المختار فی حلّ مشکلة الإرادة على مذهب الاختیار

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوَار الاُصُول (الجزء الأول)
الوجه الرابع: برهان الإرادةأدلّة القائلین بالاختیار

الحقّ فی المسألة أن یقال: إنّ هناک أمرین:

1 ـ صفة الاختیار وقوّته التی تکون ذاتیّة للإنسان، ومقتضى هذه الصفة هی کون الإنسان بالنسبة إلى أفعاله على نحو سواء بحیث إنّ شاء فعل وإن شاء ترک.

2 ـ الاختیار الفعلی، وهو نفس الإرادة والانتخاب فی الخارج والتصدّی للعمل.

فإنّه بعد تصوّر الإنسان لفعل وتصدیق الفائدة فیه وحصول الشوق المؤکّد له ترد صفة الاختیار فی میدان العمل وتنتخب الفعل أو الترک.

وإن شئت قلت: ترد النفس فی میدان العمل بصفة الاختیار وقوّته التی تکون من شؤونها وذاتیاتها فترید الفعل أو الترک وتنتخب أحدهما.

ولازم هذا أن تکون الإرادة نفس الاختیار، ولکن ـ الاختیار الفعلی لا صفة الاختیار أی الاختیار بالقوّة.

توضیح ذلک: أنّ الإنسان یکون بفطرته وذاته طالباً للمنفعة ودافعاً للضرر، أی من غرائزه الفطریّة الجبلیة غریزة طلب المنفعة ودفع الضرر، وبمقتضى هذه الغریزة إذا لاحظ شیئاً والتفت إلى منفعة أو ضرر، أی إذا تصوّر أحدهما وصدّقه یحصل فی نفسه شوق إلى تحصیل المنفعة أو دفع الضرر، ومع ذلک یرى نفسه قادراً على الجلب وعدمه، أو على الدفع وعدمه، وأنّ له أن یتحرّک ویجلب المنفعة أو یدفع الضرر، وله أن یجلس ویتحمّل الضرر أو یحرم نفسه عن المنفعة ویشتری المذمّة والملامة، فإذا اختار الفعل وانتخبه وأراده ورجّحه على الترک تتحرّک عضلاته نحو العمل فیفعله ویحقّقه فی الخارج.

وبهذا یظهر أنّ التصوّر والتصدیق والشوق کثیراً ما تکون جبریّة غیر اختیاریّة، فإنّ التصوّر کثیراً ما یحصل للإنسان جبراً بمعونة حواسّه وادراکاته، ویترتّب علیه التصدیق فیکون التصدیق أیضاً جبریّاً غالباً ویترتّب على التصدیق الشوق أو الکراهة بمقتضى غریزة جبریّة وهی غریزة جلب المنفعة ودفع الضرر.

ثمّ تصل النوبة بعد هذه إلى أعمال النفس واختیارها وارادتها بمقتضى سلطانه الذاتی وقوّة الاختیار وقدرة الانتخاب التی جعلها الله تعالى لذاتها، فلها أن تختار وتنتخب، ولها أن لا تختار ولا تنتخب.

ثمّ إذا اختارت وانتخبت تصل النوبة إلى حرکة العضلات نحو العمل، والإرادة عین هذا الاختیار الفعلی والانتخاب الخارجی، هذا أوّلا.

وثانیاً: ظهر أنّ الإرادة لیست فی طول الشوق المؤکّد بلا تخلّل شیء، بل صفة الاختیار متخلّلة بینهما، والشاهد على ذلک أنّ الإنسان کثیراً ما یتصوّر شیئاً ذا منفعة وفائدة ویصدّق فائدته ویشتاق إلیه، ولکن مع ذلک لا یتصدّى له فی الخارج ولا تترشّح من النفس إرادة العمل لما یکون لها من صفة الاختیار وقوّته، وحینئذ نشاهد تخلّل صفة الاختیار بین الشوق والإرادة.

وبهذا تنحلّ مشکلة عدم اختیاریّة الإرادة، فإنّه إذا کانت الإرادة عبارة عن الاختیار الخارجی الفعلی والتصدّی فی الخارج بمقتضى صفة الاختیار الذاتیّة للإنسان کانت إرادیّة، وإرادیتها إنّما تکون بذاتها لا بقوّة اختیاریّة اُخرى حتّى یتسلسل.

