متردّداً بین الأمرین، فمن جانب کان یرى عدّة من العوامل الخارجیّة تؤثّر فی أفعاله وإرادته، ومن جانب اُخرى یرى فرقاً بینه وبین الحجر الذی یسقط من الفوق على الأرض، فقال قوم بالاختیار، وقال قوم بالجبر.

استدلّ الطائفة الاُولى من الجبریین على مذهبهم بوجوه:

الوجه الأوّل: أنّه لا شکّ فی أنّ الله تعالى مرید، وإرادته نافذة فی کلّ الأشیاء، ولا حدّ لارادته، ولا یوجد شیء فی عالم الوجود من دون إرادته، ومن جملة الأشیاء جمیع أفعال العباد، فهی أیضاً تحت نفوذ إرادته، وإلاّ یلزم تخلّف إرادته عن مراده أو خروج أفعال العباد عن سلطانه، فإذا تعلّقت إرادته بعصیان العبد أو اطاعته لا یمکن للعبد التخلّف عنه فإنّه إذا أراد الله شیئاً فإنّما یقول له کن فیکون، ولا یقال أنّ هذه إرادة تشریعیّة له، بل إرادته التکوینیّة نافذة فی کلّ شیء ومحیطة على کلّ شیء ولا یوجد شیء فی هذا العالم إلاّ بهذه الإرادة.

هذا ملخّص کلامهم فی الدلیل الأوّل الذی یمکن تمسیته بإسم توحید الإرادة وشمولها.

والجواب عنه: أنّا ننکر نفوذ إرادته تعالى فی جمیع الأشیاء، بل نقول أنّ من الأشیاء التی تعلّقت مشیئته وإرادته بها هو کون العبد مختاراً فی أفعاله، فهو أراد واختار أن یکون العبد مریداً ومختاراً، وحینئذ لازم عدم کون الإنسان مختاراً تخلّف إرادته عن مراده وعدم نفوذ إرادته ومشیّته فی جمیع الأشیاء، وهو خلف.

وبعبارة اُخرى: المؤثّر فی تحقّق الأفعال فی الخارج ارادتان: إرادة العبد وإرادة الله، ولکن إرادة العبد فی طول إرادة الله، فلا تنافی إطلاق سلطنته ونفوذ مشیّته فی جمیع الأشیاء، فالله یرید کون العبد مختاراً فی أفعاله، والعبد یرید الفعل باختیاره وإرادته.

الوجه الثانی: ما یشبه الدلیل الأوّل، ولکنّه من طریق آخر وهو وصف الخالقیة، ببیان إنّ الله تعالى خالق لکلّ شیء، ولا شریک له فی خالقیته لجمیع الأشیاء التی فالله أفعال العباد هو الخالق لأفعال الإنسان لا أنّ الإنسان هو خالق لها (وهذا دلیل عموم الخلقة وتوحیدها).

والجواب عنه: یشبه الجواب عن الوجه السابق، وهو أنّ خلق العبد أفعاله أیضاً یکون ناشئاً من إرادته وخالقیته، فإنّه تعالى خلق للعبد إرادة خالقة وجعله قادراً على الخلق والإیجاد فی أفعاله، فخلق العبد فی طول خلق الله، وقدرته على الخلق فی طول قدرته، فالله تبارک وتعالى خالق بالذات ومستقلا، والعبد خالق بالغیر وفی طول خلقه، وخلقه مستند إلى خلقه، وهذا لا یعدّ شرکاً بل هو عین التوحید.

الوجه الثالث: دلیل العلم، وبیانه أنّ الله تعالى کان عالماً بأفعال العباد خیرها وشرّها وطاعتها ومعصیتها بتمام خصوصّیاتها من الأزل ولا بدّ من وقوعها مطابقة لعلمه (سواء کان علمه علّة لها أو کاشفاً عنها) وإلاّ یلزم أن یصیر علمه جهلا، فنحن مجبورون فی أفعالنا حتّى لا یلزم هذا المحذور الفاسد (وهذا ممّا ظهر فی لسان بعض الأشعار کقول الشاعر الفارسی: «گر مى نخورم علم خدا جهل شود» أی لو لم أشرب الخمر لکان علمه تعالى جهلا لأنّه کان یعلم من الأزل أنّی أشرب الخمر!

والجواب عنه أیضاً واضح، لأنّه تعالى کان یعلم من الأزل أنّ العبد یصدر منه الفعل باختیاره وإرادته (أی إرادة العبد) فلو صدر منه الفعل جبراً لزم صیرورة علمه تعالى جهلا، لأنّه کان یعلم بصدوره عن اختیاره، ولذا قال الشاعر الفارسی العالم الخبیر فی الجواب عن الشعر السابق «علم ازلى علت عصیان گشتن ـ نزد عقلا ز غایت جهل بود»، وهذا نظیر نسخة المریض التی یکتبها الطبیب لرفع مرضه مع أمره باجتنابه عن بعض المأکول أو المشروب، فلو فرضنا أنّ الطبیب علم من بعض القرائن عدم امتثاله وارتکابه لما نهى عنه وبالنتیجة دوام مرضه وموته، فهل یمکن حینئذ أن یستند موت المریض إلى علم الطبیب؟ وهکذا إذا علم الاُستاذ الممتحن عدم نجاح تلمیذه فی الامتحان من بعض القرائن من قبل، فهل یصحّ أن یستند عدم نجاحه إلى علم الاُستاذ؟ أو فرضنا اختراع آلة ینعکس فیها جمیع أفعال العباد والحوادث الآتیة فهل یجوز استناد جمیع تلک الحوادث إلى تلک الآلة؟ کلاّ، فإنّ علم الباری تعالى بأفعال عباده من هذا الباب.

والإنصاف أنّ هذا الدلیل أشبه شیء بالمغالطة، وسیأتی أنّ المیل إلى مذهب الجبر لیس له دلیل فلسفی برهانی، بل له جذور أخلاقیّة أو اجتماعیّة أو نفسانیّة، وأنّ الإنسان یمیل إلیه ویلتزم به لأن یکون مستریحاً فی المعاصی فی مقابل وجدانه القاضی بعصیانه والحاکم باستحقاقه للمذمّة والعقاب، وقد قال الله تعالى فی حقّ منکری القیامة: (بَلْ یُرِیدُ الاِْنسَانُ لِیَفْجُرَ أَمَامَهُ)(1) وهکذا حال منکری الاختیار المتمسّکین بمذهب الجبر.

هذا کلّه ما استدلّ به الجبریون المعتقدون بالله.

وهناک وجوه اُخرى للقول بالجبر یشترک فیها کلتا الطائفتین الالهیّون والمادّیون:


1. سورة القیامة: الآیة5.

 

بقی هنا أمرانالوجه الأوّل: برهان التکرار
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma