إنّ جلّ المفسّرین بل ربّما کلّهم قالوا: إنّ المقصود بالظلمة الأولى «بطن الاُم» والظلمة الثانیة التی تقع داخل هذه الظلمة هی «الرحم»، والظلمة الثالثة داخل الرحم هی «المشیمة» والمشیمة جلد قوی یغطی الجنین وفی داخله سائل لزج بحیث إنّ الجنین یسبح فیه، لأنّ أعضاء الجنین إلى درجة من اللطافة واللیونة بحیث ربّما تصاب بضرر بأدنى احتکاک بین الأعضاء نفسها، ولذلک فالجنین معلّق فی ذلک السائل الخاص ویعیش حالة انعدام الوزن، فإذا واجهت الأُم صدمة أو سقطت على الأرض فإنّ ذلک لا یعرّض الجنین للخطر، وقد خلق الله تعالى هذا الجنین فی هذه الظلمات الثلاث من قطرة ماء تسمّى «نطفة» (فَتَبَارَکَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِینَ).
إنّ جمیع الرسامین مهما اُتوا من مهارة ودقّة فی الإبداع فإنّهم لا یستطیعون رسم لوحة وصورة على الماء، بل ینبغی أن تکون لدیهم خشبة أو قطعة من الورق، أو الفلز أو الحجر، أو الخشب وأمثال ذلک، لیرسموا ما یریدون، مضافاً إلى أنّهم یحتاجون إلى النور الکافی، فلا یمکنهم عمل أی شیء فنی من الرسم أو النحت فی أجواء الظلام الدامس.
ولکنّ الرسام الأعظم ونحّاة عالم الوجود، نحت على قطرة ماء، وبدون الاستفادة من نور بل فی ظلام مطلق وظلمات ثلاث، أعظم وأجمل الصور والتماثیل. أجل، لقد نحت أجمل ما فی عالم الخلقة على الماء، وکان هذا النحت ثابتاً ودائمیاً، ألا یستحق مثل هذا الصانع والخالق أن یقال له تبارک الله؟