وأمّا القسم فی سورة الواقعة فهو لغرض إثبات حقانیة القرآن الکریم، حسب مضمون الآیة: «قسماً بمواقع النجوم، أنّ الکتاب السماوی للمسلمین، وهو القرآن الکریم، لا یمسّه إلاّ المطهّرون».
تفسیر (لایمسّه إلاّ المطهرون):
وذکر المفسّرون تفسیرین لهذه الآیة الشریفة:
أ) یجب على من یرید مسّ کتابة القرآن الوضوء أو الغسل، فمن هنا فإنّ المسلمین یجب أن یلتزموا جانب الحیطة فی تعاملهم مع الآیات القرآنیة فی الکتب والصحف والمجلات والأماکن الأخرى ولا یمسّوها بدون وضوء.
سؤال: مع الأخذ بنظر الاعتبار هذا التفسیر المذکور، ألیس من الأفضل عدم کتابة الآیات القرآنیة والأسماء المقدّسة فی الصحف والمجلات التی یتداولها الناس بشکل واسع وبدون وضوء ویأخذونها بأیدیهم بدون وضوء، کیما تحفظ حرمة هذه الآیات الکریمة؟
الجواب: إنّ هذا النوع من التفکیر بعید عن الصواب ویفضی إلى نسیان آیات القرآن والأسامی المقدّسة، فلابدّ من کتابة الآیات القرآنیة فی الصحف والمجلات والکتب، ومن جهة أخرى ینبغی أن یعتاد الناس على عدم لمسها بدون وضوء، وإذا انتهوا من مطالعتها فبإمکانهم قص الأوراق التی تحتوی على الآیات القرآنیة والأسامی المقدّسة ودفنها فی مکان خاص أو إلقائها فی النهر، أو جمعها وتسلیمها لمراکز صناعة الورق وتبدیلها إلى الورق المقوى وأمثال ذلک، وهذه المسألة کانت متداولة أیضاً فی عصر المعصومین(علیهم السلام)، لأنّ النقود المتداولة فی ذلک الزمان کانت تحتوی على جملة «لا إله إلاّ الله» فی الجانب منها، وفی الجانب الآخر کتب «محمّد رسول الله»، ولم یعترض على ذلک أی واحد من الأئمّة(علیهم السلام).
ب) المقصود منها أنّ الحقائق السامیة والمعانی الکامنة فی مضمون الآیات القرآنیة لا یصل إلیها ولا یدرکها إلاّ الأشخاص الذین یعیشون الطهارة فی أرواحهم والتقوى فی قلوبهم والنقاء فی نفوسهم، فالأشخاص الذین لم یطهروا أنفسهم من أدران الشهوات والذنوب ولم یتحرکوا على مستوى تصفیة باطنهم وتطهیر قلوبهم لیس لهم نصیب من فهم حقائق القرآن ومضامین آیاته الشریفة، وهذا التفسیر ورد أیضاً فی الآیة 2 من سورة البقرة حیث تقول:
(ذَلِکَ الْکِتَابُ لاَ رَیْبَ فِیهِ هُدىً لِلْمُتَّقِینَ). فالقرآن الکریم یهدی جمیع الناس بالهدایة العامة، ولکن بالنسبة للأشخاص الذین سلکوا فی مدارج التقوى فإنّ القرآن یتضمن هدایة خاصّة لهؤلاء المتقین، هؤلاء الذین أضاء نور التوحید زوایا قلوبهم وخفایا باطنهم.