بقی هنا شیء

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
أنوَار الاُصُول (الجزء الأول)
الرابع: تقسیم الواجب إلى الأصلی والتبعیثمرة القول بوجوب المقدّمة الموصلة

وهو ما أشرنا إلیه سابقاً من أنّه وقع النزاع فی تعیین مراد الشّیخ الأعظم(رحمه الله)، فهل مقصوده اعتبار قصد التوصّل قیداً فی المقدّمة کما هو الظاهر من کلماته وکان هو مدار البحث إلى هنا، أو أنّ مقصوده اعتباره فی مقام الامتثال وترتّب المثوبة (کما أیّده فی تهذیب الاُصول)(1) وأنّ من أراد التقرّب بالمقدّمة إلى الله تعالى وترتّب الثواب علیها فلیأت بها بقصد التوصّل بها إلى ذیها، وحینئذ لا إشکال فی صحّة ما إدّعاه حتّى بناءً على مبنى القائل بوجوب المقدّمة مطلقاً، حیث إنّه لا خلاف فی اعتبار قصد التوصّل فی مقام الطاعة لترتّب المثوبة، أو أنّ مراده ما ذکره المحقّق النائینی (رحمه الله) بعنوان احتمال ثالث فی کلامه، وهو اعتبار قصد التوصّل قیداً فی خصوص حال المزاحمة کما إذا کانت المقدّمة محرّمة، وقال أنّه تساعد علیه جملة من عبارات التقریر، وکان الاُستاذ المحقّق السیّد العلاّمة الإصفهانی (رحمه الله)ینسب ذلک إلى الشّیخ (رحمه الله) ولا نعلم أنّ نسبته هذه هل کانت مستندة إلى استظهار نفسه أو إلى سماعه ذلک من المحقّق سیّد أساتیذنا العلاّمة الشیرازی (رحمه الله) عن اُستاذه المحقّق العلاّمة الأنصاری (رحمه الله)»(2)؟ ولکن یرد علیه ما ذکره المحقّق النائینی (رحمه الله)فأنّه بعد تقریبه وتوجیهه بأنّ «المقدّمة إذا کانت محرّمة وتوقّف علیها واجب فعلی فغایة ما یقتضیه التوقّف المزبور فی مقام المزاحمة هو ارتفاع الحرمة عن المقدّمة فیما إذا أتى بها بقصد التوصّل، وأمّا مع عدم قصده فلا مقتضى لارتفاع حرمتها».

أورد علیه: بأنّ المزاحمة إنّما هی بین حرمة المقدّمة ووجوب ما یتوقّف علیه ولو لم نقل بوجوب المقدّمة أصلا، فالتزاحم إنّما هو بین وجوب إنقاذ المؤمن وحرمة التصرّف فی الأرض المغصوبة مثلا، فلا مناصّ عن الالتزام بارتفاع الحرمة لفرض کون الواجب أهمّ سواء فی ذلک القول بوجوب المقدّمة والقول بعدمه فاعتبار قصد التوصّل فی متعلّق الوجوب المقدّمی أجنبی عمّا به یرتفع التزاحم المذکور بالکلّیة»(3).

أقول: وما أفاده متین.

وجوب المقدّمة الموصلة

أمّا القول الرابع: هو ما ذهب إلیه صاحب الفصول من وجوب المقدّمة الموصلة، أی وجوب خصوص المقدّمة التی تنتهی إلى ذی المقدّمة (وقد کان یعتقد بأنّه ممّا لم یتفطّن له غیره) واستدلّ له بثلاثة وجوه:

الوجه الأوّل: أنّ العقل لا یدرک أزید من الملازمة بین طلب شیء وطلب مقدّماته التی فی سلسلة علّة وجود ذلک الشیء فی الخارج بحیث یکون وجودها فیه توأماً وملازماً لوجود الواجب، وأمّا ما لا یقع فی سلسلة علّته ویکون وجوده خارجاً مفارقاً عن وجود الواجب فالعقل لا یدرک الملازمة بین إیجابه وإیجاب ذلک أبداً، ونتیجته وجوب خصوص المقدّمة الموصلة.

