«الضحى» وهو الأمر الثانی الذی یقسم به الله تعالى فی سورة الشمس، وقد ذکر المفسّرون لهذه الکلمة معنیین:
1. الضحى: یعنی مطلق النور، سواءً النور الموجود فی بدایة النهار أم فی وسطه.
2. الضحى: یعنی النور فی أول النهار، ومن هنا سمّی الهَدی فی الحج بـ «أضحیة» حیث تذبح الشاة فی أول نهار عید الأضحى، ومن هنا فإنّ الله تعالى یقسم بضیاء الشمس فی أول النهار أو بمطلق ضیاء الشمس.
على أیّة حال فللشمس وضیائها آثار وبرکات کثیرة، ونشیر هنا إلى جملة منها:
 
1. إرتباط جمیع المخلوقات الحیّة بالشمس!
فلو لم تکن حرارة الشمس وضیاؤها فلا یتمکن أی موجود حی من إدامة حیاته، ولا تقع ظاهرة هبوب الریاح ولا هطول الأمطار، فلا ماء، ولا نار، و لا أی شیء آخر. والواقع أننا إذا أردنا إیجاد مثل هذه الحرارة فکم سیکلّفنا ذلک؟ لقد توصل العلماء إلى هذه النتیجة، وهی أنّ البشریة لو أنفقت جمیع ما لدیها من أموال وإمکانات لإنتاج طاقة تکفی حاجة الأرض فإنّ ذلک لا یکفی سوى لإنتاج واحد بالملیون من حرارة الشمس.
ولکن الله تعالى وهب کل هذه النعم والمواهب للإنسان مجاناً، بحیث ینتفع بها الفقیر والغنی، الکبیر والصغیر، الشیخ والشاب، ولکنّهم لا یعرفون قدر هذه النعمة العظیمة ولا یشکرون خالقها.
2. انتاج الأغذیة بواسطة ضوء الشمس
إنّ المواد الغذائیة للإنسان تؤخذ عادة من النباتات والأشجار أو من الحیوانات، ونعلم لولا ضوء الشمس فلا یمکن نمو أی نبات أو شجر، وبالتالی سیحرم الإنسان من نصف الأغذیة التی یتناولها فی حیاته، وعندما تفنى النباتات والأشجار فإنّ الحیوانات أیضاً ستفنى وتنقرض، لأنّها تتغذى من النباتات والأشجار، وهکذا یحرم الإنسان من النصف الآخر من مصادر غذائه، وعلى هذا الأساس فإنّ ضوء الشمس هو السبب لنمو جمیع المواد الغذائیة للإنسان.
 
3. هطول المطر
إنّ هطول الأمطار یعتبر نتیجة غیر مباشرة لأشعة الشمس، فعندما تشرق الشمس على البحار والمحیطات فإنّ قسماً من میاه هذه البحار والمحیطات سیتبخّر بسبب حرارة الشمس، وتتصاعد الأبخرة إلى السماء وتتحول إلى سحب وغیوم، فتتحرک الریاح بأمر الله تعالى وتدفع هذه السحب إلى الأراضی الجافة والصحارى القاحلة، فتمطر هذه السحب وتنزل خیراتها على الأراضی الضامئة وتبعث فیها الحیاة والبرکة.
 
4. علاقة ضوء الشمس بالریاح
إنّ حرکة الریاح بدورها تؤدی إلى تحریک السحب، وکذلک تؤدی إلى تنقیة الهواء والجو، ومن جهة ثالثة تعمل على تلقیح النباتات والأزهار والأشجار، وجمیع هذه المنافع والمعطیات للریاح تعود برکاتها لأشعة الشمس، لأنّ الشمس عندما تشرق فی النهار على نصف الکرة الأرضیة فتتسبب فی ارتفاع درجة حرارة هذا الجانب من الکرة الأرضیة، فی حین أنّ النصف الثانی بارد ویتلفع بظلام اللیل، وعندما یلتقی الهواء الحار فی النصف الأول من الکرة الأرضیة بالهواء البارد فی النصف الآخر تبدأ عملیة هبوب الریاح وبالتالی تکون منشأ خیرات وبرکات کثیرة للناس.
 
5. الشمس ومنشأ الجمال
إنّ جمیع أنحاء الجمال تعود إلى برکات ضوء الشمس، فضوء الشمس یتضمن سبعة ألوان جمیلة وهی التی تظهر على شکل قوس قزح فی الأجواء الممطرة، کما یمکن مشاهدة هذه الألوان بواسطة عبور ضوء الشمس من خلال المنشور الزجاجی حیث تتجزأ ألوان هذا الضوء إلى سبعة ألوان، ولکن هل هذا یعنی أنّ الألوان الموجودة فی ضوء الشمس تنحصر بهذه الألوان السبعة؟
الجواب: کلا، لأنّ ضوء الشمس یختزن ألواناً أخرى أیضاً لا تستطیع عیوننا رؤیتها، وأعلى الألوان فی ضوء الشمس والذی تستطیع عیوننا رؤیته هو اللون البنفسجی، ولکن هناک لون أعلى منه وهو ما فوق البنفسجی ونحن لا نستطیع رؤیته، ولکنّ بعض الحیوانات قادرة على رؤیة هذا اللون. کما أنّ أدنى هذه الألوان السبعة وهو اللون الأحمر بالإمکان رؤیته، ولکنّ الأدنى منه وهو الأشعة ما دون الحمراء، لا یمکن رؤیتها إلاّ أنّ بعض الحیوانات یستطیع رؤیتها، واللطیف أنّ الأشعة ما دون البنفسجیة لها وظیفة مهمّة وحساسة، وتتمثّل فی إعدام وإهلاک المیکروبات فی الکرة الأرضیة، فهذه الأشعة ما فوق البنفسجیة تتولى القضاء على
جمیع المیکروبات الموجودة فی دائرة سیطرة أشعة الشمس. ولو تأملنا قلیلاً وافترضنا أنّ البشریة أرادت القضاء على هذه المیکروبات فماذا سیکلّفها من نفقات باهظة؟ ومن هنا ینبغی أن نشکر الله تعالى على هذه النعمة العظیمة المجانیة التی سخرها لنا، فلولا هذه الأشعة فوق البنفسجیة فإنّ الکرة الأرضیة بأجمعها ستتبدل فی مدّة قلیلة إلى مستشفى عظیم حیث یموت فیها المرضى بمدّة وجیزة.
6. ضوء الشمس مصدر الطاقات
ولا تتعجب إذا قلت لک إنّ مصدر جمیع الطاقات الموجودة على الکرة الأرضیة، هو أشعة الشمس.
إنّ خشب الأشجار الذی یعدّ من مصادر الطاقة الابتدائیة للإنسان وبإمکانه انتاج النور والحرارة، رهین بهاتین الموهبتین لضوء الشمس.
ویعتبر الفحم الحجری مصدراً آخر من مصادر الطاقة للإنسان، وهو عبارة عن بقایا أشجار مدفونة فی باطن الأرض،وهذه الأشجار اختزنت الضوء والحرارة التی اکتسبتها من  الشمس  فی  نسیجها، و بالتالی تحوّلت وبسبب الضغط ومضی الزمان إلى فحم حجری.
النفط بدوره یعتبر من مصادر الطاقة للبشریة، وهو فی الحقیقة بقایا حیوانات مطمورة فی باطن الأرض، وتلک الحیوانات کانت تتغذى على الأشجار والنباتات والتی بدورها اکتسبت الضوء والحرارة من الشمس.
المنبع الآخر للطاقة والذی یتمتع بدور مهم فی العصر الحاضر، هو السدود، فعندما تتجمع المیاه خلف السد تقوم بتحریک المحرکات لتولید الطاقة الکهربائیة، هذه المیاه فی الحقیقة هی تلک الأبخرة التی صعدت من البحار إلى آفاق السماء بواسطة حرارة الشمس، ونزلت مرّة أخرى وبشکل أمطار وثلوج على الأرض وتجمّعت خلف السدود.
المصدر الآخر للطاقة الذی اکتشفه الإنسان فی الآونة الأخیرة،هو قوّة الهواء والریاح، حیث استفاد الإنسان من هذه القوة الطبیعیة لإنتاج الکهرباء، وقد تقدّم قبل قلیل أنّ حرکة الریاح تعود إلى حرارة أشعة الشمس فی عملیة تلاقی الریاح الحارة والباردة.
وأخیراً استطاع الإنسان استخدام ضوء الشمس بشکل مباشر لإنتاج الطاقة الکهربائیة، وهذا المصدر للطاقة یعتبر أفضل وأنقى مصدر للطاقة وأیسرها حصولاً ولعلّه أرخصها قیمة، کل ذلک یعود إلى برکات ضوء الشمس.
والخلاصة، إنّ الشمس وضوءها منشأ برکات عظیمة ومعطیات کثیرة للبشریة وتتضمن أسراراً وعجائب کثیرة، وقد أشرنا فیما تقدّم إلى نماذج قلیلة منها، ویکفی ذلک لنعلم لماذا أقسم الله تعالى، فی سورة الشمس، بالشمس وضحاها.
یجب علینا التفکیر بجدیة فی هذه الموجودات العظیمة التی سخرها الله تعالى لنا مجاناً، إنّ الله تعالى وکما تقول الآیات القرآنیة «سبع آیات على الأقل» سخر الشمس والقمر للبشر، بمعنى أنّ هذین المخلوقین بمثابة خادمین للإنسان یعملان على خدمته لیل نهار، فالشمس تخدم الإنسان حتى فی اللیل، لأنّ الأرض تقوم بخزن حرارة الشمس التی تشرق علیها فی النهار، ولولا هذه الحرارة المتبقیة من النهار لکان البرد فی اللیل قارصاً وشدیداً إلى درجة تتجمد فیها جمیع الأشیاء، فینبغی التفکیر والتدبر بعظمة هذه النعمة الإلهیّة ونؤدی شکرها من خلال الاستفادة السلیمة منها واستخدامها بشکل صحیح، وبالتالی نتحرک فی هذه الحیاة فی خط الطاعة والمسؤولیة والانفتاح على الله تعالى.