1. القسم بربّ النبی محمّد(صلى الله علیه وآله)
فی هذه السورة نرى أنّ الله تعالى لم یقسم بـ «ربّ السماوات والأرض» أو «رب النجوم» أو «ربّ اللیل والنهار» وأمثال ذلک بل أقسم بربّ محمد(صلى الله علیه وآله)، وهذا یختزن معنىً عمیقاً، ویعنی: قسماً بخالق إنسان مثل محمّد والذی ربّاه وعلّمه إلى أن بلغ ذروة الکمال، وأخیراً بعثه بالنبوة إلى العالمین.
 
2. الغایة من جمع الظالمین عند حافة جهنّم
سؤال: طبقاً للآیات مورد البحث فإنّ الله تعالى یجمع المنکرین للمعاد وکذلک الشیاطین حول جهنّم، ثم یلقیهم فی النار، فما فائدة هذا العمل؟ ولماذا لم یدخلهم النار فوراً وبدون هذه المقدمات؟
الجواب: إنّ هذا العمل یبعث على زیادة عذابهم وألمهم، وتوضیح ذلک: إذا جیء بالشخص المحکوم بالإعدام مثلاً قبل ساعة إلى محل الإعدام وقُرأ علیه حکم القاضی وطرح علیه أن یکتب وصیته فی محل الإعدام، وبعد ذلک یودع أقرباءه وأهله ثم یتمّ إعدامه، فمثل هذا الشخص یعیش العذاب الشدید أکثر من الشخص الذی یؤتى به إلى محل الإعدام ویعدم فوراً بدون إمهال، ومن هذه الجهة فإنّ الله تعالى یجمع هؤلاء الظالمین والشیاطین حول جهنّم وهم یعیشون حالة الهلع والذلة والخوف ثم یلقیهم فی جهنّم.
 
3. المنکرون للمعاد والشیاطین
فی هذه الآیات نرى أنّ الله تعالى جمع الأشخاص المنکرین للمعاد مع الشیاطین حول جهنّم، ویکون مصیرهم جمیعاً إلى النار، وهذا بنفسه یعتبر عذاباً مضاعفاً للمنکرین للمعاد، مثلاً إذا تمّ إلقاء القبض على مذنب واُلقی فی السجن، فهو یعیش فی السجن فی شدة وألم، ولکن إذا جیء بهذا السجین وحشر مع القتلة والمهربین للمخدرات والمفسدین فی الأرض والمشیعین الفساد والفحشاء فإنّ ألمه وعذابه سیتضاعف وربّما یعترض على ذلک ویطلب الانتقال إلى سجن آخر یکون السجناء فیه أقل جرماً من هؤلاء ویماثلونه فی نوع الجریمة والخلاف.
 
4. أئمّة الظلم قادة أهل النار
کما أنّ أهل الظلم والجور فی هذه الدنیا هم قادة الظالمین وقوى الشر والانحراف، ففی الآخرة أیضاً یتقدمون صفوف الظالمین والمعاندین ولیذوقوا طعم العذاب الإلهی أسرع من الآخرین، ولهذا فإنّ الله تعالى یفصل بینهم یوم القیامة ویلقی بأئمّة الکفر والنفاق الذین تمردوا على الأوامر الإلهیّة والتعالیم السماویة فی النار قبل الآخرین، ولذلک تقول الآیة الشریفة فیما یتعلّق بفرعون:
(یَقْدُمُ قَوْمَهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ)(1).
* * *
5. التقوى وسیلة النجاة
وآخر ملاحظة نثیرها فی هذا الموضوع هی أنّ القرآن الکریم لم یقل إنّ العلماء، الأثریاء، الاقویاء، العبّاد، المخترعین، المکتشفین وأمثالهم هم أهل النجاة، بل قال إنّ أهل التقوى فقط هم أهل النجاة، بمعنى أنّک لو اکتسبت أی عنوان فی هذه الدنیا وعملت بأی عمل وسلکت أی مسلک، فلو لم یکن لدیک رأس مال من التقوى والورع فأنت لست من أهل النجاة فی ذلک الیوم.
إنّ التقوى رأس مال عجیب وجوهرة ثمینة، ولذلک نرى التقوى لها انعکاسات واسعة فی الآیات القرآنیة والروایات الإسلامیة، بحیث یمکن تألیف کتاب مستقل حول موضوع التقوى فی القرآن، کما أنّه لو أمکن جمع الروایات التی تتحدث حول هذا الموضوع لأمکن تألیف کتاب مستقل عنها.
ویتحدّث إمام المتقین فی أکثر من خطبة فی نهج البلاغة عن التقوى فیما تمثّله من حالة وجدانیة منفتحة على الله تعالى لا أنّها تمثّل حالة طارئة یعیشها الإنسان فی ظاهر الحال، والواقع أنّ هذا الزاد والمتاع النفیس لابدّ أن یکون مورد بحث وتدبر فی جمیع خطب صلاة الجمعة.
الإمام علی(علیه السلام) حتّى فی آخر یوم من أیّام حیاته لم یغفل عن الوصیة بالتقوى، وقد أکد فی وصیته على التقوى مخاطباً فیها ولدیه الإمامین الحسن والحسین(علیهما السلام)(2)وسائر أبنائه وکذلک الشیعة فی جمیع الأعصار والحقب الزمنیة إلى یوم القیامة، وهذا یشیر إلى مدى أهمیة التقوى فیما تمثّله من معیار الفضائل والکمالات الأخلاقیة للإنسان(3) والجواز الذی یمر به الإنسان إلى الجنّة(4).

(1) . سورة هود، الآیة 98 .
(2) . نهج البلاغة، الرسالة 47 .
(3) . سورة الحجرات، الآیة 13 .
(4) . سورة مریم، الآیة 63 .