الوجه الثانی: إمکان تقیید المقدّمة بقید الإیصال من جانب المولى وجداناً لأنّه بنفسه دلیل على انحصار حکم العقل فی المقدّمة الموصلة، وإلاّ لو کانت دائرة حکم العقل أوسع منها لم یمکن تقیید ما حکم به العقل.

الوجه الثالث: أنّ الواجب على المکلّف إنّما هو تحصیل غرض المولى فحسب، ولا إشکال فی أنّ غرضه من إیجاب المقدّمة هو الوصول إلى ذی المقدّمة، فیکون الواجب خصوص ما یوصله إلى ذی المقدّمة.

ولکن قد أورد علیه أیضاً باُمور:

الأمر الأوّل: أنّ العقل لا یفرّق بین الموصل وغیره لأنّ ما یتوقّف علیه الواجب خارجاً إنّما هو ذات المقدّمة، والملازمة ثابتة فی الخارج بین وجود ذاتها ووجود ذی المقدّمة.

الأمر الثانی: أنّ الغرض من إیجاب المقدّمة لیس هو الوصول إلى ذی المقدّمة بل إنّما هو التمکّن من الوصول، ومن المعلوم أنّ التمکّن من الوصول یترتّب على المقدّمة مطلقاً لا خصوص الموصلة منها.

وبعبارة اُخرى: إنّ المتوقّع من کلّ شیء ما یکون صدوره منه ممکناً، فالمتوقّع من نصب السلّم مثلا لیس هو الوصول إلى السطح لأنّه بمجرّده لا یوجب الوصول إلیه بل یتوقّع منه إمکان الوصول إلى السطح، کما أنّ المتوقّع من الوضوء إنّما هو التمکّن من الإتیان بالصّلاة، ولا إشکال فی أنّ هذا التمکّن یوجد فی جمیع المقدّمات فإنّ المکلّف بالوضوء یصیر قادراً على الصّلاة، سواء أتى به بنیّة الصّلاة أو لا؟

نعم، إنّه کذلک فی المقدّمات التولیدیّة حیث إنّ ما یترتّب علیها إنّما هو الوصول إلى ذی المقدّمة لا مجرّد التمکّن منه، لکن لیست المقدّمة فی محلّ النزاع منحصرة فی العلل التامّة والأسباب التولیدیّة.

الأمر الثالث: إذا أتى المکلّف بالمقدّمة ولم یأت بذی المقدّمة بعد فإمّا أن یسقط الأمر الغیری المتعلّق بها أو لا یسقط، لا مجال للثانی لأنّ بقاء الأمر الغیری على حاله مع حصول المقدّمة فی الخارج تحصیل للحاصل، وعلى الأوّل فإمّا أن یکون السقوط لأجل العصیان أو لفقد الموضوع أو لموافقة الخطاب وحصول الامتثال، والأول غیر حاصل لفرض الإتیان بالمقدّمة، وکذا الثانی لبقاء وجوب ذی المقدّمة، فیتعیّن الثالث وهذا هو المطلوب، إذ لو کان الواجب هو خصوص المقدّمة الموصلة لم یسقط الأمر الغیری، فالسقوط کاشف عن أنّ الواجب هو مطلق المقدّمة ولو لم توصل إلى ذیها.

أقول: یمکن الدفاع عن صاحب الفصول:

أوّلا: بأنّ للمولى نوعین من الغرض: غرض ابتدائی وهو التمکّن من الوصول إلى ذی المقدّمة، وغرض نهائی وهو الوصول إلى نفس ذی المقدّمة، فلیس الغرض منحصراً فی إمکان الوصول، فإذا تحقّق الأوّل بقی الثانی.

ثانیاً: صحیح أنّ المتوقّع من کلّ شیء لا بدّ أن یکون خصوص ما یترتّب علیه من الأثر وما یمکن صدوره منه، وأنّ المترتّب على إیجاد المقدّمة إنّما هو التمکّن من الوصول لا نفس الوصول، ولکن لا إشکال فی أنّ الوصول به إلى ذی المقدّمة یکون مقدوراً للمکلّف، فللمولى أن یطلب من المکلّف خصوص الوصول إلى ذی المقدّمة، وأنّ یکلّفه بخصوص مقدّمة توصّله إلى ذی المقدّمة، لأنّ ملاک صحّة التکلیف بشیء إنّما هو کونه مقدوراً للمکلّف وهو حاصل فی المقام.

