بعد بیان القصّة المذکورة فی شأن نزول هذه الآیات، نشرع بشرح وتفسیر المقسم له:
(إِنَّ سَعْیَکُمْ لَشَتَّى); أی: أُقسم بظلمة اللیل، وأقسم بنور النهار، وأقسم بخالق المذکر والمؤنث، بأنّ سعیکم متفاوت ومختلف، فبعضهم کأبی الدحداح یتحرک فی خط الکرم والبذل والعطاء ویفکر فی آخرته ومصیره فی ذلک العالم، وبعضهم کصاحب النخلة یعیش الشح والبخل ولا یفکر إلاّ بهذه الدنیا وزخارفها. وبالنتیجة فإنّ کلا هذین الشخصین أو الطائفتین تتناسب وتتناغم أعمالهم مع عقائدهم وشاکلتهم.
ثم إنّ الله تعالى یبیّن عاقبة کل واحدة من هاتین الطائفتین ونتائج کل واحد من هذین النمطین فی التفکیر وفی النهج وفی الحرکة:
(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُیَسِّرُهُ لِلْیُسْرَى). بمعنى أنّ الطائفة التی تتحرک من موقع البذل والعطاء وتسیر فی خط التقوى والطاعة والعبودیة، کأبی الدحداح، فسوف نقوم بتیسیر أمورهم فی الدنیا والآخرة ونعینهم فی حلّ مشاکلهم، ونسهّل لهم طریق الخیر والإیمان ونفتح لهم أبواب الجنّة یوم القیامة.
(وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَکَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُیَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا یُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى). وأمّا الطائفة التی تتحرک فی خط البخل وهم ملوثون برذیلة البخل والشح ویتصورون أنّهم أغنیاء وأثریاء ببخلهم وعدم إنفاقهم المال للفقراء المحتاجین، ونتیجة هذا البخل أنکروا یوم القیامة والنعیم الأخروی، (کما هو حال أصحاب النخلة) فسوف نقود هؤلاء فی طریق العسر والمشقة، فلا ینتفعون من أموالهم وثرواتهم فی هذه الدنیا وسیکون مصیرهم إلى النار وسوف لا تنفعهم أموالهم فی ذلک الیوم.
إنّ الآیات المذکورة، تعتبر بمثابة المقسم له، وتتحدث عن القیامة والحیاة بعد الموت وتأثیر البذل أو البخل على مستقبل الإنسان وعلى إیمانه بالآخرة والمعاد، وعلیه فلو قلنا إنّ قضیة المعاد والحیاة الآخرة هی المقسم له وهی الغرض الذی أقسم الله تعالى من أجله، فلا نکاد نجانب الصواب.