الثالث: تقسیم الواجب إلى النفسی والغیری

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوَار الاُصُول (الجزء الأول)
بقی هنا شیءالأمر الأوّل: هل أنّ هنا واجباً آخراً

وقد عرّف الأصحاب الواجب النفسی بأنّه عبارة عن ما أمر به لنفسه، والغیری بأنّه عبارة عن ما أمر به لغیره.

وهیهنا إشکال معروف وهو أنّ هذا التعریف یوجب کون جلّ الواجبات غیریّة لأنّها إنّما وجبت لغیرها وهو المصالح التی تترتّب علیها، فینحصر الواجب النفسی فی مثل معرفة الله تعالى حیث إنّها مطلوبة لذاتها.

ولعلّ هذا أوجب عدول المحقّق الخراسانی(رحمه الله) من التعریف المشهور إلى قوله فی الکفایة: «فإن کان الداعی فیه هو التوصّل به إلى واجب لا یکاد التوصّل بدونه إلیه لتوقّفه علیه فالواجب غیری وإلاّ فهو نفسی، سواء کان الداعی محبوبیّة الواجب بنفسه کالمعرفة بالله أو محبوبیته بما له من فائدة مترتّبة علیه کأکثر الواجبات من العبادات والتوصّلیات».

ولکنّه أورد علیه أخیراً بما حاصله: أنّ أکثر الواجبات النفسیّة التی أمر بها لأجل ما فیها من الخواصّ والفوائد على هذا تکون واجبات غیریّة، فإنّ تلک الفوائد لو لم تکن لازمة واجبة لما دعت المولى إلى إیجاب ذی الفوائد فینطبق حینئذ على أکثر الواجبات النفسیّة تعریف الغیری.

ثمّ ذکر فی مقام دفع هذا الإیراد وتصحیح التعریف ما حاصله: إنّ الخواص والفوائد المترتّبة على أکثر الواجبات النفسیّة وإن کانت لازمة قطعاً ولکنّها حیث کانت خارجة عن تحت قدرة المکلّف لم یصحّ تعلّق التکلیف بها لتکون واجبة وینطبق على أکثر الواجبات النفسیّة تعریف الغیری.

وأجاب عنه: بأنّ الفوائد وإن کانت بنفسها خارجة عن تحت القدرة ولکنّها مقدورة للمکلّف بالواسطة، وهی تکفی فی صحّة تعلّق التکلیف بها فإنّ القدرة على السبب قدرة على المسبّب، ولذا قد یؤمر بالتطهیر والتملیک والطلاق إلى غیر ذلک من المسبّبات التی هی خارجة بنفسها عن تحت القدرة.

ثمّ صحّحه بطریق آخر وحاصله: أنّ الواجب النفسی معنون بعنوان حسن فی نفسه ولم یؤمر به إلاّ لحسنه الکذائی وإن کان مقدّمة لواجب آخر، أی لما یترتّب علیه من الخواصّ والفوائد اللازمة الواجبة، والواجب الغیری ما أمر به لأجل واجب آخر وإن کان معنوناً بعنوان حسن فی نفسه کما فی الطهارات الثلاثة (انتهى).

واستشکل علیه المحقّق النائینی (رحمه الله): بأنّ «حسن الأفعال المقتضى لایجابها إن کان ناشئاً من کونها مقدّمة لما یترتّب علیها من المصالح فإشکال لزوم کون جلّ الواجبات واجبات غیریّة قد بقی على حاله، وإن کان الحسن ثابتاً لها فی حدّ ذواتها مع قطع النظر عن ما یترتّب علیها من المصالح فلازمه أن لا یکون الوجوب المتعلّق بها متمحّضاً فی النفسیّة ولا فی الغیریّة لثبوت ملاکهما حینئذ کما فی أفعال الحجّ فإنّ المتقدّم منها واجب لنفسه ومقدّمة للمتأخّر فلا یکون وقع للتقسیم حینئذ أصلا»(1).

ثمّ أجاب المحقّق المذکور عن أصل الإشکال بأنّ «الأفعال بالإضافة إلى ما یترتّب علیها من المصالح من قبیل المعدّات التی یتوسّط بینها وبین المعلول اُمور غیر اختیاریّة، فلا یمکن تعلّق الإرادة التکوینیّة بها، فکذلک التشریعیّة لما بیّنا من الملازمة بینهما إمکاناً وامتناعاً، فهی من قبیل الدواعی لتعلّق الإرادة بالأفعال لا أنّها بأنفسها تحت التکلیف حتّى یکون الأمر المتعلّق بالأفعال مترشّحاً من الأمر المتعلّق بها، وما قیل من أنّها مقدورة بالواسطة ولا فرق فی القدرة بین أن تکون بلا واسطة وأن تکون بالواسطة قد عرفت ما فیه من أنّه إنّما یتمّ فی الأفعال التولیدیّة لا فی العلل المعدّة»(2).

