وقد کتب الإمام زین العابدین(علیه السلام) کتاباً باسم «رسالة الحقوق»، والتی نقلها العلاّمة المجلسی فی بدایة الجزء 71 من کتابه بحار الأنوار، فی عشرین صفحة، وتتحدث کلها عن موضوع الحقوق.
وقد شرع الإمام زین العابدین(علیه السلام) فی هذه الرسالة بحق الله تعالى على عباده وحق العباد على الله، ثم حق الانبیاء والأئمّة على الناس وحق الناس على الإنبیاء
والأئمّة، ثم شرع بذکر حق المسلمین فیما بینهم وحق الجار، حق الوالدین على الولد وبالعکس، حق المواطنین وأفراد المجتمع فیما بینهم، حق المعلم على الطالب وبالعکس، وحق الأصدقاء والأقرباء والأرحام فیما بینهم وهکذا، ثم تطرق إلى بیان حق الکفّار من أهل الذمّة على المسلمین والحکومة الإسلامیة، أجل! هؤلاء الذین یمثّلون أقلیة مسالمة ویعیشون فی کنف المسلمین بصلح وسلام ویحترمون القوانین والمقررات للحکومة الإسلامیة، فإنّ لهم حقّاً على الحکومة الإسلامیة فی حفظ أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وحریاتهم الدینیة.
ویذهب الإمام علی بن الحسین(علیه السلام) إلى أکثر من ذلک ویتحدّث عن حق أعضاء بدن الإنسان على الإنسان، وحق العین على الإنسان، وحق الاُذن، اللسان، الید، القدم وسائر الأعضاء والجوارح الأخرى، فیجب على الإنسان أن یتحرک فی حیاته من موقع الاستفادة السلیمة والصحیحة والمشروعة من هذه الأعضاء والجوارح، وطبعاً فالإنسان بدوره له الحق علیها، وأعلى من ذلک حق العبادة على الإنسان، کحق الصلاة، الصیام، الخمس، الزکاة، الحج، الجهاد، الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، وسائر العبادات الأخرى على الإنسان.
والحقیقة أنّ الإنسان عندما یقرأ رسالة الحقوق للإمام زین العابدین(علیه السلام)یطلع على سعة دائرة الحقوق فی المعارف الإسلامیة ویلمس رحمة الإسلام وعطفه فیما یفرضه من تعالیم إنسانیة ومثل وقیم أخلاقیة، وحقوقیة، ویتأسف على قلّة اطلاع البعض على رحمة هذا الدین السماوی حیث یتهمه بالعنف واستخدام آلیات القوة والارهاب(1).
الحق فی منظار الإمام أمیرالمؤمنین(علیه السلام):
إنّ الإمام علی(علیه السلام) وطبقاً لما ورد عن النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) یمثّل محور الحق(2)، ویقول هذا الإمام فی بیان مفردة الحق ومفهومها: «فَالْحَقُّ أَوْسَعُ الاَْشْیـاءِ فِی التَّواصُفِ، وَأَضْیَقُها فِى التَّناصُفِ، لا یَجْری لاَِحَد إِلاَّ جَرى عَلَیْهِ، وَلا یَجْری عَلَیْهِ إِلاّ جَرَى لَهُ»(3).
مثلا، یجب القصاص من القاتل، ویحق لأولیاء الدم القصاص منه، ولکنّ القاتل له الحق أیضاً على أولیاء الدم. ومن حقّه أن لا یعذب حین قتله، وإذا أرادوا أن یعفو عنه فلهم ذلک، ولا ینبغی أن یترکوه بعد الاقتصاص منه وقتله، بل یجب علیهم تغسیله وتکفینه والصلاة علیه ثم دفنه، وطبقاً لما ورد فی کلام مولى المتقین(علیه السلام)أنّ الحق لیس من جانب واحد حتى حق الله تعالى فهو من جانبین أیضاً، فهناک حق الله على العباد ویتمثّل فی طاعته له، وحق العباد علیه والذی یتمثّل فی اعطائهم الثواب تفضلاً، والدائن یحق له المطالبة بدینه، والمدین یحق له عند عدم القدرة على تسدید الدین أن یطالبه بامهاله، کما أن له الحق فی أن لا یأخذ منه مستثنیات الدین کالدار المسکونة له.
النتیجة، أنّ مقولة الحق والحقوق تمثّل رکیزة مهمّة فی المعارف الإسلامیة.
 

(1) . تفصیل هذا الموضوع فی کتابنا (دین الرحمة) ردّاً على الإتهامات الواهیة للباب بندیکت السادس عشر زعیم المسیحیین فی العالم.
(2) . بحارالانوار، ج 38، ص 28 .
(3) . نهج البلاغة، الخطبة 216.