ثالثاً: نحن لا نوافق سقوط الأمر بإیجاد مطلق المقدّمة مع عدم ترتّب ذی المقدّمة علیه بل إنّه باق على فعلیّته وداعویّته ما لم یأت بذی المقدّمة، أی أنّ بقاء داعویته مشروط بعدم الإتیان بذی المقدّمة على نحو الشرط المتأخّر، فإن أتى بذی المقدّمة یسقط الأمر بالمقدّمة عن داعویته، وما دام لم یأت بذی المقدّمة تکون الداعویّة باقیة على حالها، کما أنّه کذلک فی إجزاء الواجب النفسی بالنسبه إلى الأمر النفسی الضمنی المتعلّق بکلّ جزء جزء، فسقوطه عن الفعلیّة والداعویّة مشروطة بنحو الشرط المتأخّر بإتیان سائر الأجزاء وإن کان لا یجب تحصیل الحاصل، فما نحن فیه من هذه الجهة أشبه شیء بأجزاء الواجب النفسی.

ثمّ إنّه مضافاً إلى ما اُورد على صاحب الفصول من الإشکالات الثلاثة المزبورة ذکر بعضهم لمقالته ثلاثة توال فاسدة:

الأوّل: أنّ لازم مقالته کون ذی المقدّمة تابعاً فی وجوبه وعدمه لإرادة المکلّف فی المقدّمات المحرّمة، وهو واضح البطلان لأنّ لازمه عدم الوجوب عند عدم الإرادة.

وبیان الملازمة: إنّ انقاذ الغریق مثلا المتوقّف على الدخول فی الأرض المغصوبة إنّما یکون واجباً فیما إذا کان الدخول فی الأرض المغصوبة ممکناً، والدخول فی الأرض المغصوبة إنّما یصیر ممکناً فیما إذا کان مباحاً، وإباحته تتوقّف على کونه موصلا إلى ذی المقدّمة بناءً على وجوب خصوص المقدّمة الموصلة، والإیصال إلى ذی المقدّمة متوقّف على إرادة المکلّف الوصول إلیه، ونتیجته توقّف وجوب الانقاذ على إرادة المکلّف.

وبعبارة اُخرى: لو لم یرد المکلّف الوصول إلى ذی المقدّمة لم تکن المقدّمة موصلة قطعاً ومع عدم إیصالها تکون باقیة على حرمتها، ومع بقاء حرمتها تکون غیر ممکنة شرعاً، وإذا کانت المقدّمة غیر ممکنة یسقط ذو المقدّمة عن وجوبه، فوجوب ذی المقدّمة تابع لإرادة المکلّف.

ولکن یمکن الجواب عنه بأنّه مغالطة واضحة، لأنّ کلا من إیجاد ذی المقدّمة وإمکان المقدّمة معلول لعلّة واحدة، وهی إرادة المکلّف، أی إذا أراد المکلّف الوصول إلى ذی المقدّمة صارت المقدّمة مباحة ممکنة قطعاً فإباحتها وبالمآل الوصول إلى ذی المقدّمة متوقّف على إرادة المکلّف، ولا إشکال فی أنّ إرادته اختیاریّة ومقدورة له، ونتیجته أن یکون کلّ من المقدّمة وذی المقدّمة مقدوراً له بالواسطة، فیصحّ تکلیفه بإتیانهما.

الثانی: لزوم الدور، لأنّ مردّ هذا القول کون الواجب النفسی مقدّمة للمقدّمة لفرض أنّ ترتّب وجوده علیها قد اعتبر قیداً لها، فیلزم کون وجوب الواجب النفسی ناشئاً من وجوب المقدّمة وهو یستلزم الدور، فإنّ وجوب المقدّمة على الفرض إنّما نشأ من وجوب ذی المقدّمة فلو نشأ وجوبه من وجوبها لدار.