وإن شئت قلت: إنّ إرادیّة کلّ فعل إنّما هی بالإرادة، وإرادیّة الإرادة إنّما هی بصفة الاختیار الکامنة فی النفس، وإرادیّة صفة الاختیار واختیاریتها إنّما هی بذاتها فإنّ کلّ ما بالعرض ینتهی إلى ما بالذات، وذلک مثل أنّ المعلوم یکون معلوماً بتعلّق العلم به، والعلم معلوم بذاته لا یتعلّق علم آخر به.

یبقى الکلام فی توضیح نکتة أنّ الإرادة کیف تترشّح وتنشأ من صفة الاختیار الکامنة فی النفس وأنّ النفس تخلقها وتوجدها بذاتها وبلا وسائط اُخرى خارجیّة، فنذکر فی هذا المجال ما أفاده فی رسالة الطلب والإرادة، ونعم ما أفاد، فإنّه جدیر بالدقّة والتأمّل وإلیک نصّ کلامه: «اعلم أنّ الأفعال الاختیاریّة الصادرة من النفس على نوعین:

النوع الاوّل: ما یصدر منها بتوسّط الآلات الجرمانیّة کالکتابة والصیاغة والبناء ففی مثلها تکون النفس فاعلة الحرکة أوّلا وللأثر الحاصل منها ثانیاً وبالعرض، فالبنّاء، إنّما یحرّک الأحجار والأخشاب من محلّ إلى محلّ ویضعها على نظم خاصّ وتحصل منه هیئة خاصّة بنائیّة ولیست الهیئة والنظم من فعل الإنسان إلاّ بالعرض، وما هو فعله هو الحرکة القائمة بالعضلات أوّلا وبتوسّطها بالأجسام، وفی هذا الفعل تکون بین النفس المجرّدة والفعل وسائط ومباد من التصوّر إلى العزم وتحریک العضلات.

النوع الثانی: ما یصدر منها بلا وسط أو بوسط غیر جسمانی کبعض التصوّرات التی یکون تحقّقها بفعّالیّة النفس وإیجادها لو لم نقل جمیعها کذلک، مثل کون النفس خلاّقة للتفاصیل، ومثل اختراع نفس المهندس صورة بدیعة هندسیّة، فإنّ النفس مع کونها فعّالة لها بالعلم والإرادة والاختیار لم تکن تلک المبادىء حاصلة بنحو التفصیل کالمبادىء للأفعال التی بالآلات الجسمانیّة، ضرورة أنّ خلق الصور فی النفس لا یحتاج إلى تصوّرها والتصدیق بفائدتها والشوق والعزم وتحریم العضلات، بل لا یمکن توسیط تلک الوسائط بینها وبین النفس بداهة عدم إمکان کون التصوّر مبدئاً للتصوّر بل نفسه حاصل بخلاّقیّة النفس، وهی بالنسبة إلیه فاعلة بالعنایة بل بالتجلّی لأنّها مجرّدة، والمجرّد واجد لفعلیات ما هو معلول له فی مرتبة ذاته، فخلاّقیته لا تحتاج إلى تصوّر زائد بل الواجدیة الذاتیّة فی مرتبة تجرّدها الذاتی الوجودی تکفی للخلاّقیّة، کما أنّه لا یحتاج إلى إرادة وعزم وقصد زائد على نفسه.

إذا عرفت ذلک فاعلم: أنّ العزم والإرادة والتصمیم والقصد من أفعال النفس، ولم یکن سبیلها سبیل الشوق والمحبّة من الاُمور الانفعالیّة، فالنفس مبدأ الإرادة والتصمیم، ولم تکن مبدئیتها بالآلات الجرمائیّة بل هی موجدة لها بلا وسط جسمانی، وما کان حاله کذلک فی صدوره من النفس لا یکون بل لا یمکن أن یکون بینه وبینها إرادة زائدة متعلّقة، به بل هی موجدة له بالعلم والاستشعار الذی فی مرتبة ذاتها، لأنّ النفس فاعل إلهی واجد لأثره بنحو أعلى وأشرف»(1) (انتهى).

إن قلت: إن کانت النفس علّة تامّة وفاعلة للفعل باختیارها من دون دخالة شیء آخر من الخارج فلماذا صدر الفعل الفلانی منها فی الیوم دون الأمس مع أنّ المعلول لا ینفکّ عن علّته التامّة؟

قلنا: المفروض أنّ النفس بما لها من صفة الاختیار تکون علّة تامّة للفعل، ولا إشکال فی أنّ هذه الصفة تقتضی بذاتها تخصیص الفعل بوقت دون وقت، وهذا نظیر ما یقال به فی باب صفات الباری من أنّه تعالى مختار واختیاره عین ذاته، ولازمه تخصیص فعله (وهو خلق حادثة فلانیّة کخلق الشمس والقمر) بزمن خاصّ لا من الأزل.

والحاصل: أنّه یمکن قیاس فعل العبد من هذه الجهة على فعل الله، فهل العالم قدیم؟ لا إشکال فی حدوثه، فهل العلّة التامّة لوجوده هو ذات الباری بما له من الإرادة والاختیار بل
الإرادة والاختیار عین ذاته، فلماذا حصل الخلق وحدث بعد أن لم یکن؟ فهل کانت هناک علّة من الخارج؟ والمفروض أنّه لم یکن هناک شیء فما العلّة فی تخصیص حدوثه بوقت دون وقت؟

والجواب: أنّ ذاته تعالى بما له من الاختیار کان سبباً وعلّة، وهکذا الکلام فی أفعال العباد من هذه الجهة وإن کان یتفاوت مع أفعاله تعالى من جهات اُخرى.

ثمّ إنّ لبعض المعاصرین (قدّس سرّهم الشریف) هنا کلاماً لا یخلو ذکره عن فائدة، فإنّه قال فی حلّ مشکلة الإرادة وقاعدة «إنّ الشیء ما لم یجب لم یوجد» إنّ هذه القاعدة لو کانت قاعدة عقلیّة لم یکن هناک معنى للالتزام بالتخصیص فیها، لکن الصحیح أنّها لیست قاعدة عقلیّة مبرهنة بل هی قاعدة وجدانیّة، إذن فلابدّ من الرجوع فی هذه القاعدة إلى الفطرة السلیمة، والفطرة السلیمة تحکم أنّ هناک صفة فی النفس وهی السلطنة، وینتزع منها مفهوم الاختیار، ومعناها إنّه حینما یتمّ الشوق المؤکّد فی أنفسنا نحو عمل لا نقدم علیه قهراً ولا یدفعنا إلیه أحد بل نقدم علیه بالسلطنة، ونسبتها إلى الوجود والعدم وإن کانت متساویة لکنّها کافیة فی إیجاد المطلوب بلا حاجة إلى ضمّ شیء آخر إلیها لأجل تحقّق أحد الطرفین، فلا یجری فیه قاعدة «إنّ الشیء ما لم یجب لم یوجد» وإلاّ لزم الخلف، لأنّ السلطنة لو وجدت لا بدّ من الالتزام بکفایته(2). (انتهى ملخّصاً).

وفیه: إنّا لا نجد فرقاً بین مفهوم السلطنة والاختیار، وما ذکره لیس أمراً جدیداً فقد عبّر بالسلطنة بدل الاختیار کما عبّر بعض آخر بهجوم النفس (فإنّه عبارة اُخرى عن إعمال الاختیار أی الاختیار الفعلی) أو الطلب الموجود فی النفس فلو لم یکن وجود الاختیار کافیاً فی حلّ هذه المشکلة فالتعبیر عنه بعبارة اُخرى لا یفید فی حلّها أیضاً فإنّه یبقى السؤال فی أنّ هذه السلطنة متساویة النسبة إلى الوجود والعدم فترجیح أحد الطرفین یحتاج إلى مرجّح.

وإن شئت قلت: إنّ السلطنة کانت موجودة فی النفس من الأوّل، فلو کانت کافیة بذاتها للوجود بلا ضمّ شیء إلیها فلابدّ أن توجد الأفعال کلّها من قبل ولا معنى لتخصیص فعل بزمان دون زمان، فلا یبقى طریق لحلّ هذه المشکلة إلاّ ما عرفت سابقاً.


1. رسالة الطلب والإرادة للإمام الخمینی(قدس سره): ص108 ـ 109.
2. راجع، ج2، من تقریرات المحقّق الشهید محمّد باقر الصدر(رحمه الله)، ص36.

 

الوجه الرابع: برهان الإرادةأدلّة القائلین بالاختیار
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma