یذکر أنّ «عقبة» کان من الأثریاء فی المدینة، وکان إنساناً یملک سریرة حسنة، وعلى الرغم من أنّه کان مشرکاً إلاّ أنّه کان صدیقاً للنبی(صلى الله علیه وآله) ومن هنا کان یزور النبی أحیاناً ویستمع إلى آیات القرآن، وهکذا یتقدم خطوة فخطوة نحو الإسلام، ولکنّه لم یعتنق حینذاک الإسلام بشکل رسمی، وبعد عودته من سفره دعا أعیان وأشراف قومه وقبیلته إلى ضیافته ودعا أیضاً نبی الإسلام(صلى الله علیه وآله) للمشارکة فی تلک الضیافة فقال له رسول الله(صلى الله علیه وآله): «أنا أقبل منک هذه الدعوة بشرط أن تتشهد الشهادتین وتکون من المسلمین، فما یفصل بینی وبینک هو الشرک، فإذا تشهدت الشهادتین زالت هذه الفاصلة».
فما کان من (عقبة) إلاّ أن تشهد الشهادتین أمام الناس، وقد وفى النبی بوعده وشارک فی تلک الضیافة، وانتشر خبر اعتناق عقبة للإسلام فی فضاء المدینة وأصبح کلام المجالس وعندما سمع (اُبی) وهو صدیق (عقبة) أیضاً بهذا الخبر جاء إلیه ووبخه على هذا العمل وقال له: «سمعت أنّک ترکت دین آبائک وأجدادک وتخلیت عن عبادة هذه الأصنام الجمیلة واخترت عبادة إله محمّد الغائب عن الأبصار فأین غیرتک وحمیتک العربیة؟».
والخلاصة أنّ هذا الصدیق السیء بقی یلوم (عقبة) ویبوبّخه حتى جعله یندم على عمله، فقال لاُبی: «ماذا أصنع لجبران هذا العمل؟».
فقال له اُبی: «کما أنّک أعلنت عن قبولک للإسلام أمام الناس فعلیک أن تهین محمّداً أمام الناس أیضاً وتتبرأ من الإسلام».
وهکذا تحرک (عقبة)، الذی انفتحت أمامه أبواب السعادة والنجاة، فی هذا الطریق والمنحدر على أثر وساوس هذا الصدیق السیء المراوغ وجاء إلى النبی(صلى الله علیه وآله)وأهانه على ملأ من الناس وتبرأ من الإسلام فنزلت فی حقّه الآیات المذکورة لتبیّن حالة (عقبة) یوم القیامة.
إنّ الآیات الثلاث المذکورة آنفاً وإن کانت قد نزلت فی شأن (عقبة)، ولکن ممّا لا شک فیه أنّها لا تنحصر بهذا المصداق، بل هی تحذیر وإنذار لجمیع الأشخاص الذین یتخذون أصدقاء سوء ویعرّضون أنفسهم للهلکة والضلالة باختیارهم غیر المُصیب هذا.
مثلاً إذا سألتم عن سبب الابتلاء بالإدمان على المخدرات فإن المدمنین یقرّون بأنّ السبب فی ذلک یعود إلى رفیق السوء، فمثل هذا الرفیق یعتبر أخطر على الإنسان حتى من الحیوانات الوحشیة.