والجواب عنه أوّلا: إنّه من قبیل الدور المعی الذی لیس محالا عقلا حیث إنّ کلّ واحد من المقدّمة وذی المقدّمة یتوقّف على أمر ثالث وهو إرادة المکلّف فهما معلولان لعلّة واحدة.

وثانیاً: یمکن أن یقال: إنّ وجوب ذی المقدّمة لا یتوقّف على وجوب مقدّمته قطعاً، لأنّ المفروض أنّه واجب نفسی، نعم یلزم من وجوب المقدّمة الموصلة وجوب غیری آخر لذی المقدّمة زائداً على وجوبه النفسی ولا مانع منه، وهو جیّد.

الثالث: أنّه یستلزم محذور التسلسل، لأنّ الواجب إذا کان هو خصوص المقدّمة الموصلة، فبطبیعة الحال تکون المقدّمة مرکّبة من جزئین: ذات المقدّمة وقید الإیصال، وکلّ من هذین یکون مقدّمة لوجود المرکّب منهما، فننقل الکلام إلى هذین الجزئین، فهل هما واجبان مطلقاً، أو مع قید الإیصال؟ والأوّل خلاف الفرض، والثانی یوجب ترکّب کلّ من الجزئین من ذات وقید وهکذا إلى أن یتسلسل.

ویمکن الجواب عنه: بأنّ هذا مبنی على کون الأجزاء الداخلیّة مقدّمة للمرکّب مع أنّه قد أنکرناه سابقاً وقلنا أنّها عبارة عن نفس المرکّب لا مقدّمة له.

هذا ـ مضافاً إلى أنّ التسلسل ممتنع فی الاُمور التکوینیّة لا الاعتباریّة، فإنّها تدور مدار الاعتبار کلّما أمسک المعتبر من اعتبارها انتهت.

ولقد أجاد بعض الأعلام حیث قال: «والتحقیق فی المقام أن یقال: إنّ الالتزام بوجوب المقدّمة الموصلة لا یستدعی اعتبار الواجب النفسی قیداً للواجب الغیری أصلا، والسبب فی ذلک هو أنّ الغرض من التقیید بالایصال إنّما هو الإشارة إلى أنّ الواجب إنّما هو حصّة خاصّة من المقدّمة، وهی الحصّة الواقعة فی سلسلة العلّة التامّة لوجود الواجب النفسی دون مطلق المقدّمة، وبکلمة اُخرى: أنّ المقدّمات الواقعة فی الخارج على نحوین:

أحدهما: ما کان وجوده فی الخارج ملازماً لوجود الواجب فیه وهو ما یقع فی سلسلة علّة وجوده.

وثانیهما: ما کان وجوده مفارقاً لوجوده فیه وهو ما لا یقع فی سلسلتها، فالقائل بوجوب المقدّمة الموصلة إنّما یدّعی وجوب خصوص القسم الأوّل منهما دون القسم الثانی، وعلیه فلا یلزم من الالتزام بهذا القول کون الواجب النفسی قیداً للواجب الغیری، فإذن لا موضوع لإشکال الدور أو التسلسل أصلا»(4).

هذا کلّه فی القول الرابع.

امّا القول الخامس: وهو وجوب المقدّمة حال الإیصال، ذهب إلیه شیخنا الحائری والمحقّق النائینی والمحقّق العراقی(قدس سرهم) (کما مرّ) فإنّهم بعد أن لاحظوا حکم الوجدان بوجوب المقدّمة الموصلة ومن جانب آخر استلزام هذا الحکم محاذیر عقلیّة کالدور والتسلسل التجأوا إلى هذا القول تخلّصاً عن تلک المحاذیر مع اتّحاده بذلک القول فی الأثر، وهذا بنفسه أحد الوجهین اللّذین یمکن الاستدلال بهما لمقالتهم.