أقول: یمکن النقاش فی جمیع ما ذکر، أمّا ما ذکره المحقّق الخراسانی(رحمه الله)بعنوان الحلّ النهائی للاشکال من أنّ الواجب النفسی معنون بعنوان حسن فی نفسه، ففیه: أنّه لا تتصوّر عبادة یکون لها حسن ذاتی مع قطع النظر عن المصالح التی تترتّب علیها بعد تعلّق الأمر بها التی هی عبارة عمّا ورد فی قوله(علیه السلام): «فرض الله الإیمان تطهیراً من الشرک والصّلاة تنزیهاً عن الکبر والصّیام ابتلاءً لاخلاص الخلق والحجّ تقویة للدین والجهاد عزّاً للإسلام»(3) وغیر ذلک من نظائره، حتّى فی مثل السجود والرکوع حیث إنّا لا نعقل لحسنهما معنىً غیر ما یترتّب علیهما من المصالح من تربیة النفوس والقرب إلى الله، نعم أنّه یتصوّر فی مثل معرفة الله وغیرها من أشباهها.

وبهذا یظهر ما فی کلام بعض الأعلام فی المحاضرات حیث إنّه سلّم وجود حسن ذاتی فی مثل السجود والرکوع مع قطع النظر عن تعلّق الأمر به.

وأمّا ما أفاده المحقّق النائینی(رحمه الله) من أنّ أفعال الواجبات بالإضافة إلى ما یترتّب علیها من المصالح من قبیل المعدّات لا الأسباب.

ففیه: أنّه مخالف لظواهر الآیات والرّوایات، حیث إنّ ظاهرها أنّ الصّلاة مثلا بنفسها مع جمیع اجزائها وشرائطها علّة للتنزیه عن الکبر أو للنهی عن الفحشاء والمنکر، وهکذا الصّوم بالنسبة إلى الاخلاص، والجهاد بالنسبة إلى العزّة، والحجّ بالنسبة إلى تقویة الدین، ولا أقلّ من أنّها مقتضیة تؤثّر أثرها مع اجتماع شرائطه لا أنّها معدّات لإفاضة تلک المصالح من جانب الله تعالى.

فالأولى فی الجواب أن یقال: إنّ المصالح التی تترتّب على الأفعال اُمور خارجة عن دائرة علم المکلّفین بتفاصیلها، وبالتبع خارجة عن دائرة قدرتهم بل أنّها معلومة للمولى وتکون دواعی لأوامره، وحینئذ لا یعقل تکلیف العباد بتحصیلها ولا محالة تکون فوق دائرة الأمر لا تحته.

ویشهد لما ذکرنا اُمور:

الأمر الأوّل: ما اُشیر إلیه من أنّ العبد غالباً یکون جاهلا بتفاصیل المصالح التی تترتّب على الأحکام، فهو یعلم إجمالا بوجود رابطة بین الصّلاة مثلا والنهی عن الفحشاء وإنّ الصّیام جنّة من النار، وأمّا الجزئیات والخصوصیّات فهی مجهولة له بل قد لا یعلم بعض المصالح لا تفصیلا ولا إجمالا کجعل صلاة الصبح رکعتین، هذا مضافاً إلى کون المصلحة فی کثیر من مواردها لیست دائمیة وبمنزلة العلّة بل بصورة الأغلبیة وبمثابة الحکمة کعدم اختلاط المیاه فی وجوب الأخذ بالعدّة.

الأمر الثانی: أنّ المصلحة قد تکون فی نفس الأمر والإنشاء ولا مصلحة فی متعلّقه کما فی الأوامر الامتحانیّة فی الشرع ونظیر الأوامر التی تصدر من جانب الموالی العرفیّة أو الاُمراء عند نصبهم لمجرّد تثبیت المولویّة أو الأمارة.

