کما تقدّم آنفاً فإنّ أولیاء الدین أمروا المسلمین بأن لا یقسموا حتى القسم الصادق مهما أمکن، وکانوا یتحرکون فی سلوکیاتهم من موقع الالتزام بهذه المقولة، ویجتنبون القسم حتى إذا اقترن ذلک بضرر مالی کبیر.
ونقرأ فی روایة عن أبی بصیر، عن أبی جعفر(علیه السلام) أنّ أباه کانت عنده امرأة من الخوارج أظنّه قال: من بنی حنیفة، فقال له مولى له، یاابن رسول الله إنّ عندک امرأة تبرأ من جدّک، فقضى لأبی أنْ طَلِقْها، فادّعت علیه صداقها، فجاءت إلى أمیر المدینة تستعدیه، فقال له أمیر المدینة: یا علی إمّا أن تحلف وإمّا أنْ تعطیها، فقال لی: یا بنی قم فأعطها أربعمائة دینار، فقلت له: یا أبة جعلت فداک ألست محقّاً؟ قال: «بَلى یـا بُنیَّ وَلَکنّی أَجللتُ اللهَ أنْ أَحلِفَ بِهِ یَمین صَبر»(1).
وجاء فی روایة عن الإمام الباقر(علیه السلام) أنّه قال: «مـا تَرَکَ عَبدٌ شَیئاً للهِ عَزّوجلّ فَفَقَدَهُ»(2).
وعلى ضوء ذلک فمن الجدیر بالإنسان اجتناب القسم الصادق أیضاً حتى لو تضرّر فی ماله، فإنّ الله تعالى سیعوّضه عن هذا الضرر.
ونرى من جهة، هذه التوصیة الأخلاقیة المهمّة فی التعالیم الإسلامیة وسیرة أولیاء الدین فی عملهم والتزامهم العملی بهذه التوصیة، ومن جهة أخرى نرى سلوک بعض المسلمین الذین یتحرکون بعکس هذا الاتجاه ویحلفون بالله أیماناً مغلظة لأدنى سبب ولأتفه الموارد، فأین هذا من ذاک؟!