تحدّثنا فیما سبق عمّا ینبغی وما لا ینبغی فی الأخلاق، والآن من المناسب البحث عن واقع الصفات الأخلاقیة من الفضائل والرذائل فی الوسط الاجتماعی، لیتبیّن هل الأخلاق الإسلامیة کما یریدها الإسلام، یجری تطبیقها وتجسیدها على أرض الواقع الاجتماعی فی مجتمعاتنا الإسلامیة، أم هناک فاصلة کبیرة بین مجتمعنا الإسلامی والصفات والفضائل الأخلاقیة.
لنذهب إلى إحدى المؤسّسات الحکومیة، ونرى هل طریقة تعامل الموظفین فی هذه المؤسّسات مع المراجعین تنطبق على القیم والأخلاق الإسلامیة؟ إنّ بعض الموظفین، وللأسف لا یلتزمون بمراعاة الأخلاق الإسلامیة فی طریقة تعاطیهم لأعمالهم وتعاملهم مع الناس، فالکثیر من هؤلاء عندما یجلس على کرسی الرئاسة وبین یدیه المعاونین والموظفین یتصور أنّه سید الناس وزعیمهم، وعلى أساس هذا التصور یصدر منهم تعاملاً غیر لائق ومخالف للآداب الإسلامیة، وکأنّهم لا یعلمون أنّ هذا المقام هو الذی جعله الشعب تحت اختیارهم ولتدبیر أمورهم وقضاء حاجاتهم، فهم فی الحقیقة خدام للناس، وللأسف فإنّ بعض الإدارات الرسمیة تشبه ساحة کرة القدم، وحال الناس فیها حال کرة القدم فکل موظف یوصی المراجع بالرجوع إلى غیره، والرئیس یحوّله على المعاون، والمعاون على الموظف، وهکذا، فهل هذه الأخلاق إسلامیة، وهل هذا التعامل ینطلق من تعالیم الإسلام؟
الأخلاق الإسلامیة تقتضی استقبال المراجع وصاحب المعاملة بوجه بشوش، وصدر رحب، ویتابع الموظف فی الإدارة بکل اخلاص وجدیة مشاکل الناس، ویقضی لهم حاجاتهم یحلّ یحلّ مشاکلهم بأسرع وقت ممکن، الواقع لو أنّ الأخلاق الإسلامیة هیمنت على الإدارات الرسمیة ومجتمعنا الإسلامی بشکل کامل وشامل، فإنّ الحیاة ستغدو رائعة ویضحى مجتمعنا کالجنّة، وقد ورد فی الحدیث الشریف عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)یخاطب أبناء عبدالمطلب ویقول:
«یا بنی عبدالمطلب! إنّکم لم تسعوا الناس بأموالکم فالقوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر»(1).
ولا شک فی أنّ طلاقة الوجه وحسن البشر رأسمال لا یعادله شیء فی الواقع الأخلاقی للإنسان.
وطبعاً فإنّه ینبغی للمسؤولین مراعاة الآداب الإسلامیة فی تعاملهم مع الموظفین، وأن لا یتعاملوا معهم من موقع الآمر والمأمور، فهذا الطبع والخلق مذموم وغیر معقول من المسؤولین، فیجب على کل من المسؤول والمراجع مراعاة الأخلاقیة الإسلامیة لیسود النفع والخیر للجمیع وتعود برکات الالتزام بالأخلاق الإسلامیة على جمیع أفراد المجتمع، لأنّه لو تجسدت التعالیم الإسلامیة على أرض الواقع الاجتماعی، فإنّ الکثیر من المشاکل العملیة ستجد طریقها للحل، ومرّة أخرى نتوجه للروایات الشریفة الواردة من أئمّة الدین(علیهم السلام) الذین یمثّلون تجسیداً حیّاً وکاملاً للأخلاق الإسلامیة، فقد ورد عن الإمام الصادق(علیه السلام)عندما سئل عن مکارم الأخلاق، التی هی الهدف من بعثة نبی الإسلام(صلى الله علیه وآله) فقال:
«الْعَفْوُ عَمَّنْ ظَلَمَکَ».
وقد وردت توصیات أکیدة فی النصوص الإسلامیة على مسألة العفو والصفح وتحذیر المسلمین من الرغبة فی الانتقام والثأر.
وطبعاً فالعفو إنّما یکون فضیلة فیما إذا لم یتخذه القائم بالعفو هدفاً شخصیاً له وعلى المعفو عنه أن لا یستغلّه إستغلالاً سیّئاً.
«وَصِلَةُ مَنْ قَطَعَکَ».
فإذا قال لک أخوک وبسبب قضیة معینة: «أنا سوف لا ءأتی إلى بیتک بعد الآن» فلا ینبغی لک أن تقابله بالمثل، بل علیک أن تجد له عذراً فی تصرفه هذا وتذهب أنت إلى بیته.
«وَإِعْطـاءُ مَنْ حَرَمَکَ».
کأن تحتاج فی مورد معین إلى قرض، وکان أحد أصدقائک قادراً على إقراضک وطلبت منه إقراضک، ولکنّه رفض ذلک، وبعد مدّة احتاج ذلک الصدیق إلى قرض وطلب منک ذلک، وکنت قادراً على قضاء حاجته و إقراضه المبلغ المطلوب، فالإمام الصادق(علیه السلام) یقول: علیک أن تقرضه ما أراد ولا تحرمه ولا ینبغی أن تتذکر صنیعه لک فی حرمانک المال اللازم فی ذلک الوقت، ولا تعامله من موقع الخصومة أو العتب والتوبیخ لتخجله، فأنت إنّما تتعامل مع الله فی برّک وإحسانک له.
«وَقَوْلُ الْحَقِّ وَلَوْ عَلى نَفْسِکَ»(2).
یقول أمیر المؤمنین علی(علیه السلام): «الاِْیمَانُ أَنْ تُؤْثِرَ الصِّدْقَ حَیْثُ یَضُرُّکَ عَلَى الْکَذِبِ حَیْثُ یَنْفَعُک»(3).
ویقول الإمام الصادق(علیه السلام) فی روایة أخرى، إنّ مکارم الأخلاق ثلاث: «الصَّفْحُ عَنِ النّـاسِ، وَمُواسـاةُ الرَّجُلِ أَخـاهُ فِی مـالِهِ، وَذِکْرُ اللهِ کَثیراً»(4).
 

(1) . بحار الأنوار، ج 71، ص 169، ح 36 .
(2) . میزان الحکمة، باب 1110، ح 5055.
(3) . نهج البلاغة، الکلمات القصار، 458 .
(4) . میزان الحکمة، باب 1110، ح 5056 .