الأمر الثالث: أنّ المصلحة قد لا تترتّب على فعل مکلّف خاصّ حتّى یؤمر بتحصیلها بل أنّها تترتّب على أفعال جماعة من المکلّفین بل قد تترتّب على أفعال أجیال منهم نظیر أمر الإمام(علیه السلام) فی تلک الرّوایة المعروفة بکتابة الأحادیث للأجیال القادمة فی غیبة الإمام (علیه السلام)، فإنّ المصلحة التی تترتّب على هذا الأمر تظهر بعد مضیّ مدّة طویلة من الزمان، نسلاً بعد نسل، وجماعة بعد جماعة.

نعم مع ذلک کلّه قد یبیّن المولى شیئاً من المصالح لمجرّد تشویق العباد وإیجاد الرغبة والداعی فیهم إلى إتیان التکالیف نظیر قوله تعالى «إنّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنکر» ونظیر جمیع الرّوایات التی وردت فی باب علل الشرائع.

إن قلت: إن لم تکن المصالح داخلة فی دائرة الحکم الشرعی للمکلّف فکیف یقال بوجوب حفظ الغرض فی کلماتهم کما مرّ کراراً فی الأبحاث السابقة؟

قلنا: المراد من الغرض الواجب تحصیله فی هذا التعبیر إنّما هو نفس المأمور به قبل تعلّق الأمر به أو شبه ذلک لا الآثار والمصالح المترتّبة علیه، فالغرض من الحجّ مثلا (الذی تمسّکنا فی إثبات وجوب مقدّماته المفوتة فیه من قبیل تهیئة الزاد والراحلة بوجوب حفظ الغرض) إنّما هو نفس مناسک الحجّ التی لا یرضى الشارع بترکها لا ما یتربّ علیها من المصالح.

وممّا ذکرنا ظهر أنّ تعریف المشهور للواجب النفسی والغیری ممّا لا غبار علیه، وإنّ ما اُورد علیه من الإشکال المعروف لیس بوارد، فالواجب النفسی هو ما أمر به لنفسه، والغیری ما أمر به للوصول إلى واجب آخر.

ثمّ إنّه إذا شکّ فی واجب أنّه نفسی أو غیری کما إذا شکّ فی أنّ غسل الجنابة واجب نفسی مطلوب لنفسه أو أنّه واجب لأجل واجب آخر کالصّلاة والصّیام؟ فما هو مقتضى الأصل اللّفظی والعملی؟

وقد مرّ إجمال البحث عنه فی الفصل الخامس من مبحث الأوامر، وقلنا هناک أنّ موضعه الأصلی هو البحث فی تقسیمات الواجب:

فنقول: أمّا الأصل اللّفظی فقد ذهب المحقّق الخراسانی(رحمه الله) إلى أنّ مقتضى إطلاق صیغة الأمر کون الواجب نفسیاً لا غیریّاً، لأنّه لو کان شرطاً لغیره لوجب التنبیه علیه على المتکلّم الحکیم فی مقام البیان.

وقد أورد علیه أوّلا: إنّ الصیغة موضوعة لمصادیق الطلب الحقیقی المنقدح فی نفس الطالب لا لمفهوم الطلب فإنّ الفعل لا یتّصف بالمطلوبیّة إلاّ بواسطة تعلّق واقع الإرادة وحقیقتها علیه لا بواسطة مفهومها، ومن المعلوم أنّ الفرد من الطلب الحقیقی المنقدح فی نفس الطالب جزئی لا یعقل فیه التقیید والإطلاق، فلا معنى للتمسّک بإطلاق الصیغة لکون الواجب نفسیاً لا غیریّ(4).

ولکن اُجیب عنه: إنّ مفاد الهیئة لیس الأفراد بل هو مفهوم الطلب لأنّ الطلب الحقیقی من الصفات الخارجیّة کالشجاعة والجود ونحوهما لا الاُمور الاعتباریّة کالزوجیّة والملکیّة وغیرهما ممّا یقبل الإنشاء بالصیغة (نعم إنّ منشأ الطلب الإنشائی ربّما یکون هو الطلب الحقیقی) ومن المعلوم أنّ مفهوم الطلب الإنشائی ممّا یقبل التقیید والإطلاق، فقد وقع الخلط بین المفهوم والمصداق.

أقول: یرد علیه ما مرّ فی اتّحاد الإرادة والطلب من أنّ الطلب لیس قائماً بالنفس بل القائم بها هو الإرادة وهی غیر الطلب، وأمّا الطلب فالحقیقی منه عبارة عن التصدّی الخارجی نحو المطلوب، والإنشائی منه إنّما هو بعث الغیر واغرائه إلى المطلوب ولا إشکال فی أنّ البعث إیجاد والإیجاد أمر جزئی حقیقی لا یقبل الإطلاق والتقیید.