والوجه الثانی: ما أفاده المحقّق الحائری (رحمه الله) فی درره وهو أنّ الآمر بعد تصوّر المقدّمات بأجمعها یریدها بذواتها لأنّ تلک الذوات بهذه الملاحظة لا تنفک عن المطلوب الأصلی، ولو لاحظ مقدّمة منفکّة عمّا عداها لا یریدها جزماً، فإنّ ذاتها وإن کانت مورداً للإرادة لکن لمّا کانت المطلوبیّة فی ظرف ملاحظة باقی المقدّمات معها لم تکن کلّ واحدة مرادة بنحو الإطلاق بحیث تسری الإرادة إلى حال انفکاکها عن باقی المقدّمات»(5).

والحاصل: أنّ الواجب هو المقدّمة حین ملاحظة سائر المقدّمات أی حین لحاظ الإیصال إلى ذی المقدّمة لأنّ ملاحظة سائر المقدّمات تساوق ملاحظة الإیصال إلى ذی المقدّمة کما لا یخفى.

وقد ورد هذا المعنى ببیان آخر فی کلمات المحقّق النائینی(رحمه الله) أیضاً فإنّه بعد أن ناقش فی المقدّمة الموصلة على نحو یکون التوصّل قیداً للواجب قال: «لکن مع ذلک لا تکون الذات مطلقاً واجبة بل الذات من حیث الإیصال والمراد بالذات من حیث الإیصال هو الذات فی حال الإیصال، على وجه یلاحظ المقدّمة وذا المقدّمة توأمین، من دون أن یکون أحدهما قیداً للآخر، بل یلاحظ المقدّمة على ما هی علیها من وقوعها فی سلسلة العلّة، فإنّه لو کانت سلسلة العلّة مرکّبة من إجزاء فکلّ جزء إنّما یکون جزء العلّة إذا کان واقعاً فی سلسلة العلّة لا واقعاً منفرداً، فإنّ لحاظ حال إنفراده ینافی لحاظه جزءً للعلّة بل إنّما یکون جزء العلّة إذا لوحظ على ما هو علیه من الحالة، أی حالة وقوعه فی سلسلة العلّة من دون أن تؤخذ سائر الأجزاء قیداً له، ففی المقام یکون معروض الوجوب المقدّمی هی الذات لکن لا بلحاظ
إنفرادها ولا بلحاظ التوصّل بها بأن یؤخذ التوصّل قیداً بل بلحاظها فی حال کونها ممّا یتوصّل بها، أی لحاظها ولحاظ ذیها على وجه التوأمیّة»(6).

ولکن یمکن النقاش فیه أیضاً بأنّ الأحکام فی مقام الثبوت لا تخلو من أحد الأمرین، فإمّا أن تنشأ على نحو القضیّة المطلقة، أو على نحو القضیّة المشروطة المقیّدة، ولا شیء ثالث فی البین یسمّى بالحصّة التوأمة على بعض التعابیر، وبالقضیّة الحینیة على تعبیر آخر، لأنّه لا إهمال فی مقام الثبوت، فإنّ المولى إمّا أن یطلب الوضوء مثلا مع تقیّده بقید الإیصال فیکون من قبیل القضیّة المشروطة، أو لا یطلبه فی الواقع کذلک فیکون من قبیل القضیّة المطلقة، ولا نعقل شیئاً ثالثاً فی مقام الثبوت والواقع.

وقد یجاب عن هذه المناقشة بأنّه یمکن تصویر شقّ ثالث فی مقام الثبوت وهو ما قد یعبّر عنه بالتضیّق الذاتی فی المعلول بالنسبة إلى علّته، فإنّ کلّ نار مثلا لا توجد مطلق الحرارة بل إنّما توجد الحرارة المضیّقة بها نفسها، فالحرارة بالنسبة إلیها لا مطلقة وهو واضح، ولا مقیّدة لأنّ فی التقیید یکون القید والمقیّد فی رتبة واحدة، والحرارة معلولة للنار، والمعلول لیس فی رتبة علّته فلابدّ من القول أنّ الحرارة مضیّقة بالنار فی مرتبة الذات، وهکذا فی ما نحن فیه، فالوضوء لا مطلق بالنسبة إلى الصّلاة ولا مقیّد بها، لکونهما فی رتبتین، فیکون مضیّقاً بها بتضیّق ذاتی، ولعلّ هذا هو المراد من الحصّة التوأمة.

ولکن یمکن الجواب عنه أیضاً: بأنّ التضیّق الذاتی أمر مقبول فی باب العلّة والمعلول، وقد مرّ کراراً أنّ مثل المقام لیس من ذلک الباب، فإنّ العلّة لوجوب الوضوء إنّما هی إرادة المولى لا وجوب الصّلاة، بل وجوب الصّلاة من قبیل الداعی للمولى إلى إیجاب الوضوء فقیاس الوضوء، بالنسبة إلى الصّلاة بالحرارة بالنسبة إلى النار مع الفارق، ولا یمکن تصویر شقّ ثالث باسم التضیّق الذاتی فیه، بل یدور الأمر فیه بین الإطلاق والاشتراط کما عرفت، وحیث إنّه لیس من باب العلّة والمعلول فلا مانع من التقیید والاشتراط فیه، أی یقول المولى: إنّما اُرید هذا الوضوء مقیّداً بإیصاله إلى الصّلاة، فرجع الکلام بالمآل إلى المقدّمة الموصلة.

فتلخّص من جمیع ما ذکرنا أنّ جمیع الأقوال غیر تامّة إلاّ القول الرابع وهو مقالة صاحب الفصول.

فنقول: الحقّ فی المسألة هو هذا القول، أی وجوب المقدّمة الموصلة ویمکن أن یستدلّ له باُمور ثلاثة:

الأمر الأوّل: الوجدان، وهو العمدة، فإنّ الوجدان الفقهی فی المقدّمات المحرّمة حاکم بأنّ تبدیل حکم حرمة المقدّمة إلى جوازها بل وجوبها منحصر فیما إذا أوصل المکلّف إلى ذی المقدّمة، فمن دخل الدار المغصوبة ولم ینقذ الغریق فقد عصى، ومن دخلها وأنقذ الغریق فقد أطاع وامتثل حتّى فی ما إذا لم یکن من قصده الانقاذ، نعم إنّه تجری حینئذ على المولى فیعاقب على التجرّی بناءً على ترتّب العقاب علیه، کما أنّه إذا قصد الانقاذ ولم ینقذ لعذر فقد عصى ولم یمتثل أمر المولى فی الواقع ولکن لا یعاقب علیه لکونه معذوراً بحسب قصده واعتقاده، وبعبارة اُخرى: یترتّب على فعله مفسدة من دون المصلحة الراجحة ولکنّه معذور لعدم علمه بذلک.

الأمر الثانی: أنّ العقل لا یأبى عن النهی عن المقدّمة غیر الموصلة بأن یقول الآمر الحکیم مثلا، إنّی اُرید الحجّ واُرید المسیر الذی یتوصّل به إلیه ولا اُرید المسیر الذی لا یتوصّل به إلیه، فإنّ جواز هذا النهی عند العقل شاهد على أنّ الواجب هو خصوص المقدّمة الموصلة لأنّه لا تخصیص فی حکم العقل.

الأمر الثالث: تقیّد الغرض بالمقدّمة الموصلة، حیث إنّ الغرض وهو الوصول إلى ذی المقدّمة یترتّب على خصوص الموصلة کما مرّ، وأمّا قول المحقّق الخراسانی(رحمه الله) من أنّ الغرض هو التمکّن من الوصول وهو یترتّب على مطلق المقدّمة فقد مرّ الجواب عنه بأنّه غرض ابتدائی، والغرض النهائی إنّما هو الوصول إلى ذی المقدّمة.


1. راجع تهذیب الاُصول: ج1، طبع مهر، ص202.
2. راجع أجود التقریرات: ج1، ص235.
3. أجود التقریرات: ج1 ص239.
4. المحاضرات: ج2، ص414 ـ 415.
5. درر الفوائد: ج1، ص119، طبع جماعة المدرّسین.
6. فوائد الاُصول: ج1، ص293 طبع جماعة المدرّسین.

 

الرابع: تقسیم الواجب إلى الأصلی والتبعیثمرة القول بوجوب المقدّمة الموصلة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma