رأینا فیما تقدّم أنّ دائرة العمل الصالح واسعة جدّاً، ولا تختص بالصلاة والصیام والزیارة وأمثال ذلک، فشق الطرق، التعلیم والتربیة، توفیر وسائل الزواج لجیل الشبّان، إصلاح ذات البین، السعی لتحریر السجناء من السجن، إعانة المرضى من ذوی الأمراض الصعبة، بناء المساجد والمدارس والحسینیات، توفیر فرص العمل للعاطلین، المساهمة فی تقویة اقتصاد البلدان الإسلامیة أو قطع حالة التبعیة الاقتصادیة للأجانب، کل هذه الأمور إذا کانت مقترنة بنیّة صادقة، فإنّها تعتبر من جملة الأعمال الصالحة.
وقد ورد عن نبی الإسلام(صلى الله علیه وآله) فی یبان سعة دائرة العمل الصالح، أنّه قال:
«الاِْیمـانُ بِضْعَةٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعْلاهـا شَهـادَةُ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَدْنـاهـا إِمـاطَةُ الاَْذى عَنِ الطَّریقِ»(1).
بمعنى أنّک لو رأیت أثناء مرورک فی الزقاق أو الشارع، قشرة فاکهة ملقاة على الطریق بحیث یمکنها أن تؤدی إلى انزلاق شخص مار من هناک فیصاب بالضرر من جراء ذلک، وربّما یتسبب ذلک بضربة فی رأسه ودماغه، وقمت برفع هذا المانع من وسط الطریق فقد أدیت بذلک عملاً صالحاً سوف یکتب فی صحیفة أعمالک، وعلیه فإنّ الأرضیة المناسبة للأعمال الصالحة متوفرة فی جمیع الأفراد، ولا یتوقف هذا العمل على توفیر أدوات خاصّة وإمکانات معینة لیکون هذا العمل منحصراً بطائفة معینة من الناس.
النتیجة، إنّ جمیع أفراد البشر معرّضون للسقوط إلى أسفل السافلین، إلاّ الأشخاص الذین زرعوا بذور الإیمان فی أعماق وجودهم وقلوبهم وسقوا هذه البذور بماء الأعمال الصالحة، وانتفعوا هم والآخرون بثمارها.
سؤال مهم: ما هو مصیر أصحاب الاختراعات والاکتشافات الکبیرة والمهمّة فی العالم المعاصر الذین أدوا خدمات کبیرة للبشریة؟ فمخترع الدواء لمرض لا علاج له أو کاشف الکهرباء الذی أنار بکشفه هذا جمیع العالم، والشخص الذی اخترع الطائرة وساهم فی تقلیل ساعات السفر إلى مکة المکرمة من ستة أشهر فی الماضی إلى ساعات معدودات، وکذلک سائر المخترعین والمکتشفین الذین قدّموا خدمات عظیمة للمجتمع البشری، فما هی مکانتهم عند الله تعالى؟ وهل یثابون على هذه الأعمال؟
الجواب: یجب التحقیق فی الدافع والباعث على هذه الاختراعات، فهل هدف هؤلاء المخترعین الوصول إلى آفاق الشهرة، أم هدفهم من ذلک کسب المال، أم أنّهم قاموا بهذا العمل بدافع خدمة المجتمع البشری فی سبیل الله؟ فإذا کانت نیّتهم طلب الشهرة، فإنّهم قد حصلوا على أجرهم وذاع اسمهم وشهرتهم فی الآفاق، وإذا کان هدفهم من ذلک کسب المال، بحیث إنّ صناعة دواء لعلاج مرض معین وانقاذ المریض من الموت یکون حاله حال صناعة قنبلة تقتل الأبریاء والمذنبین على السواء فلا فرق لدیه فی معطیات ونتائج هذا العمل، فکل هدفه ناظر إلى کسب المال من هذا العمل، فمثل هؤلاء الأشخاص قد حصلوا على أجرة أتعابهم فی هذه الدنیا.
هاتان الطائفتان من المخترعین والمکتشفین لا یحق لهما مطالبة الله بشیء لأنّ أعمال هؤلاء لا تکتب فی قائمة الأعمال الصالحة، وقد حصلوا على ما یریدون فی الدنیا، أمّا الثالثة وهم الذین یهدفون من أعمالهم تقدیم خدمة للمجتمع البشری لا من موقع طلب الشهرة، ولا طلب المال، بل فی سبیل الله، هؤلاء هم المأجورون عند الله تعالى وسوف ینالون ثوابهم من الله تعالى وإن کنّا لا نعرف مقدار ونوع هذا الثواب، لأنّهم قد قدّموا أعمالاً مفیدة للمجتمع وللآخرین وکانت نیّتهم صادقة وهدفهم خالص، والدلیل على ذلک ما ورد فی الآیات القرآنیة الکریمة، منها: (إِنَّ اللهَ لاَ یُضِیعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِینَ)(2).
فالمخترع أو المکتشف الذی أبدع شیئاً لا من موقع طلب الشهرة ولا من موقع طلب المال، بل کان قصده خدمة المجتمع البشری فإنّه یکون مشمولاً لهذه الآیة الشریفة وسوف لا یضیع الله أجره وثوابه فی الآخرة.
سؤال: الآیة الشریفة: (مَثَلُ الَّذِینَ کَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ کَرَمَاد اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّیحُ فِی یَوْم عَاصِف...). تدلّ على أنّ أعمال الأشخاص الذین لا یملکون الإیمان بالله لا قیمة لها، وعلیه فإنّ الآیة المذکورة آنفاً خاصّة بالمؤمنین ولا تشمل غیرهم.
الجواب: إنّ الآیة الشریفة المذکورة ناظرة إلى الکفّار الذین یتحرکون فی حیاتهم من موقع طلب الشهرة وکسب الثروة، ولا تشمل الأشخاص الذین یهدفون من أعمالهم تقدیم خدمة للمجتمع البشری، لا طلب الثروة والشهرة، ومضافاً إلى الآیات القرآنیة، فقد ورد فی الروایات الإسلامیة هذا المفهوم أیضاً بالنسبة للمحسنین من غیر المسلمین، وأنّهم سیثابون على أعمالهم یوم القیامة. مثلاً حاتم الطائی الذی کان یساعد الفقراء والمحتاجین کثیراً وقد اشتهر بکرمه وإحسانه فی التاریخ البشری، فهو مأجور عند الله.
والخلاصة إنّ العمل الصالح لا یبقى بدون أجر عند الله تعالى، حتى لو کان العامل له من غیر المسلمین. وعلیه فإنّ تجسید مضامین هذه الآیات الشریفة فی واقع الحیاة والمجتمع البشری یستلزم توفر الإیمان القوی والتحرک على مستوى فعل الخیر وتقدیم الخدمة للآخرین، وهذا الطریق مفتوح أمام الجمیع، وإن کان کل فرد یساهم بمقدار ما یملکه من قابلیة وملکة، وبمقدار ما یختزنه من إخلاص ویبذله من سعی وجهد.

(1) . عوالی اللئالی، ج 1، ص 431. وکذلک وردت هذه الروایة مع اختلاف طفیف فی صحیح مسلم، کتاب الإیمان، باب 12، ح 58. «الإیمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلاّ الله وأدناها إماطة الأذى عن الطریق والحیاء شعبة من الإیمان». وقد وردت هذه الروایة بتفاوت طفیف فی مسند احمد، ج 2، ص 379.
(2) . سورة التوبة، الآیة 120 .