والأولى فی الجواب عن الإشکال أن یقال: إنّ الجزئی وإن استحال تقییده بعد تحقّقه فی الخارج إلاّ أنّه لا ریب فی إمکان تقییده وتضییقه قبل الإیجاد من باب «ضیق فم الرکّیة».

وأورد على التمسّک بالاطلاق ثانیاً: بأنّ «المعانی الحرفیّة وإن کانت کلّیة إلاّ أنّها ملحوظة بتبع لحاظ متعلّقاتها أعنی المعانی الاسمیة لکونها قد إتّخذت آلة لملاحظة أحوال المعانی الاسمیة، وما کان هذا شأنه فهو دائماً مغفول عن ملاحظته بخصوصه، وعلیه فکیف یعقل توجّه الإطلاق والتقیید إلیه؟ لاستلزامه الالتفات إلیه بخصوصه فی حال کونه مغفولا عنه بخصوصه وهذا خلف»(5).

والجواب عنه واضح وذلک لما مرّ فی مبحث المعانی الحرفیّة من أنّ المعانی الحرفیّة تابعة للمعانی الاسمیة فی الوجود الذهنی والخارجی، وهو لا یلازم کونها مغفولا عنها بل أنّها قد تصیر ملحوظة وملتفتاً إلیها بتمام اللحاظ والتوجّه، نظیر ما نقل عن المحقّق نصیر الدین الطوسی(رحمه الله) حیثما حضر فی محضر درس المحقّق(رحمه الله) صاحب الشرائع وأفتى المحقّق باستحباب التیاسر فی القبلة لأهل العراق فسأله المحقّق الطوسی(رحمه الله): التیاسر من القبلة أو إلى القبلة؟ فأجاب المحقّق(رحمه الله) بقوله: «من القبلة إلى القبلة»، فلا مانع من إطلاق المعنى الحرفی وتقییده من هذه الناحیة أیضاً.

هذا کلّه بالنسبة إلى الأصل اللّفظی، فقد تحصّل أنّ التمسّک بالاطلاق تامّ.

أمّا الأصل العملی فیما إذا لم یکن هناک إطلاق فیتصوّر له ثلاث صور:

الصورة الاُولى: ما إذا شککنا فی النفسیّة والغیریّة قبل مجیء وقت ما یحتمل کون المشکوک مقدّمة له، کما إذا شککنا قبل الظهر فی أنّ غسل الجنابة واجب نفسی أو غیری للصّلاة، فلا إشکال فی أنّ الأصل فی هذه الصورة إنّما هو البراءة، فإنّه إن کان غیریّاً لم یجب الإتیان به لعدم وجوب ذی المقدّمة فعلا.

الصورة الثانیّة: ما إذا شککنا فیها بعد مجیء وقت ما یحتمل کون المشکوک مقدّمة له وبعد فعلیّة وجوبه، فالأصل فیه أیضاً هو البراءة عن وجوب إتیانه قبل إتیان ذی المقدّمة، لأنّ الشکّ یرجع إلى الشکّ فی وجوب إتیانه قبل ذی المقدّمة، أی یرجع إلى الشکّ فی الشرطیّة، أعنی شرطیّة الغسل للصّلاة مثلا، والأصل فیه هو البراءة، نعم یجب الإتیان بهذا الواجب على کلّ حال للعلم بوجوبه حینئذ، إمّا لنفسه أو لغیره.

الصورة الثالثة: ما إذا جاء وقت ما یحتمل کونه ذا المقدّمة ومضی وقته کما إذا صارت المرأة حائضاً بعد دخول وقت الصّلاة بعد أن کانت جنباً، فلا نعلم أنّ غسل الجنابة واجب غیری حتّى یظهر سقوط وجوبه بسقوط وجوب الصّلاة أو أنّه واجب نفسی حتّى یکون باقیاً على وجوبه؟

لا إشکال فی أنّ الأصل هو الاستصحاب حیث إنّ الشکّ هنا یرجع إلى الشکّ فی سقوط وجوب ثبت من قبل، والأصل بقاؤه (بناءً على قول القائلین بجریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة).


1. أجود التقریرات: ج1، ص167.
2. أجود التقریرات: ج1، ص167.
3. نهج البلاغة: ح252.
4. مطارح الأنظار: ص67، الهدایة: 11 من وجوب مقدّمة الواجب.
5. حکاه فی بدائع الأفکار: ج1، ص373.

 

بقی هنا شیءالأمر الأوّل: هل أنّ هنا واجباً آخراً
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma