جاء عبدالملک بن مروان إلى الکوفة ودعا الناس إلى بیعته، فبایعوه، وجاء إلى دار الإمارة وجلس على سریر السلطنة ووضع رأس مصعب بن الزبیر(1) عنده وکان مرحاً فرحاً، وکان فی المجلس عبدالملک بن عمیر، فأخذته الرعدة، فقال: ذکرت قضیة عجیبة وکنت فی هذا القصر حین جاؤوا برأس الحسین (صلوات الله علیه) إلى زیاد بن عبیدلله فوضع بین یدیه، ثم مضى زمان فجیء برأس ابن زیاد فوضع بین یدی المختار، ثم مضى زمان فجیء برأس المختار فوضع بین یدی مصعب، ثم جیء برأس مصعب عندک، فلما سمع عبدالملک أخذته الرعدة وأمر بتخریب دار الإمارة(2).
ولما سمع عبدالملک بن مروان هذه الحکایة شعر بالرعب وبالخوف یدب فی قلبه، ولکنّه بدلاً من الاعتبار من ذلک والتحرک على مستوى جبران ما فاته من أعماله السیئة، قال: إنّ هذا القصر ینذر بالشؤم وأمر بهدمه، فهدموه وبنوا له قصراً آخر فی الکوفة فی مکان آخر!
إنّ التاریخ یختزن دروساً کثیرة بشرط أن نستوحی العبرة منها ولا یملکنا الغرور والزهو بما لدینا من نعم ومواهب، بل ینبغی لنا استخدامها فی الطریق الصحیح والعمل على إسهام الآخرین فی النعم التی وهبنا الله تعالى إیّاها، فلو أعطانا الله مالاً وثروة فعلینا السعی للتخفیف من معاناة الفقراء والمحتاجین، ولو وهب لنا سلطة وقدرة فلا ینبغی أن ننسى الضعفاء والمحتاجین، ولو وهبنا جاهاً ومنزلة عند الناس فعلینا الاستفادة منها فی سبیل رفع مشکلات الآخرین ومد ید العون لهم، وإذا کنّا نملک علماً ومعرفة فیجب علینا دفع زکاته وذلک بنشر هذا العلم وهذه المعرفة بین الناس، لأنّه لیس من المعلوم أننا نملک مرکب الثروة، القدرة،الجاه، العلم والمعرفة وأمثال ذلک إلى آخر العمر، فربّما ننزل من هذه المراکب على أثر المتغیرات والتحوّلات التی نعیشها فی حرکة الحیاة والواقع، فلو أننا استفدنا من هذه النعم الإلهیّة واستثمرنا کل مرحلة من مراحل حیاتنا وعمرنا بما ینبغی، فسنکون مصداق قوله تعالى (الَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)فسنجد ثمار ذلک فی النعیم الاُخروی الدائم.
 

(1) . کان مصعب بن الزبیر مع بنی أمیّه، ولکنه خرج فی سنة 72 للهجرة على عبدالملک بن مروان ودارت بینهما حرب ضاریة انتهت بقتله.
(2) . مستدرکات علم رجال الحدیث، ج 7، ص 425 .