الأمر الأوّل: المعروف والمشهور أنّ دلالة الجمل الخبریّة على الوجوب آکد من دلالة صیغة الأمر، ببیان أنّها فی الحقیقة إخبار عن تحقّق الفعل بإدّعاء أنّ وقوع الامتثال من المکلّف مفروغ عنه.
ولکن الإنصاف أنّه من المشهورات التی لا أصل لها، فإنّ الجملة الخبریّة حیث إنّها فی مقام الکنایة عن الطلب تکون أبلغ فی الدلالة على الإنشاء کما فی سائر الکنایات فإنّها أبلغ فی بیان المقصود والدلالة على المطلوب من غیرها، لا أنّها آکد وأنّ الطلب المنشأ بها یکون أقوى وأشدّ، کما یشهد علیه الوجدان، فلا فرق بالوجدان بین قوله تعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ)وقولک «یغسلون وجوههم» من حیث شدّة الطلب وضعفه والأهمّیة وعدمها إلاّ أنّ الثانی أبلغ فی الدلالة على وجوب الغسل من باب أنّ الکنایة أبلغ من التصریح کما قرّر فی محلّه.
الأمر الثانی: ما أشرنا إلیه آنفاً من أنّ ملاک الصدق والکذب فی باب الکنایات إنّما هو صدق المعنى المکنّى عنه وکذبه، لا المدلول المطابقی والمعنى الموضوع له اللفظ، وحینئذ لا بأس بکثرة عدم وقوع المطلوب فی الخارج، وهی لا تلازم الکذب فی قول الله وأولیاؤه (تعالى الله وأولیاؤه عن ذلک علواً کبیراً).
إلى هنا تمّ الکلام فی الفصل الثانی من مبحث الأوامر.