ورد فی الحدیث النبوی الشریف أنّ النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) قال:
«ثَلاثَةٌ لا یُکَلِّمُهُمُ اللهُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ».
ونستوحی من هذا التعبیر أنّ الله تعالى یتحدث مع المؤمنین یوم القیامة، أجل فالله الذی تحدث فی الدنیا مع النبی موسى کلیم الله(علیه السلام) فی جبل طور، ومنح النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)هذه الموهبة أیضاً فی لیلة المعراج وکلّمه أیضاً، فإنّه یتکلّم مع المؤمنین وکفى فخراً عظیماً للمؤمنین أنّهم یقعون مورد الخطاب الإلهی مباشرة ویکلّمهم الله عن قرب، وهذه الموهبة العظیمة لا تقاس بها موهبة أخرى، فالجنّة فی مقابل هذه الموهبة لا تعتبر شیئاً. «وَلاَ یَنْظُرُ إِلَیْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ»:
1. «اَلْعالِمُ الْمُبْتَغی بِعِلْمِهِ حُطامَ الدُّنْیا»، بمعنى أنّ العالم الذی یستغل علمه للحصول على المآرب الدنیویة واکتساب المادیات فإنّ الله تعالى لا یتحدّث معه ولا یطهره فی ذلک الیوم وسیکون مصیره إلى جنّهم، فیجب على العالم أن یستثمر علمه فی خدمة الناس ونجاتهم من مهاوی الجهل والضلالة ویقودهم إلى طریق الفلاح والنجاة وتهیئة الزاد والراحلة فی طریق الآخرة والفضیلة والرسالة.
2. «وَمُسْتَحِلُّ الْمُحَرَّمَاتِ بِالشُّبَهَاتِ». أی الشخص الذی یدخل وادی المحرمات بأدوات الشبهات، فالنبی هنا لا یقول إنّ هذا الشخص یتناول المحرمات، لأنّ هذا العمل واضح البطلان ولا یخفى على أحد، بل یقصد الأشخاص الذین یستحلون المحرمات الإلهیّة بالحیل الشرعیة، على سبیل المثال یجمعون علبة کبریت أو قطعة من الحلوى(1) إلى المال الذی یرید دفعه کقرض للمقترض ویجعل هذه الضمیمة وعلبة الکبریت کتعویض للفائدة الربویة الباهظة التی سیأخذها من المقترض فی العام القادم، فمثل هذا الشخص یقع مشمولاً لهذا الحدیث النبوی، وللأسف فإنّ المتلوثین بهذا الأمر الخطیر لیسوا بقلیلین فی الوسط الاجتماعی.
3. «وَالزّانی بِحَلیلَةِ جـارِهِ»(2).
والخلاصة أنّ العلماء من طلاّب الدنیا والمتلوثین بالحیل الشرعیة والمتلوثین بالأعمال المنافیة للعفة، مشمولون لهذه الروایة المذکورة وسیواجهون تلک العقوبات الثلاث ولا یکلّمهم الله یوم القیامة ولا یزکیهم.
النتیجة أنّ الإنسان، ولکی یعود إلى فطرته النقیة والإلهیة، یجب علیه أن یتحرک فی خط تهذیب النفس ومحاربة الأهواء النفسانیة والعمل على تطهیر بیت قلبه من الشوائب والرذائل والآثار السلبیة للذنوب لکی یرد یوم القیامة فی عرصات المحشر طاهراً متطهراً ویقع مورد الخطاب الإلهی (ارْجِعِى إِلَى رَبِّکِ رَاضِیَةً مَّرْضِیَّةً).
 

(1) . بحثنا هذا الموضوع فی کتابنا «طرق الفرار من الربا»، بصورة مشروحة ومفصّلة.
(2) . میزان الحکمة، باب 1591، ح 7622 .